تأكيدا لما انفردت «الشرق الأوسط» بنشره مؤخرا بشأن إجراء الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي مفاوضات سرية خارج ليبيا مع محسوبين على المجلس الانتقالي المعارض له وممثلين لحكومات غربية، أقر أمس موسى إبراهيم القذافي الناطق الرسمي باسم الحكومة الليبية للمرة الأولى بصحة هذه المفاوضات، وقال إن مسؤولين من حكومة القذافي اجتمعوا في عواصم أجنبية مع شخصيات من المعارضة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة. جاءت تصريحات موسى القذافي بعد يومين فقط من تأكيدات عائشة وسيف الإسلام نجلي القذافي بوجود هذه المفاوضات، لكنهما أوضحا في المقابل أن رحيل القذافي عن ليبيا وتخليه عن السلطة غير وارد إطلاقا. وعاد المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للقذافي إلى ترديد هذه النغمة أمس عندما قال في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي (تي إف 1) إن «الدول الغربية محكوم عليها بالفشل في حملتها العسكرية، وإن غاراتها الجوية ضد القوات الحكومية جعلها أهدافا مشروعة»، مؤكدا أن والده «لا ينوى مغادرة البلاد في إطار مفاوضات». واعتبر سيف الإسلام في حديث نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية أنه «يستحيل» التوصل إلى حل للنزاع من دون مشاركة والده، مضيفا أن «والدي لا يشارك في المفاوضات. إنه نزاع ليبي بين ليبيين وخونة، وميليشيات، وإرهابيين. هل تظن أننا يمكن أن نجد حلا لا يساهم فيه؟ لا، هذا مستحيل». واعتبر أنه «مع الحلف الأطلسي أو من دونه سيخسر المتمردون» الحرب، مضيفا أن «الجرذان (كما يصف المتمردين) ليس لهم أي فرصة للسيطرة على هذا البلد». وتابع: «عملية الحلف الأطلسي غبية جدا وسيئة التحضير، إن كل شيء تم على عجالة، إنها حملة وجبات سريعة، حملة ماكدونالد. نحن لدينا جيشنا، لدينا مزيد من الذخيرة والأسلحة، إن المعنويات على أحسن ما يكون». وقال سيف: «إننا نركز أكثر على المعركة الجارية مما نفكر في المحكمة الجنائية». ومن أجل وضع حد للنزاع قال سيف الإسلام إنه مستعد «للسلام» و«الديمقراطية» و«الانتخابات» أو «الحرب». وأضاف: «أنا أحب الديمقراطية وأريد أن تكون ليبيا سويسرا أو نمسا الشرق الأوسط». وتحدث أيضا عن الدعم الذي قدمه للمتمردين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي استقبل العقيد القذافي بكل أبهة عام 2007 في باريس. وقال: «كنا نعتبر ساركوزي من أفضل أصدقائنا في أوروبا، إن العلاقة التي كانت تربطه بوالدي كانت مميزة.. لقد غير رأيه بين ليلة وضحاها»، وعزا ذلك إلى أن ليبيا لم توقع «الكثير من العقود» التجارية مع باريس. وأضاف سيف الإسلام مخاطبا الغرب: «لن تكسبوا، لا توجد لديكم فرصة، فالفرصة معدومة لكي تكسبوا الحرب هنا... إذا كنت غاضبا منا لأننا لا نشتري طائرات رافال فيجب أن تتحدث معنا»، وذلك في إشارة إلى الطائرة الحربية الفرنسية التي تصنعها شركة «داسو»، والتي حاولت باريس بيعها لطرابلس قبل اندلاع الانتفاضة ضد القذافي. وتابع: «إذا كنت غاضبا منا لأن صفقات النفط لا تسير بشكل طيب فعليك أن تتحدث معنا، المتمردون لن يعطوك أي شيء لأنهم لن يكسبوا». من جهته قال موسى إبراهيم الناطق باسم الحكومة الليبية في بيان وزعه من مقره في العاصمة الليبية طرابلس أمس إن المفاوضات مع المعارضة جرت في إيطاليا ومصر والنرويج بحضور ممثلين لحكومات تلك الدول، وإنها ما زالت مستمرة، مشيرا إلى أن أحد الاجتماعات عقد في روما بين مسؤولين بالحكومة الليبية وعبد الفتاح يونس العبيدي وزير داخلية القذافي السابق الذي انشق وانضم إلى المعارضة في شهر فبراير (شباط) الماضي. وقال البيان إنه خلال الأسابيع القليلة الماضية التقى في عدد من العواصم العالمية مسؤولون كبار في الحكومة الليبية مع أعضاء من المعارضة الليبية للتفاوض من أجل التوصل إلى سبل سلمية للخروج من الأزمة الليبية، لافتا إلى أن المفاوضات المباشرة متواصلة الآن. لكنّ مسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي نفوا ل«الشرق الأوسط» أمس مشاركة أي مسؤول رسمي في المجلس في هذه المفاوضات، وأشاروا إلى أنها جرت على مستوى غير رسمي وبحضور شخصيات ليبية محسوبة فقط على المجلس، لكنها لا تنتمي إليه ولا تمثله ولا تحظى بعضويته. كما نفى مصدر مقرب من اللواء عبد الفتاح يونس الذي يتولى قيادة جيش الثوار المناهض للقذافي مشاركته في أي مفاوضات من أي نوع مع ممثلين عن القذافي، موضحا أن يونس مطلع على كواليس هذه المفاوضات، لكنه ليس طرفا فيها مطلقا. واعتبر المصدر الذي تحدث ل«الشرق الأوسط» من مدينة بنغازي حيث معقل الثوار ومقر المجلس الوطني الانتقالي أن محاولة نظام القذافي الزج باسم اللواء يونس إنما تستهدف إحداث الوقيعة والفتنة بين أعضاء المجلس الانتقالي وللإيحاء بأن يونس على صلة بنظام القذافي. وبينما قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيطالية إنه «لم يحدث أي اجتماع ولم نشارك في أي اجتماع»، أبلغ السفير هاني خلاف المبعوث المصري الخاص إلى ليبيا «الشرق الأوسط» أنه ليس على علم بمفاوضات من هذا النوع. إلى ذلك، شن الدكتور البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي هجوما حادا ولاذعا ضد فرنسا، واعتبر أن قيامها قبل يومين بتزويد عصابات الخونة في الجبل الغربي - في إشارة إلى الثوار - يشكل خرقا صريحا لقراري مجلس الأمن حول ليبيا، ستكون له تداعياته على الدول المجاورة، وستكتوي به فرنسا قبل غيرها. وأوضح البغدادي في تصريحات له أن اعتراف فرنسا بإلقاء أسلحة ومعدات لعصابات الخونة في منطقة الجبل الغربي هو اختراق واضح لقرارات مجلس الأمن، وتهور واضح من دولة عضو دائم في مجلس الأمن. وقال: «نحن نعرف المنطقة جيدا، ونعرف دول الجوار، وإن أول من سيكتوي بهذه النار هم الفرنسيون أنفسهم، لأن المعروف أن (القاعدة) من موريتانيا إلى تشاد ومنطقة الصحراء بالكامل جاهزة الآن لذلك، ونحن متأكدون جدا وحسب المعلومات الاستخباراتية التي لدينا أن هذه الأسلحة قد تصل إلى أيدي (القاعدة) فورا، وبالتالي ستقتل بها الفرنسيين قبل الليبيين». وطلب المحمودي أن ينظر العقلاء من الفرنسيين إلى مصلحة بلادهم جيدا، كما ناشد الجماهير الوطنية الفرنسية والمجتمع الوطني الفرنسي والذين يعرفون مصلحة فرنسا جيدا بأن يقفوا ضد هذا التهور غير المحسوب، الذي لا يخدم فرنسا ولا يخدم مصالحها، بل بالعكس سيزيد من اشتعال النار في المنطقة. كما دعا مجلس الأمن إلى عقد جلسة بعد هذه الاختراقات التي تقوم بها بعض الدول وعلى رأسها فرنسا، للوقوف على انتهاك هذه الاختراقات لقرارات المجلس، معتبرا أن كل هذه الحرب ليست لحماية المدنيين وإنما احتلال ليبيا، وأن تستحوذ فرنسا على أكبر عائد من النفط الليبي والغاز، وكذلك من مشروعات البنية الأساسية. وأكد أن «ليبيا دولة ذات سيادة وقوية بشعبها وقادرة على التصدي لأي عدوان وتدين مثل هذه الأعمال وهذه الأساليب القذرة والتدخل في سيادتها»، مضيفا: «إن ما قامت به فرنسا يعد بمثابة إعلان حرب على ليبيا، ونحن على استعداد لمواجهة ذلك». وانتقد تصريح نائب أمين عام الأممالمتحدة للشؤون السياسية يوم الاثنين الماضي بشأن ليبيا وقال إنه يدل على عدم حيادية الأممالمتحدة التي قال إن بلاده تتوقع أن تحترم قراراتها وأن تحتفظ بحيادها وتعمل على إيجاد حل سياسي لما يجري في ليبيا. وخلص إلى القول بأنه «في ظل هذه المعطيات التي أمامنا الآن أصبحت الحرب مفتوحة، وإن الناتو خاصة فرنسا يدفع باتجاه إشعال حرب أهلية بدعم عصابات الخونة الذين يقدم لهم حلف الناتو وفرنسا الدعم العسكري». وأكد أن استمرار هذا العدوان على ليبيا وهذه الاختراقات بالجملة في قرارات مجلس الأمن وغيرها من الأشياء، تدل على أن لا أحد ملتزم من الناحية السياسية، وبالتالي فإنه ليس أمام الليبيين الآن إلا الاستمرارية فعلا في كفاحهم ضد العدوان، على حد قوله. من جهتها أعلنت وزارة الدفاع الليبية أمس افتتاح ما سمته بمكاتب للجهاد لتسجيل المجاهدين الذين ستشكل منهم قوات المجاهدين من الرجال والنساء التي ستتولى مواجهة الصليبيين وعصابات الخونة»، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الليبية الرسمية. المجلس الانتقالي الليبي : اعتراف تركيا بالثورة صفعة للقذافي نفى مزاعم نظام طرابلس حول وجود خلافات قبلية القاهرة: عمرو أحمد اعتبر قيادي بالمجلس الانتقالي الليبي اعتراف تركيا بالمجلس الذي يتخذ من بنغازي مقرا له، صفعة لنظام العقيد معمر القذافي الذي يقاتل ثوار ليبيا منذ 17 فبراير (شباط) الماضي، لإسقاط حكمه المستمر منذ نحو 40 عاما. وقال خير الله محمود القيادي بالمجلس الانتقالي ل«الشرق الأوسط»، إن اعتراف تركيا بالثورة الليبية، وسحب سفيرها، يعد «صفعة لنظام القذافي»، وإعلانها للدعم المعنوي والمادي سيقوي من عزيمة الثوار، وسيحدث اضطرابا بين صفوف القذافي. وكان أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي، قد أعلن خلال المؤتمر الصحافي الذي أقيم ببنغازي، مساء أول من أمس، عن تمسك بلاده بخطتها لحل الأزمة في ليبيا، وهي الوقف الفوري لإطلاق النار، وتخلي القذافي عن السلطة، وقامت تركيا على أثر ذلك بسحب سفيرها في طرابلس، والإعلان الرسمي عن قطع العلاقات مع نظام القذافي. وأضاف خير الله محمود خلال اتصال هاتفي من داخل ليبيا، إن أوغلو عقب وصوله مطار بنغازي، قال لي: «تحسرت على ما شاهدته في ليبيا وعدم اعترافنا بالمجلس الانتقالي منذ البداية»، في إشارة منه إلى الدمار الذي حل بليبيا على يد القذافي، موضحا أن أوغلو، لم يكن يتصور حجم معاناة الشعب الليبي الذي يذوق المر على يد القذافي. وقال محمود إن المجلس الانتقالي يقيم هذه الأيام «مصرف المركز الانتقالي» بمدينة بنغازي، الذي سيتولى كيفية صرف الإمدادات المالية للشعب الليبي والثورة، خاصة بعد إرسال بعض الدول المعونات للثوار. يأتي هذا في وقت صرح فيه سيف الإسلام، نجل العقيد معمر، خلال حديث نشرته صحيفة «لومند» الفرنسية أمس، أنه لا يمكن التوصل إلى حل للنزاع القائم في ليبيا الآن من دون القذافي، مشيرا إلي أن الثوار سيخسرون الحرب سواء بدعم حلف الأطلنطي أو من دونه. وعلق خير الله محمود على هذه التصريحات بقوله إن موقف القذافي أصبح ضعيفا، ووجوده أو عدمه لن يؤثر على تقدم الثوار، وعندما يتنحى عن السلطة، ستتم محاكمته في محاكم ثورية في حاله إلقاء القبض عليه، وإذا ألقت قوات التحالف القبض عليه فمن المؤكد أنها ستسلمه للمحكمة الدولية. ونفى خير الله محمود ما تداولته وسائل الإعلام حول إعلان مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، أول من أمس ل«رويترز»، عن إمكانية بقاء القذافي داخل ليبيا بعد تنحيه عن السلطة، قائلا إن ما أعلنه رئيس المجلس الانتقالي كان يعني به اقتراحا قديما، يعود لما قبل إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن مطالبة مثول القذافي للتحقيق في جرائمه تجاه الشعب الليبي. وأوضح خير الله أن ما يعوق تقدم الثوار في منطقة البريقة النفطية (شرق البلاد)، هو احتماء كتائب القذافي بخزانات ومحطات للوقود، و«لكن تم مهاجمتهم عن طريق قوات الاستطلاع من الثوار، وتم إلقاء القبض على عشرات منهم، وأسفرت المواجهات عن مقتل 18 وجرح 50 بين صفوف القذافي، واستشهاد 3 وجرح العشرات في صفوف الثوار». وتابع، قامت قوات التحالف بشن هجوم على منطقة البريقة، أمس، وقامت بتدمير الكثير من الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها القذافي، مما دفع الثوار إلى التقدم وإحداث خسائر واستيلاء على أسلحة ثقيلة كانت في يد كتائب القذافي. ولفت إلى أن ما تتناوله وسائل إعلام القذافي عن وجود خلاف بين القبائل الليبية في الشرق والغرب محض كذب، وأن القول إن ساكني غرب البلاد جميعهم مؤيدون للقذافي لا صحة له.