لا يدرك عامة الناس أن هناك حدا فاصلا بين صلاحيات الصيدلي وأهلية الطبيب. إذ يفضل الكثير من المرضى ولأسباب مادية في الغالب، اختصار المسافة باستشارة الصيدلي بدل القيام بتشخيص كامل لدى الطبيب. وقد تتساهل الكثير من الأمهات أيضا مع إصابة أطفالهن ببعض أمراض البرد والنزلات ويلتجئن إلى اقتناء الأدوية الشائعة، لا سيما في حال تكرر المرض، دون أن يدركن خطورة التعرض لمضاعفات أو تفاعلات كيمياء العقاقير التي قد لا تتماشى مع خصوصية كل حالة. العرب نجوى درديري من المظاهر الشائعة عند الأسر العربية تطوع الأم أو الأب للقيام بدور الطبيب وتشخيص حالات الإصابة بنزلات البرد، مع تحديد الدواء المطلوب وشرائه من الصيدليات مباشرة، دون الرجوع إلى الطبيب أو استشارة. وكثيرا ما يقوم الصيدلي نفسه بدور الطبيب ويرشح بعض الأدوية بناء على حالة المريض، وهو أمر خطير في آثاره السلبية على الصحة بعدما أثبتت تجارب سريرية وعلمية أنها تؤدي إلى الإصابة بحساسية الجلد لاحتوائها على مواد فعالة قد تضر بالجسم أكثر مما تفيده. وكشف الدكتور هاني الناظر أستاذ الأمراض الجلدية بالمركز القومي للبحوث، أن أدوية البرد الشائعة مثل الكونجستال وكليربيست والفلوستات والرينوبرونت والرينوبرو والبنسلين وبعض مشتقاته وغيرها من الأدوية التي يتناولها المريض في الغالب دون استشارة الطبيب تسبب الحساسية الجلدية وتظهر في شكل احمرار شديد مصحوب بألم والتهابات، كما تصيب الأعضاء التناسلية للجنسين. وأكد الناظر ل"العرب" أهمية أن يكون لكل إنسان تاريخ مرضي، يرجع إليه الطبيب قبل تحديد الأدوية المناسبة له، مشيرا إلى أن الرجوع إلى الصيدلية لشراء الأدوية بشكل عشوائي مثلما هو شائع في البلدان العربية، أمر في غاية الخطورة. في المقابل، أبدى الدكتور هيثم عبدالعزيز عضو مجلس نقابة صيادلة مصر دهشته من اعتراض الأطباء. وأكد في تصريحات ل"العرب" أن الصيدلي الخبير الأول بالدواء، فهو القادر على معرفة المادة الفعالة وتداخلات المواد مع بعضها لأكثر من دواء وما ينتج عنها، كذلك هو من يحدد الجرعات المناسبة من الدواء، سواء للطفل أو البالغ أو المسن أو المرأة الحامل. وأشار إلى أن هناك أكثر من 127 مادة فعالة للأدوية يمكن للصيدلي صرفها بشكل وصفي أي دون الرجوع إلى الطبيب، وهي مواد تدخل في تكوين أكثر من 800 دواء في السوق المصري على رأسها أدوية البرد، بموجب قرار وزاري صادر من وزارة الصحة المصرية لتنظيم هذا الشأن، مقررا بأن أدوية علاج أمراض أخرى مثل القلب وضغط السكر والأمراض المستعصية لا يجوز للصيدلي صرفها بشكل وصفي من المريض. ويعتبر البنسلين من أكثر المواد الفعالة الشائعة الموجودة في أدوية البرد خصوصا في علاج حالات احتقان الحلق، لكنه يعتبر من الأدوية الحرجة لأنه يتسبب في حساسية بالجلد للكثير من المرضى. ويوصف البنسلين للأطفال من سن 4 إلى 9 سنوات، حيث يجري تعاطيه عن طريق الحقن. لكن هذه الطريقة ترفع مخاطره بنسبة 1-2 بالمئة في كل مئة ألف حالة، بينما تقل نسبة الوفاة في حالة تناوله تحت إشراف الطبيب، حيث يتولى تحديد الجرعات المناسبة لحالة الطفل وصحته واستجابته للحساسية التي يسببها. وأكد عبدالعزيز ل"العرب" أنه لا يوجد أمان بشكل مطلق في تناول العقاقير، كما أن الحساسية الناتجة عن بعض العقاقير تختلف من شخص إلى آخر، وتحدث في حالات نادرة لا يمكن اعتبارها ظاهرة أو الانزعاج منها. لكنه اعترف بأن المضادات الحيوية مثل البنسلين، والتي يتناولها المريض في شكل حقن هي الأكثر تسببا للحساسية، والأصعب في التعامل مع آثارها الجانبية عكس الأدوية التي تكون على شكل أقراص، حيث يسهل التعامل مع الأخيرة بسهولة في حالة تسببها في إصابة المريض بحكة جلدية أو أعراض أخرى. ويأتي التأكد من عدم الإصابة بحساسية الدواء من خلال الفحوصات المعملية للمرضى، وإلى أن يقوم المريض بذلك عليه تجنب تناول عقاقير البرد أو الأدوية المعروف عنها تسببها في الحساسية، بمختلف أشكالها سواء الحكة أو الاختناق وضيق التنفس ثم فقدان الوعي. وهذا شائع في الفئة العمرية من 20 إلى 50 عاما، ومن النادر حدوثها للمرضى تحت سن ال12 عاما. وأشار عبدالعزيز إلى أهمية أن يجري المريض اختبارا لحساسية البنسلين قبل تناوله، لأن أعراضه خطيرة وقد تقضي على حياة المريض. ونصح المرضى الذين تكررت معهم حالات الحساسية من تلك الأدوية بعرض أنفسهم على الطبيب فورا، حتى لا تتطور الإصابة بالحساسية إلى ضيق تنفس والدخول إلى المستشفى، حيث يمكن أن يحتاج وقتها للعلاج بحقن الكورتيزون. وأكدت صافي إبراهيم استشاري أمراض الأطفال أن بعض الأمهات يتساهلن في التعامل مع أمراض البرد التي تصيب صغارهن، فيلجأن لاستشارة أمهات مثلهن عن نوع الدواء الذي يعطينه لصغيرهن، دون الرجوع إلى الطبيب واستشارته، وتشخيص المرض وإعطاء الدواء المناسب.