إن بناء دولة ليس مهمة سهلة أبداً، ونحن ندرك هذا لأنه العمل الذي نمارسه طول حياتنا. وذات مرة حاربنا معاً كأخوة من أجل الانتصار في معركة استقلال جنوب السودان عن دولة الشمال. وعندما ظهرت دولتنا إلى حيّز الوجود العام 2011، كان يغمرنا الأمل، وكنا نعتقد أن في وسعنا التقدم إلى الأمام كأمة واحدة، وما لبثنا أن أدركنا أن ما كان يربط شعبنا في مسعاه لنيل الحرية هو النضال من أجلها بحدّ ذاته، وأن هذا الرابط الذي كان يجمع بيننا لم يكن من السهل أن يتواصل ويُستدام في أوقات السلام. ولقد التزمنا التزاماً لا رجعة عنه ألا يعود بلدنا مرة أخرى إلى الحرب الأهلية. وبعد اتفاقية السلام التي وقعناها في شهر أغسطس 2011، عدنا إلى التمسك بروابطنا الأخوية من جديد في حكومة نشغل فيها منصبي الرئيس والنائب الأول. وبالرغم من الاختلافات التي تفرقنا، أو بالأحرى بسببها، قررنا العمل على تحقيق المصالحة بين قبيلتينا وإقامة أسس الاتحاد بينهما، إلا أن توحيد جنوب السودان لا يمكن أن يتم إلا عبر طريق واحد، أي بتحقيق السلام الدائم وعملية المصالحة بدعم دولي. وفي هذه العملية، يجب على كل إنسان في جنوب السودان أن يساهم في رواية ما حدث عن طريق الحوار، وبهذه الطريقة يمكننا أن نعرف حقيقة ما كان يدور خلال الحرب الأهلية الدموية. ولقد عقدنا العزم على تشكيل لجنة وطنية لتقصّي الحقائق والمصالحة على طريقة اللجنتين اللتين سبق تشكيلهما لغرض مشابه في كل من جنوب أفريقيا وإيرلندا الشمالية. وستتمتع اللجنة بسلطات متنوعة حتى تتمكن من إجراء تحقيقاتها وحواراتها مع الأطراف المعنية في جنوب السودان من أفقر فلاح حتى أقوى السياسيين من أجل تجميع روايات مفصلة وصادقة عن الأحداث التي رافقت الحرب الأهلية. وسوف يعفى أولئك الذين يقولون الحقيقة من المقاضاة في منظمة العفو الدولية، حتى لو لم يعبروا عن ندمهم عما اقترفوه من أفعال. وليس الهدف من هذه العملية هو طلب المغفرة، بل تحضير شعب جنوب السودان لمهمة ضخمة تنتظره، وهي العمل على بناء أمة تقوم جنباً إلى جنب مع أولئك الذين ارتكبوا الجرائم بحقه وبحق عائلاته وقبائله. ونحن ندرك أن هذا المسار ليس مستقيماً، إلا أنه سيكون على الأقل أكثر استقامة من أي مسار آخر من أجل ضمان تحقيق السلام الدائم. وهو الذي سيخفض المخاطر الكامنة في شعور أحد الطرفين بأنه متضرر من التسوية، أو أنه يتحمل المسؤولية أكثر من الطرف الآخر عن الأحداث التي وقعت. وخلافاً لما يمكن أن تؤدي إليه المصالحة، فإن العدالة العقابية، حتى لو تم تحقيقها وفقاً للقانون الدولي، ستؤدي إلى عرقلة الجهود التي تهدف إلى توحيد أمتنا، لأنها ستكرس الحقد والكراهية في أوساط شعب جنوب السودان. وهنا يكمن السبب الذي يدفعنا إلى الطلب من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، وبريطانيا على وجه الخصوص، بمساعدتنا على إعادة النظر في أحد بنود اتفاقية السلام باعتبارها من المشاركين فيها، وهو البند الذي يتعلق بإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية وتحويلها بدلاً من ذلك إلى المحاكم المختصة في جنوب السودان. ونطالبها أيضاً بالسعي إلى تشكيل لجنة وساطة لتحقيق السلام وكشف الحقيقة وإطلاق عملية المصالحة. سيلفا كير* ورياك مشار** *رئيس جمهورية جنوب السودان **النائب الأول لرئيس جنوب السودان