بسم الله الرحمن الرحيم د. سعاد إبراهيم عيسى لكل من الحكومة والمواطنين, حقوق وواجبات على كل الاضطلاع بها تجاه الآخر. فعلى الحكومة أولا, أن تقوم بواجبها كاملا في توفير كل مطلوبات الحياة الحرة والكريمة والآمنة, للمواطنين, من مأكل ومشرب ومن تعليم وصحة وحرية شاملة, تفرض في ظل توفيرها مجتمعة له, ضرورة قيامه بكل واجباته تجاه ما تمليه عليه حكومته, في اى من المجالات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها. بعد ضمان عودتها إليه في كل ما يخدم تطلعاته في الحياة. المتمعن في المشهد العام على ارض السودان الآن, وفى اى من المجالات التي ذكرت عاليه, يصاب بكثير من الدهشة الممزوجة بالهلع من كثرة التناقضات في الأقوال, والتضارب في الآراء, وتغييب الكثير من الحقائق لتعتيم الرؤية, وفى الوقت الذي يتطلب فيه الكشف التام للحقائق لإضاءة الطريق الذي يمكن من سلامة وسلاسة عبور كل جسور المشاكل التي أحاطت بالمواطن من كل جانب, ومن ثم الوصول به إلى بر الأمان سالما غانما. لقد عودتنا الحكومة وعلى الدوام بأنها القادرة على أن تجد لكل مشكلة أو خطأ ارتكبته في حق الوطن أو المواطن, مشجبا جاهزا لتعليقه عليه, وإخراج نفسها من تبعاته كالشعرة من العجين. فبجانب الاستهداف الخارجي لها, فان بمشاجب الداخل ما يكفى ويزيد لمنحها البراءة التي ترغب, فمن أسمتهم بأصحاب الأجندة الخفية,والطابور الخامس, والعملاء والمندسين وغيرها من مفردات قاموسها التي لا ينضب معينه, إنما يهدفون إلى تشويه صورتها التي لا تراها إلا كما تحب. وبعد أن تم استنفاد كل مشاجب الأرض, تم الاتجاه إلى مشاجب السماء حيث أصبحت كل المشاكل والبلايا التي تنجم عن أخطائها ما هي إلا ابتلاءات من السماء, على المواطن الصبر عليها والدعاء للخلاص منها. تمتلئ الأجواء حاليا بالكثير من العواصف والأعاصير التي تسبب فيها ظهور بعض الأمراض الفتاكة التي ضربت بعضا من ولايات السودان. على رأسها ما أسموها, الاسهالات المائية, استسهالا لها, وقد فتكت هذه الاسهالات بالعشرات من المواطنين وأصابت الآلاف منهم, ولا زال خطرها ماثلا, أضف إليها إصابة بعض المواطنين بإحدى الولايات بمرض اليرقان مصحوبا بنزيف دموي أودى بحياة البعض, هذا بخلاف الأمراض الفتاكة الأخرى التي يشكو المواطنون من عجز الدولة عن توفير مطلوبات علاجها كالسرطانات والفشل الكلوي.. الحكومة وكالعادة, مستمرة في تقليلها من شان كل كارثة, مهما كان حجمها وخطورتها, باعتقاد أن في مثل ذلك الفعل, ما يطمئن المواطن ويهدئ روعه, بينما الحقيقة أن في مثل تلك الاستهانة ما يجعله أي المواطن, يقلل من محاولات تدارك تلك الكارثة أو التقليل من تأثيرها عليه. الغريب أن ذات الحكومة التي قللت تقلل من شأن اى مشكلة للمواطن, تعود لتطلب منه اخذ الحيطة والحذر مما قد ينتج من ذات المشكلة التي تمت الاستهانة بها سابقا. تفعل الحكومة كل ذلك قبل أن تقوم هي بأداء دورها كاملا في أخذها الحيطة والحذر بدرئها لاى خطر قبل وقوعه, أو معالجة أسبابه قبل البحث عن تجنب نتائجه الاسهالات المائية, التي ترجع أهم عوامل تنقلها وانتشارها بين المواطنين, إلى غياب النظافة التي بموجب غيابها يتم توفير البيئة الصالحة لإنتاج الناقل الأول لجراثيمها, أي الذباب وبدلا من أن تعمل الحكومة على محاربته بتكثيف النظافة التي ستعمل على إغلاق كل المنافذ التي تسمح له بالتواجد, تكتفي بإصدار بعض الإرشادات التي على المواطن إتباعها لأجل الحماية من الإصابة بالمرض. فغسل اليدين الذي تطالب المواطن بإتباعه, خاصة بعد قضاء الحاجة, ليس من السهل أن يتبعه من لم يفعله من قبل. فالكثير من العادات الخاطئة المطلوب تصويبها, كانت قديما تضمن مناهج الدراسة بالمرحلة الأولية, حتى يشب الطفل على الفعل الصحيح ويشيب عليه, غير أن مناهج المرحلة الأولية في هذا العهد, اختصر جهدها ومجهودها على كيفية أسلمتها, ورغم أن الإسلام من أكثر الأديان اهتماما بالنظافة, إلا أن الأسلمة السياسية جعلت جل همها إعداد جيل مهيأ ليصبح رصيدا للاتجاه الاسلامى, بصرف النظر عن تقويم أي من العادات الخاطئة. أما إن تقرر أن تبدأ عملية اهتمام المواطن بالنظافة حاليا, يصبح من الواجب على الحكومة على الأقل , توفير مطلوباتها أولا. فالتلاميذ بالمدارس والذين لا يجد بعضهم مياها للشرب, لن يصبح معقولا أن يطالبوا بغسل أيديهم قبل وبعد الأكل أو بعد قضاء الحاجة, أما منع قضاء الحاجة بالطرقات والتي يلعب دورا كبيرا في انتشار الأمراض,فهي الأخرى لن يكن جائزا منعها قبل أن تتوفر الأماكن المهيأة لها التي يقصدها المواطن متى احتاج إليها وهو بالطريق العام, الاسهالات المائية التي يطالب المواطن بالعمل على تفاديها, بان يضمن سلامة مأكله ومشربه دون تلوث بجراثيمها, يطالعه السيد رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية, ومن داخل برلمان الولاية, بتخوفه من أن يؤدى ضعف شبكة الصرف الصحي وانفجاراتها المتكررة, إلى تلوث المياه الجوفية, وللمزيد من الهلع يعلن سيادته بان هنالك 100 بلاغا عن تلوث الهواء بولاية الخرطوم, يعنى وجود تلوث في المياه التي يشرب المواطن والهواء الذي يتنفس, ولمزيد من الهلع يصرح أحد أعضاء المجلس التشريعي بأن أبراج الاتصالات التي شهقت بمعظم الإحياء هي من مسببات أمراض السرطان, ومهما كانت حقيقة أو احتمالا, فمن أين يبدأ هذا المواطن حيطته وحذره في ظل كل هذه المشاكل بكل أشكالها وألوانها؟, وفى إطار اخذ الحيطة والحذر من انتشار الاسهالات المائية, تطالب وزارة الصحة الولائية بإغلاق كل المطاعم الغير مطابقة للضوابط والاشتراطات الصحية, وهو مطلب مطلوب طبعا, لكن يصبح السؤال عن, لماذا تركت مثل تلك المطاعم تقدم خدماتها غير المطابقة للضوابط الصحية للمواطنين من قبل, رغم ما بها من خطورة على صحتهم؟ نعلم أن جلب المال بالمحليات مقدما على كل شيء عداه بما في ذلك صحة المواطن, فلماذا لا تتم مثل هذه المراجعات بين الحين والآخر رغما عن المحليات, وحتى يتم وأد المشاكل الصحية في مهدها؟ وتعلن الصحف عن قرار بعدم استيراد الفواكه المصرية, نسبة لان سقايتها تتم باستخدام مياه الصرف الصحي, فشراء الفواكه عموما مقتصرا على من يستطيعون إليها سبيلا, بينما تتجاهلها غالبية المواطنين بسبب عجزهم المادي. أما عندما يصبح الأمر يتصل بالخضروات التي يحتاجها الجميع بمختلف مقاديرها وأنواعها, وان تكون مشكلتها داخلية, فان الأمر يحتاج إلى وقفة. إذ هنالك إعلانا آخر عن وجود بعض مزارع الخضر بشرق النيل, تتم سقايتها هي الأخرى بمياه الصرف الصحي, فكيف للمواطن اخذ الحيطة والحذر من شراء مثل تلك الخضروات, وكيف يميز المواطن بين خضروات شرق النيل وغربه, الصالح منها للاستعمال وغيره؟ وقبل كل هذا متى بدأت هذه المشكلة ومن المسئول؟ وما أن يتجول المواطن ببصره بحثا عن مخرج من هذه المشاكل المحيطة به, حتى يرتد إليه بصره خاسئا وهو حسير. فالحوار الوطني الذي قيل بأنه مفتاح الفرج لكل أزمات ومشاكل السودان ومواطنيه, فالذي رشح من مخرجاته حتى ألان, لا يعدو أن يكون علاجا لأمراض السودان بمسبباتها, ففي الوقت الذي يكشف فيه السيد مساعد الرئيس بان من لم يلحق بالحوار حاليا, فلن يجد أي فرصة أخرى للوصول إلى مقاعد السلطة, كما ويعلن من جانب آخر السيد الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني, عن مقترح بتشكيل حكومة وفاق وطني, تلبى تطلعات وآمال الشعب السوداني, وأضاف بان حزبه لن يتخلى عن أي صديق أو حليف. بمعنى أن سيوفروا لكل أولئك الأصدقاء والحلفاء فرصهم في المشاركة في السلطة. إن آمال وتطلعات الشعب السوداني قطعا لن تحققها حكومة وفاق وطني أي حكومة ذات قاعدة عريضة جدا, خبرها المواطن من قبل وكانت من الأسباب الرئيسة لتدهور اقتصاد البلاد عندما كان قادرا على الوقوف على قدميه, فأقعدت به بكثرة تكاليفها, فكيف بها الآن واقتصاد البلاد ساجدا على ركبتيه؟. ففي الوقت الذي يطالبون فيه بخفض الإنفاق الحكومي كإحدى معالجات أمراض ذات الاقتصاد, يتم الإعلان عن مضاعفتها بمضاعفة أعداد الدستوريين وربما مضاعفة مخصصاتهم التى تقضى على اخضر ويابس الاقتصاد. خلاصة القول, فان مخرجات الحوار الوطني قد جاءت مخرجا لحزب المؤتمر الوطني وكما اشتهت سفنه, أي الإبقاء على مقود لسلطة بين يديه, وقد كان. فسيادة الأمين السياسي للحزب يقول بأنهم قد ابدوا استعدادهم لقبول الآخرين للمشاركة معهم في حل قضايا البلاد, بمعنى أنهم قد تفضلوا على أولئك الآخرين بإمكانية المشاركة في حل قضايا السودان وكأنما الآخرين ليس من مواطنيه. كل ذلك يؤكد أن الحوار الوطني الذي جرى لم يكن لغير السلطة ومقاعدها ما دامت قضايا البلاد ومشاكلها لا زالت في انتظار أن يعطى الحزب الحاكم الإذن للآخرين ليشاركوه في حلها.. أخيرا, إنهم يعتقدون اعتقادا جازما بأنهم على درجة عالية من الذكاء, يقابلها من جانب المواطنين درجة عالية من الغباء والغفلة, التي بموجبها يستطيع هؤلاء الأذكياء من تمرير كل خدعهم على المواطن. فشعب السودان الذي جعلوه في حيرة من أمره الآن, سيثبت لهم يوما ما بأنه يعرفها (طايرة)