أخيرا ستنعقد اليوم (الأربعاء) اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين السودان ومصر برئاسة رئيسي البلدين عمر البشير وعبدالفتاح السيسي في القاهرة بعد أن أرجئت لأكثر من مرة إثر ما يصفه مراقبون بمماطلة من قبل الجانب المصري، خاصة لأن هذه اللجنة معنية بحسم كافة القضايا بين البلدين لاسيما الخلافية منها. وتبرز في مقدمة تلك المسائل قضية الحريات الأربع التي لا يطبقها الجانب المصري، اضافة الي قضية حلايب الحاضرة دوماً في ملفات الخلافات، مع تمسك كل طرف، عبر التصريحات الإعلامية فقط، بأنها تتبع له، دون إيجاد حل للنزاع. وهناك أيضا قضية المعدنين السودانيين التي تلكأت القاهرة في إرجاعها لهم بينما كان أصحابها ينثرون اللوم على خارجية الخرطوم التي فشلت في حل القضية. في راهن الالتئام ينظر هؤلاء إلى المخرجات وكلهم أمل في أن تثمر اجتماعات اللجنة العليا برئاسة الرئيس البشير في الوصول إلى "الحلقة الأخيرة" من مسلسل التباطوء في حل قضيتهم. بالطبع ثمة قضايا أخرى تتعلق بالتعاون بين البلدين في القطاعات الاستثمارية، والتجارية، والنقل والتعليم، والشواغل الأمنية والسياسية.. ثم لا تنسوا؛ المياه. "أزمة المعدنين" إلى انفراج حسناً، فيما يلي مسألة المعدنين كان عبد المحمود عبد الحليم السفير السوداني بالقاهرة ينقل ل(اليوم التالي) عقب اجتماع لقادة دبلوماسية البلدين أمس (الثلاثاء)، ما مفاده أن وزير الخارجية المصري نقل لنظيره السوداني قرار رئيس مجلس الوزراء المصري شريف إسماعيل، القاضي بتسليم ممتلكات المعدنين السودانيين. في الأثناء وقبالة ما يتراءى من حلحلة جزئية في بعض الأمور العالقة تبرز شواغل أخرى تراوح مكانها من شاكلة وضعية مثلث النزاع. القاهرة ترفض وعطفاً على نقاشات الأيام الماضية وبحسب التصريحات التي صدرت في أعقاب اجتماعات كبار المسؤولين التي يترأسها من الجانب السوداني السفير عبدالغني النعيم وكيل وزارة الخارجية والجانب المصري أحمد فضل مساعد وزير الخارجية المصري فإن الجانب المصري كان يرفض مناقشة قضية حلايب، التي تعتبر برأي الكثيرين أهم قضية ينتظر حسمها على مستوى قيادة البلدين، بينما كان الجانب المصري نفسه يتحدث عن أن الاجتماعات ستناقش مسألة إيقاف السودان استيراد الخضر والفواكه المصرية.. الإشارة البائنة التي يلتقطها مراقبون تحدثوا ل(اليوم التالي) أمس لا تغادر فرضية أن الجانب المصري يرغب في التركيز على قضايا ربما يرى فيها تهديداً لمصالحه بجانب قضايا التعاون، بينما يحاول في ذات الوقت استبعاد القضايا الخلافية خلال هذه الاجتماعات، مع العلم أن قضية حلايب والمعدنين وتحفظ مصر على التقرير الطبي لمقتل السودانيين في سيناء ظلت سببا رئيسيا في فشل اجتماعات اللجنة القنصلية طيلة الفترة الماضية. على كل فإن اجتماع وزراء الخارجية الذي عقد أمس (الثلاثاء) -بحسب متابعات (اليوم التالي)- لم يتطرق لمناقشة قضية حلايب. إحالة إلى اللجنة القنصلية حسناً، لم ينته الأمر، ففي وقت يصر خلاله الجانب السوداني ويطالب بإلغاء شرط الإقامة للسودانيين بمصر، وتنفيذ اتفاقية الحريات الأربع كاملة، اتفق الجانبان كما علمنا على بحث الموضوع والقضايا الأخرى ذات الصلة عبر اجتماعات اللجنة القنصلية في نوفمبر القادم. ويظل الاستفهام شاخصاً قبالة اجتماعات اليوم؛ هل ستنجح (العليا المشتركة) فيما تبقى من نقاشات في حسم القضايا الخلافية المذكورة، أم ستكون اجتماعات علاقات عامة وتكتفي بالتوقيع على اتفاقيات تعاون بين البلدين في القطاعات المذكورة ؟ "حلايب غائبة" كما أشرنا فإنه وبحسب التصريحات التي صدرت من اجتماعات لجنة كبار المسؤولين يرفض الجانب المصري رفض طرح أو مناقشة قضية حلايب في أجندة اجتماعات العليا المشتركة، رغم تمسك الوفد السوداني بمناقشة المسألة. ويقول السفير عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان في القاهرة ل(اليوم التالي) إن السودان ملتزم التزاما كاملا بأهداف تعزيز العلاقة مع مصر، ولكن هذا لا يعني بأي حال أن لا يواجه الجانب المصري بضرورات إزالة منغصات العلاقة وإزاحة الشوكة التي تطعن خاصرتها وإيجاد حل سلمي لها، بدلا عن إنكار مشكلة طبيعتها ليست وقفا على السودان ومصر فقط. ويضيف محدثي: الوشائج التي تجمع بين البلدين تجعل من ذلك السعي أكثر إلحاحا عبر الحوار والتفاوض أو اللجوء للتحكيم"، مؤكدا أن إثارة وفد السودان لقضية حلايب أكثر من موفقة وضرورية خلال اجتماعات اللجنة. وكان عبد الحليم قد صرح قبل انعقاد اجتماعات كبار المسؤولين بالقول: "الاجتماعات هذه المرة ستركز على أن تخرج بنتائج محددة حتى يشعر المواطن في البلدين أننا نفعل شيئا يفيده"، وبحسب عبارات عبد المحمود التي بذلها بين يدي الانعقاد من خلال حوار شامل مع (اليوم التالي): "لو خرجت اللجنة العليا بدون موجهات واضحة في الحريات الأربع نكون قد قصرنا". وشدد على أن "تنعكس الاجتماعات نفسيا على العلاقات الشعبية بين البلدين"، معتبرا أن "علاقات البلدين متميزة على مستوى القيادة منفلتة إعلاميا وثابتة جماهيريا"، مؤكدا أن "حلايب لن تغيب عن الاجتماعات"، وأنها "ستكون حاضرة بقوة فيها، بجانب مناقشة قضية المعدنين". هموم "الخضر والفاكهة" من جهته، أكد أحمد فضل مساعد وزير الخارجية المصري رئيس الجانب المصري أن هذه اللجنة تاريخية لانعقادها بعد خمس سنوات وعلى مستوى الرئيسين، وقال فضل ل(اليوم التالي) نسعى دائما إلى طرح كل الأمور والمشكلات ويعنينا الحل قدر الإمكان وفي ظل الظروف العامة، مؤكدا أن كل الأمور مفتوحة بما يهم مصلحة الدولتين بشكل واضح ومباشر، مضيفا: "سوف نناقش موضوع إيقاف السودان استيراد الخضر والفواكه المصرية بشكل أخوي وفي إطار من المودة والصراحة والشفافية". "لن يحدث اختراق" لا يتوقع د. الطيب زين العابدين، الأكاديمي والمحلل السياسي أن تثار خلال هذه الاجتماعات قضية حلايب أو قضية ممتلكات المعدنين السودانيين؛ سواء من قبل الجانب السوداني أو المصري، مثلما أنه لا يتوقع حدوث اختراق خلال الاجتماعات، سوى التوقيع على عدد من الاتفاقيات التي تم استعراضها خلال الاجتماعات للقمة. وبما يشبه الإشارة من طرف خفي للطابع الاحتفائي لوقائع الاجتماعات يقول زين العابدين ل(اليوم التالي) التي استنطقته حول الحدث: إن عقد الاجتماعات يجيء متزامنا مع الاحتفال بالسادس من أكتوبر، "والجانب المصري يريد بالطبع ويركز على إعطاء زخم للمناسبة، كون السيسي رئيس يمثل الجيش المصري". "لا أتوقع جديداً" يتفق د. خالد التجاني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مع سلفه زين العابدين، حيث يستبعد حدوث اختراق خلال الاجتماعات، وأضاف أن كل ما سيتم هو التأكيد على الحرص على متانة العلاقات، "لا أتوقع أن يحدث جديد"، واعتبر في الوقت نفسه الاجتماعات ربما مثلت تحولا جديدا في العلاقات، لكن القضايا العالقة حدث فيها تراكم أدى إلى المزيد من التعقيد، مشيراً إلى أن "اللقاءات التي تمت من قبل كانت لقاءات علاقات عامة، رغم ما يصدر منها من موجهات، لكنها لا تنعكس على الواقع". والملاحظ –بحسب التجاني- أن الرأي العام السوداني ربما كان منصرفاً عن القمة ولا يعطيها اهتماماً كبيراً. وفيما يتعلق بقضية حلايب يرى خالد أن "الجهات المصرية تتجاهل التعاطي مع القضية، ما يعني أنه دليل يؤكد عدم الوصول إلى شيء"، وزاد: "هذا مؤشر أن مصر تعتبر أن القضية غير قابلة للنقاش رغم اهتمام الجانب السوداني بها"، وأكد على أن "حلايب إن لم تعالج بصورة سريعة ستظل شوكة في الخاصر في علاقة البلدين"، وأنه "كلما طالت القضية دون الوصول إلى حل ستظل العلاقات في حالة جفاف اليوم التالي