في زمن غير هذا الزمان إحتكرت الحكومة تجارة البترول حتي لا يكون نهباً للطفيلية والمضاربة والسمسرة باعتباره سلعة حيوية،واستراتيجية ذات علاقة وطيدة بقطاعات مهمة كالزراعة والنقل والتصنيع. ونجحت كوادر المؤسسة العامة للبترول ماقبل 1989،في إدارة هذا الملف بامتياز،رغم قلة النقد الأجنبي المطلوب للإستيراد،ولم يكن السودان دولة بترولية آنذاك،واستطاعت المؤسسة بعلاقاتها البينية،أن توظف تلك العلاقة لصالح الوطن فوقعت إتفاقات استيراد البترول مع دول عديدة،مقابل الدفع المؤجل دون أي عمولة إضافية،وكانت بواخر النفط تنساب لبلادنا في مواقيتها المعلومة،ببرنامج زمني غاية في الدقة،ويوزع البترول ضمن خطة للإمدادات تعطي الأولوية للقطاعات الهامة. الآن تقول الحكومة الفاسدة أنها ستلغي إحتكار تجارة البترول لتمهد الأرضية للرأسمال الطفيلي كي يعبث ما يشاء بالمشتقات البترولية،وليفرض الأسعار التي يريدها،وهو يعلم أن السدنة سيقفون موقف المتفرج،لأنهم سيحصلون على نصيبهم من الرشاوى كاملاً . وقرار الحكومة المرتقب يأتي بعد سنوات طويلة من هيمنة الفاسدين على قطاع النفط،والنهب الواضح الذي تعرضت له الثروة البترولية بشهادة المراجع العام،وشهادة بعض المخلصين القريبين من هذا الملف. ومن ضمن عمليات الفساد السرية التي ضربت على إتفاقيات التنقيب،والمشاريع الفاشلة التي وقعت مع الأجانب واستنزفت عائدات البترول،والمشتقات البترولية التي تمنح بلا ثمن لما تسمي بالقطاعات الإستراتيجية،واتفاقية مصفاة الخرطوم الفاسدة،والشركات الوهمية التي تأسست خارج السودان بأموال الشعب،وصادر البترول للصينيين وجهات أخري دون عطاءات وبأسعار تقل عن السعر العالمي. وحدث ولا حرج عن مصفاة الأبيض التي لا تنتج البنزين ولا الغاز فضاعت علي بلادنا فرصة إيجاد قيم مضافة،وتوفير تلك المشتقات لغرب البلاد بأسعار معقولة،وحدث ولا حرج عن مصفاة الخرطوم التي لم تضف قرشاً واحداً للموازنة العامة منذ إنشائها،والتي لم تنتج الأسفلت لأن القائمين علي أمر النفط كانوا ولا زالوا تحت إمرة القرار الصيني. قرار خروج المؤسسة السودانية للنفط من تجارة البترول،بخلاف كونه داعم للنشاط الطفيلي،فإنه يريد أن يطوي صفحة الفساد،فالقرارات اللاحقة ستصفي المؤسسة مثل ما حدث للنقل الميكانيكي وقطاعات حكومية أخري،وستحرق الفايلات الهامة،من أجل أن يستمتع الحرامية بالنوم الهادئ. ولو حرقت الملفات في محارق النازية أيام الحرب العالمية الثانية،فإنها لن تحرق من ذاكرة الشعب،والوثائق المتسربة توفر الإدانات الكافية لمن ضيعوا الثروة البترولية،وباعوا الخام السوداني لمصلحتهم الشخصية. وداخل قطاع النفط أيضاً شركات توزيع أمنية وعسكرية،وشركات خدمات مشبوهة،وعملاء ووسطاء أكلوا مال النفط ولم يشبعوا،وسرقوا حتي بعد انفصال الجنوب بترول الجنوب،سواء بالرسوم العالية على العبور،أو بالمصادرة في بورتسودان بحجج واهية. ويهبط سعر النفط عالمياً لدرجة إفلاس الدول النفطية،وتزعم الحكومة في بلادنا أنها تدعم البترول،فتزيد سعره،من أجل تغطية نثريات وامتيازات الفاسدين،الذين إن ذهبوا للصين،عادوا بالشيكات ولسان حالهم يقول(ود البدري سمين). [email protected]