في مطلع العام الماضي ،أقرّ السيد وزير الصحة الولائي بوجود عدد من شركات الأدوية غير ملتزمة بجودة وحفظ الأدوية ومراقبتها ، فضلاً عن وجود أدوية مغشوشة وأخرى منتهية الصلاحية ، وقال الوزير بعد حملة تفتيش لصيدليات العاصمة إنهم وجدوا ان 40% من أدوية الصيدليات التي تم تفتيشها إما منتهية الصلاحية أو غير مسجلة ،وأكد وجود أدوية مغشوشة مهربة متداولة في الصيدليات. نتيجة تلك الحملة ،إن صحَّت ، كافية لأن تعمم على جميع بقية الصيدليات وتثبت حالة الفوضى والفساد التي أصابت تجارة أهم وأكثر المنتجات حساسية وخطورة على الإطلاق ، إذ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف ولماذا يحدث هذا في ظل وجود جهات حكومية مسؤولة، يفترض انها هي فقط تتحمل كامل المسؤولية فيما يتعلق ببيع وشراء الأدوية وتوزيعها في ولاية الخرطوم أو غيرها،و يفترض ان لها القدرة على ضبط العمل فيها، مثلما كان في الماضي ، والأمر ليس صعبا و لا يحتاج إلا إلى قوانين صارمة منظمة للمهنة وأخلاق تحميها ، كما أنه يحتاج إلى تحديد جهات معينة ومتخصصة لتقوم بهذه المسؤولية التي يجب أن تكون تحت رعاية الدولة بالكامل، فالأدوية ليست مثل السلع العادية متاحة لأي شخص يريد ان يصبح تاجرا فيها . الآن هناك جهات كثيرة دخلت إلى عالم تجارة الأدوية بلا استئذان ، مما أدى إلى هذه الفوضى فكم عددها وبأي حق دخلته ؟ وهل يمكن لأي شخص أن يعمل في تجارة الأدوية وهل هناك شروط ، أم ان كل ما يحتاجه ظهر يسنده في الحكومة. تجارة الأدوية أصبح لها سوق ، مثلها مثل أي سلعة أخرى تباع في أي مكان ، حتى على قارعة الطريق وعلى عينك يا تاجر و أصبح لها مافيات تلعب على أعلى مستوى تستورد جميع أنواع الأدوية :لا تخاف من نوعية الأدوية ولا أصلها ولا جودتها ولا أي شيء .. المهم أن تربح من خلفها ، لدرجة ان الفوضى بلغت حد الاحتيال على بنك السودان المركزي ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف أصبح كل هؤلاء بعين قوية تجار أدوية ولديهم الشجاعة على الاحتيال على أعلى مستوى ؟ الإجابة لا أظنها تحاج إلى كثير عناء ، فقد غابت القوانين والمحاسبة والأخلاق ،والعناوين العريضة التى خرجت بها الصحف قبل أيام عن اكتشاف مافيا تعمل في الأدوية هو حصاد ما زرعته أيادي الحكومة . هناك حقيقة لا جدال فيها فيما يتعلق بفوضى تجارة الأدوية هذه وهي ان الكثيرين دخلوا إلى هذا العالم من أبواب فتحتها الحكومة نفسها بقصد أو دون قصد ، ولو قمنا باجراء مقارنة بين الوضع الراهن وقبل خمسة وعشرين سنة سنجد أن المسؤولية تتحملها الحكومة كاملة ووحدها ، فهى من تركت الثغرات التي أدت إلى ظهور مافيات الأدوية ، وبالرغم من خطورة العمل فيها دخلوها بقلب جامد ،مما يعني أنهم واثقون من قدرتهم على خوض المغامرة دون ان يتعرضوا لأية مساءلة أو عقاب . حتى يتمكن الناس من معرفة لماذا آل الوضع إلى ما هو عليه الآن لا بد من أن نعود إلى ما قبل ربع من الزمان وكيف أن الأدوية بعدما كانت بيد الدولة وحدها أصبح لها سوق وسماسرة ومافيات تصول وتجول وتتخطى كل الخطوط الحمراء ... ونواصل . التيار