الخرطوم على موعد مع صباح مختلف.. عند الرابعة تماماً كانت الطائرة تهبط في المدرج يخرج منها المهندس محمد الحسن الميرغني.. لا يكتمل التعريف دون أن تضع صفة (مساعد رئيس الجمهورية) أمام العائد إلى الخرطوم، وفي طريقه إلى القصر الجمهوري لمباشرة مهامه. عودة الحسن مرة أخرى إلى البلاد تحمل معها أسئلتها؛ لماذا ذهب ولماذا عاد؟.. في رحلتي الذهاب والعودة تبدو ثمة حكايات وتقاطعات في علاقات المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فمنذ انخراط وريث منصب رئاسة الحزب مولانا الحسن في الشراكة مع المؤتمر الوطني بدأت العلاقة تراوح مكانها بين الشد والجذب. لكن يبقي السؤال الرئيس هنا: لماذا ذهب الحسن ولماذا عاد؟ خرج الحسن مغاضباً.. ويفسر نجل مولانا غضبته بأنها مسببة بالتهميش الذي طاله أثناء مشاركته عقب التشكيل الوزاري.. الشاب جاء مدفوعاً بآمال عريضة لتحقيق الاستقرار في السودان ويحمل أحلاماً دفعت به لأن يبث الشعب أحلام الخلاص في 181 يوماً.. مضت الأيام دون أن يحدث جديد، الرجل الجالس في القصر دون مهام انتهز فرصة فراغه وحزم حقائب رحيله خارج البلاد يقول البعض بأن المغادرة لم تكن سوى محاولة لفرض الضغوط على السلطة لتقديم بعض التنازلات ولرفع مستوى مشاركة الأصل في السلطة وفي تحديد مسارات البلاد خصوصاً وأنهم قدموا سبت الشرعية في انتظار أحد المسؤولية. لم يستجب النصح إلا ضحى الغد.. هو لسان حال المعارضين للشراكة منذ بدايتها.. الفريق الذي رأى في خطوات الحسن مجرد اختطاف لتاريخ الحزب وأن الأخير لم يستبن للنصح وإنما خاض معاركه ضد الكل حتى وصل إلى محطة تهميشه الآنية.. يقول القيادي الاتحادي وأحد دعاة فض المشاركة المحامي علي السيد إن التهميش كان النتيجة الموضوعية لمجريات الأحداث فالوطني في سعيه الحثيث من أجل مشاركة الأصل كان يستهدف الحصول على شرعية انتخابية وقد نالها وفقاً لما يشتهي هو وليس بناء على موضوعية التنافس الانتخابي وهو الأمر الذي يعني بأن المرحلة المهمة قد تم إنجازها وأنه لا يحتاج لتقديم المزيد من التنازلات وعلى الحسن أن يفعل ما يريد بعدها وهو ما دفع بالأخير للمغادرة من أجل ممارسة الضغط على الحكومة حتى يغادر محطة تهميشه ويجد له موطئ قدم للتأثير على القرارات في البلاد. نائب رئيس الحزب بحسب ما هو مسجل في الأوراق الرسمية ونجل مولانا لم تكن معركته منذ الصعود هي معركته مع الحزب الحاكم وإنما اضطر لخوض معارك في اتجاهات مختلفة بعضها في الإطار الوطني العام وأخرى اتسمت بالخصوصية الحزبية فمنذ ابتعاد مولانا الميرغني واختياره البقاء في عاصمة الضباب بدا وكأن الضبابية هي المفسر الرئيس لتفاعلات الاتحادي الأصل وتعددت التيارات التي تنشط داخله كل ينطلق من رؤاه ومفاهيمه الخاصة. وفشل الحسن في حسم هذه النزاعات لضعف تجربته السياسية من جانب وفي جانب آخر لأنه سلم قياده للحزب الحاكم بحسب ما يقول معارضوه فالشاب بات يمضي في اتجاه ما يطلبه الحزب الحاكم، عليه فإن اعتراضاته بدت وكأنها اعتراضات من يريد أن يعظم مكاسبه الشخصية على حساب المصلحة الكبرى لحزبه. ستة أشهر والمساعد خارج مكتبه في القصر ونائب رئيس الحزب بعيد عن موقع الفعل.. بين القاهرة والإمارات وتايلاند كان يقضي الرجل رحلة استشفاء بعيداً عن لهيب الخرطوم ليعود إليها أمس صباحاً ولكن قبل العودة كانت وسائل الإعلام السودانية تتداول ما أسمتها ورقة استبيان ستقدم لعضوية الحزب لبيان موقفهم من عملية المشاركة وتحديد الاستمرار فيها.. مؤكد أن النتائج لم تخرج للعلن حتى الآن بالرغم من أن كثيرين كانوا يجمعون على أن قواعد الاتحاديين أوضحت موقفها الرافض قبل إعلان المشاركة في الانتخابات وكررته عبر عزوفها عن المشاركة فيها لاحقاً. لكن النتيجة التي لم تظهر للعيان في الاستبيان ظهرت في مكان آخر حين نقلت قبل يومين أخبار عن ملفات جديدة سيستلمها كبير مساعدي رئيس الجمهورية عقب عودته إلى البلاد مثل الإمساك بملف الطلاب وملف مجلس الصداقة الشعبية بالإضافة للمسؤولية المباشرة عن قاعة الصداقة بالخرطوم.. الملفات الجديدة بدت عند البعض وكأنها استمرار في نظرية التهميش للحزب الاتحادي الأصل ولمساعد الرئيس، لكن هذه الرؤية بدت وكانها لا تمنع السيد من العودة مرة أخرى والاستمرار في مشروع الشراكة مع الحزب الحاكم خصوصاً وأنه طوال فترة غيابه استمر وزراء الاتحادي الأصل ونوابه في أداء وظائفهم ولم يتوقف منهم أحد عن أداء دوره نيابياً أو تنفيذياً. عقب العودة يخرج صوت الحسن قائلاً إن مشاركة الحزب في الحكومة جاءت لخدمة الوطن والمواطن الحسن وأعلن الميرغني مضي الحزب الاتحادي (الأصل) قدماً في المشاركة في عمليات الإصلاح بالدولة، والمساهمة في وضع الترتيبات التي تخرج بالبلاد من الأزمات التي تمر بها، خاصة معايش وهموم المواطنين وفك الضائقة المعيشية.. ودعا المواطنين لمناصرة القوات المسلحة والشرطة، والوقوف بجانبها لتطهير الأراضي من دنس التمرد والتطرف، والمساهمة في أمن واستقرار البلاد، فضلاً على ضرورة دعم الحوار الوطني والنتائج التي أتى بها بجانب خارطة الطريق التي وقعت عليها الحكومة في أديس أبابا. الحسن يعود حاملاً في يده مشعل المشاركة في عملية إصلاح الدولة والخروج بها من الأزمات وتحقيق الوفاق الوطني.. ذات الأسباب التي اعتبرها مبررات للمشاركة الأولى هي نفسها أسباب العودة الآنية وهي ما تجعل الكثيرين يضعون الاستفهامات في طريق المساعد حول ما تم إنجازه في الفترة السابقة وعن ال181 يوماً.. لكنه يرد بأنه لم تتح له فرصة لتنفيذ ما أراده وأغلقت أمامه الأبواب من قبل الحزب الحاكم لذلك فشل في تنفيذ وعوده سابقاً.. وبحسب كثيرين فإنه سيفشل أيضاً في المرحلة القادمة لأن سياسات الوطني ستظل هي سياساته ولن تتغير خصوصاً في ظل تزايد قناعات لدى قيادات كثيرة بأنه ليس لدى الحسن ما يقدمه للحكومة فما تزال القواعد الاتحادية واقفة في محطة المواجهة والرفض لسياساته وسياسات الحسن في آن واحد. يقول مقربون من الميرغني إن عودة الرجل لممارسة مهامه في القصر تمت عقب إحساسه بأن تحولات كبيرة في المشهد السياسي السوداني، وفي ظل تلمسه استجابة من قبل الحكومة لفتح باب المشاركة أمامه بما يمكنه من تحقيق تطلعاته في وطن مستقر ويؤكدون أن العودة مبررها الأساسي انتفاء أسباب وجوده بالخارج الآن وأنه سيساهم وحزبه في التغييرات المنتظرة في البلاد.. لكن ثمة من يقول إن عودة القيادي في الحزب الاتحادي الأصل ارتبطت باهتزاز المقعد تحته وإنه من الممكن أن يفقده في ظل حالة الاقتراب المتسارع للسيد مبارك الفاضل من العودة للقصر خصوصاً وأن الأخير كان يجلس في ذات مقعد المساعد في بداية الألفية اليوم التالي