قال وزير الصحة بولاية الخرطوم د. مامون حميدة أن 27% من تلاميذ وتلميذات المدارس بالولاية مصابون بالاضطرابات النفسية.. وطبقاً لصحيفة التيار الصادره اليوم 19 اغسطس أن النسبة تم تحديدها وفقاً لدراسة قامت بها ادارة الصحة المدرسية التي تتبع لإدارة الرعاية الصحية الأولية بوزارته. لاشك أن النسبة تعتبر كبيرة ومخيفة، ودون شك هنالك متخصصون يستطيعون تحليل الأسباب، لكن ذلك لايمنع ايراد بعض من محفزات الاضطراب النفسي في العملية التربوية في مجمل ولايات السودان الفضُل.. فالمشهد التربوي العام تسوده الفوضى والانفصام... أذكر أنني ذهلت عندما وجدت مدير احدى المدارس يعمل كسائق (ركشة) ويحضر بها الى المدرسة صباحاً، ثم يسترزق بها في فسحة الفطور وعند نهاية اليوم الدراسي.. يمكن أن تجد بين زبائنه الركاب بعض طلبته يطلبون خدمة التوصيل، وبما يتبع ذلك من (يفتح الله ويستر الله) ولغة السوق.. فكيف لايضطرب التلاميذ؟! لاتزال بعض المدارس الحكومية بل غالبها الأعم تتوسع في فرض الرسوم غير القانونية على التلاميذ رغم نفي الوزارة وأنف الدستور الذي يقول بالزامية التعليم ومجانيته..! وبين شد أولياء الأمور وجذب إدارات المدارس يضطرب التلميذ، فالخلاف والمناقرة بين الأب والمعلم تقود لاضطراب التلميذ المسكين، مثلها مثل خلافات الأم والأب وتأثيراتها عليه نفسياً. أذكر أن تلميذاً يقال أنه طلبت منه (قروش الجير للمدرسة) فكان رد والده الذي أرسله به الى الناظر: (قول ليهم الحتة القاعد جنبها إنت في الفصل ما يجيروها)!! لازالت بعض المدارس تستخدم العقاب البدني القاسي على التلاميذ مما يجعل التلميذ مضطرباً وهو يهم بالذهاب الى مدرسة غابت عنها البيئه الجاذبة والشعور بالأمان، علاوة على ترديها من حيث القبح والإهمال ورداءة صحتها وبؤس منظرها واتساخها المتواصل، فضلاً عن حالة تنازع الرغبة لدى التلميذ وأسرته بين الدراسة أو العمل في الزراعة أو الرعي أو المهن الهامشية لمساعدة الأسرة في بعض المجتمعات الفقيرة لاسيما المجتمعات الريفية وبعض من أحياء المدن الطرفية الفقيرة. عدم توفر انشطة جاذبة والحشو الاكاديمي الضاغط بالمناهج المدرسية، يولد حالة نفسية مضطربة وكارهة للعملية التعليمية تحول المدرسة الى ما يشبه حالة السوق في تحديد الرسوم والجبايات حيث اصبحت لغة بعض مكاتب المعلمين (كتير.. و.. نقص لينا عليك الله.. وعلى الطلاق.. ويفتح الله.. وما بتغتي)!.. كذلك مواصلة الطرد بسبب العجز عن سداد الرسوم، علاوة على أزمات ندرة المياه والكهرباء في المدارس وسوء المباني من حمامات وبوفيهات وندرة ملاعب الرياضة والجمعيات الثقافية والمكتبات المدرسية والانشطة الفنية، كل ذلك يشكل من التلميذ مادة خصبة للتحول؛ ليس للاضطراب النفسي فقط؛ بل الى البيئة "الداعشية" والتطرف في المستقبل القريب. أخيراً وليس آخراً؛ انتشار التحرش بالأطفال ومحاولات اصطيادهم من قبل الشاذين عن المجتمع بالترهيب والترغيب، في زمان انشغال الأسرة بتوفير ضروريات الحياة في مجتمع فقير يتهاوى اقتصاده بسبب الحروب والفساد، ولايخصص من ميزانية هذا المجتمع للتعليم وللأجيال القادمه إلا الفتات..! فكم جنينا علي جيل المستقبل؟ وماذا أعددنا لهم غير دروب الاضطراب النفسي والضياع والبؤس المفضي الى دمار؟! طارق الأمين/ بيت الفنون