تناولتُ في مقال سابق موضوع حد الرِّدة الذي أشار اليه الأستاذ علي محمد الحسن أبوقناية في مقاله المنشور بصحيفة الرأي العام حيث إتفقتُ معه فيما ذهب إليه من رأي يقول أنَّ حساب المرتد سيكون في الآخرة عند الله تعالى وليس عند مجمَّع الفقه الإسلامي, واليوم أتناول الموضوع الثاني الذي تطرَّق اليه الأستاذ أبوقناية وهو قول المُجمَّع بتطبيق عقوبة الرجم على الزاني المحصن. كتب الأستاذ أبوقناية منتقداً موقف مُجمَّع الفقه الإسلامي من رجم الزاني المحصن وقال أنَّ : ( مجمع الفقه الإسلامي يوافق على حد الرجم للزاني المحصن الذي لم تأمر الشريعة الإسلامية برجمه إنما أمرت بجلده لا رجمه أو قتله وذلك من عدل الشريعة التي لم تحاكم من تصرَّف في نفسه مثل ردته ولكن تحاكم من تعدى عن نفسه إلى نفس أخرى مثل حد السرقة وحد الزنا والحرابة, فمن قتل مرتداً يقتل به ومن رجم زانياً يرجم بمثل ما رجم به وذلك نسبة لحرية الاعتقاد إذ أنَّ الدين الإسلامي من عدالته لم يأمر بقتل المرتد عن دين الإسلام ولا يرجم الزاني ). في البدء نقول أنّه لم يثبُت ثبوتاً قطعياً أنَّ الشريعة الإسلامية قد أمرت برجم الزانية أو الزاني مُحصناً كان أم غير ذلك, وأنَّ عقوبة الرجم غير موجودة في القرآن, و يرى الباحث الليبي المرحوم الصادق النيهوم صاحب كتاب "إسلام ضد الإسلام" أنَّ الفقهاء أخذوا عقوبة الرجم من الشريعة اليهودية (التوراة). عقاب (عذاب) الزاني والزانية في القرآن هو الجلد كما ذكرت سورة النور, كما أنَّ هناك أيضاً عقوبات في الدنيا وأخرى يوم القيامة حدَّدها القرآن لحالاتٍ مخصوصةٍ من الزنا, وسنتناولُ أدناه كل ما أورده القرآن بخصوص عقوبة الزنا. العذاب (العقوبة) الذي قرَّرته/ها سورة النور للزانية والزاني إذا ضُبطا متلبسين هو الجلد مائة جلدة أمام الناس كما جاء في الآية (2) ﴿الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُواْ كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾, ولم تُخصِّص الآية عقوبة مختلفة للزانية المحصنة أو الزاني المحصن, فهى تتحدَّث عن الزانية والزاني بالإطلاق. وقرَّرت الآية (33) من سورة النور أنَّ الأمة (العبدة) إذا زنت وهى مُكرهة من قبل سيِّدها الذي يملكها فلا عقوبة عليها لأنها غير مُخيَّرة ﴿وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنّ فِإِنّ اللّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ). أمَّا اذا زنت الأمة بعد زواجها ولم تعُد مكرهةً على ممارسة الزنا, فإنَّ عقوبتها الجلد خمسين جلدة, وهى نصف عقوبة الحُرَّة المتزوِّجة وهذا ما قرَّرته الآية (25) من سورة النساء ﴿فَإِذَآ أُحْصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾. فإذا كان (عذاب) المُحصنة هو الرَّجم حتى الموت – كما يزعُم مؤيدوا الرَّجم - فكيف يُمكن أن تُعاقب الجارية المُحصنة بنصف الموت ؟ وهل يُمكن أن يُقسَّم الموت الى موتٍ كامل ونصف موت ؟ الموت هو الموت. وتحدَّث القرآن كذلك عن "اللعان" وهى الحالة التي يعجزُ فيها الرجل عن إثبات الزنا على زوجته بإحضار أربعة شهود, في هذه الحالة يشهد الرجل وحدهُ على زنا زوجته أربع مرَّات وفي الشهادة الخامسة يسألُ الله أن يلعنه اذا كان كاذباً, ومن حق الزوجة كذلك أن تدافع عن نفسها بالشهادة أربع مرّات بأنّ زوجها كاذب وفي الشهادة الخامسة تسأل غضب الله عليها إن كان زوجها صادقا في إتهامه لها بالزنا. وهذا ما قرَّرته آيات سورة النور (6-9) ﴿وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾. ولم تقل الآية – كما يقول أحمد الدغشي - ( ويدرؤا عنها الموت) مع أنَّ القرآن إستخدم ذات الفعل (درأ) مع الموت في الآية (168) من سورة آل عمران حيث يقول تعالى (الَذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ), بل قالت (ويدرؤا عنها العذاب) وهو نفس العذاب الذي ذكر في الآية (2) من سورة النور, وفي الآية (25) من سورة النساء وهو الجلد وليس القتل بالرجم. أمَّا فيما يخص نساء النبي فإنَّ الآيتان (30 -31) من سورة الأحزاب تقرران أنَّ عذابهن سيكونُ مُضاعفاً (مائتي جلدة) في حال وقوعهن في تلك الجريمة ﴿ياَ نِسَآءَ النّبِيّ مَن يَأْتِ مِنكُنّ بِفَاحِشَةٍ مّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً. وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنّ للّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾, وهنا أيضا نلاحظ أنَّ (العذاب) المقصود هو الجلد وليس الموت لأنَّ الموت لا يُمكن أن يُضاعف ضعفين. إضافة لعقوبة الجلد فإنَّ القرآن يُقرِّرعقوبة الطرد من المنزل على الزانية المُطلَّقة التي ما زالت في بيت زوجها لقضاء عدَّتها اذا ثبت إرتكابها لجريمة الزنا, وهو ما ورد في الآية (1) من سورة الطلاق (يَأَيهَا النَّبىُّ إِذَا طلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتهِنَّ وَ أَحْصوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكمْ لا تخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَ لا يخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَحِشة مُّبَيِّنَة وَ تِلْك حُدُودُ اللَّهِ وَ مَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظلَمَ نَفْسهُ لا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يحْدِث بَعْدَ ذَلِك أَمْراً). وهناك أيضاَ عقوبة أخرى يُضيفها القرآن للتي تزني بعد الطلاق بشرط ثبوت الجريمة عليها, وهى أن يعضلها (يمنعها) زوجها من الزواج مرَّة أخرى حتى ترُدَّ له بعضاً من المال الذي أعطاهُ لها في الصداق, وهذا ما جاء في الآية (19) من سورة النساء﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنّ إِلاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مّبَيّنَةٍ﴾. أمَّا اذا تزايدت الشواهد على إنحراف إمرأة دون ثبوت الزنا عليها بطريقة بيّنة فإنَّ عقوبتها بعد إشهاد أربعة شهود هى الحبس في البيت حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجاً, وهذا ما قررته الآية (15) من سورة النساء ( وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنّ فِي الْبُيُوتِ حَتّىَ يَتَوَفّاهُنّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنّ سَبِيلاً﴾. كذلك يتحَّدث القرآن عن الفاحشة بين الرجال (اللواط), والفاحشة بين النساء (السحاق), و يذكر العديد من العقوبات في هاتين الحالتين ( مثل الإمساك في البيوت) ليس من بينها الرجم. أمَّا الذين يقولون بأنَّ الرسول رجم الزاني المحصن فإنهُّم يستندون الى رواية وردت في موطأ الإمام مالك عن خطبة ألقاها سيدنا عمر بن الخطاب وقال فيها أنه كان في القرآن آية تقول ( الشيخ والشيخة اذا زنيا فأرجموهما البتَّة), وأنه لولا خوفه من أن يُقال زاد عمر في كتاب الله لأمر بكتباتها. إنَّ معنى كلمة "الشيخ أو الشيخة" في هذه الرواية - إن صحَّت - لا يُفيدُ "الإحصان" المراد هنا وهو الزواج لأنَّ الشيخ ( وهو من إستبانتْ فيه السن وظهرعليه الشيبُ) أو الشيخة قد يبلغا سن المائة دون زواج (إحصان), ثمَّ أننا كذلك نتساءل عن الحكمة من إزالة رسم هذه الآية من القرآن وبقاء حكمها ؟ واذا صح هذا النسخ فلماذا لم تنسخ أحكام سورة النور حكم هذه الآية ؟ وكيف يقول سيدنا عمر بهذه الآية ثم يعُّدها زيادة في كتاب الله يمتنع عن إضافتها الي القرآن ؟ ثم هم كذلك يستندون الى رواية رجم المرأة الغامدية وماعز إضافة الى أحاديث مجافية للعقل مثل الذي أورده البخاري في صحيحه في باب المناقب حيث يقول : حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال : "رأيتُ في الجاهلية قردةً إجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم". فهل يُعقل أن نقتل النفس التي حرَّم الله قتلها الا بالحق إستناداً إلى مثل هذا القول الخيالي المُتكلف عن أنَّ هناك قردة قد رجمت قردة زانية ؟ و كيف يمكن لإنسانٍ أن يعلم أنَّ القردة تتزوج ؟ وأنها ترجم من يخون ويزني ؟ وكيف علم من قال بهذا الكلام أنَّ هذه القردة قد عوقبت بالرجم لأنها زنت ؟ هل أخبرهُ أحد القردة ؟ وهل كانت الحيوانات تُطبِّق حدوداً شرعية في الجاهلية ؟ إنَّ ما نقلهُ البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أوفى يكفي للرد على من يقولون برجم الزاني إن هم أعملوا عقولهم وأبتغوا الحقيقة, فقد سُئل عن الرجم هل كان بعد سورة النور أم قبلها ؟ فقال: لا أدري. الراجح هنا أنّ الرَّجم - إن صح - فإنَّه يكون قد حدث قبل نزول سورة النور لأنَّ الرسول – كما يقول مصطفى محمود - إذا رجم بعد نزول حكم القرآن بالجلد على الزاني فإنَّه يكون قد خالف القرآن , ولا يصحُّ لعاقلٍ أن ينسب للنبي أنَّه خالف القرآن. إنَّ من أعظم الحُرمات حرمة النفس البشرية, ومن أعظم الجرائم أن تُقتل تلك النفس بغير حكم أنزله الله تعالى الذى خلقها, وإنَّ أعظم الجرائم على الإطلاق أن نفتري تشريعاً بقتل النفس ثم ننسبهُ إلى الله تعالى ورسوله ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِآيَاتِهِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ). [email protected] ولا حول ولا قوة إلا بالله