مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الراكوبة يوم 22 - 12 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
يصعب اصدار احكام قطعية حول العصيان، سواء بالنجاح الكاسح او الفشل الذريع، طالما الحدث نفسه في طور التفاعل، وهذا غير ان اصدار الاحكام القاطعة في مسألة ذات طابع اجتماعي سياسي ثقافي تاريخي، معقد ومتعدد الابعاد، يظل من الصعوبة بمكان موضوعيا. بمعني، هذه الوضعية خاضعة لعوامل الصعود والهبوط من ناحية، وقانون التراكم والاضافة من الناحية المقابلة، وهي بطبعها خارجة علي القياس، ولو انه يمكن الاستدلال عليها بقوة الأثر والتأثير، في البيئة من حولها. ولكن ذلك لا يمنع ابراز بعض الملاحظات الاولية حول العصيان، سواء من الوجهة الايجابية او السلبية؟
اولها، يمكن اعتبار هذه الحراك، سواء بنسخة ال27 من نوفمبر او ال 19 من ديسمبر، هو حراك خارج الصندوق، إذا جاز التعبير. وذلك من خلال استخدام وسائل جديدة (وسائط التواصل الاجتماعي) وكذلك من ناحية الشريحة المبادرة (شباب خارج الاطر التقليدية المعارضة). وهو ما يعني بدوره، كسب رصيد اضافي للجانب المعارض. ولا يصدف ان الاضافة نوعية، وذلك من مدخل بعدها الحيوي والمستنير، فضلا عن الاستعداد للتنسيق مع القوي المعارضة من موقع استقلال.
ثانيها، هذا الحراك جسد واحدة من المبادرات المبتكرة، وتاليا فتح المجال امام مبادرات جديدة بادوات حديثة او وسائل غير تقليدية، تستعصي علي النظام الحاكم (التقليدي بطبعه وآلياته وعقليته) السيطرة عليها. بالقدر الذي تستقطب فيه شرائح جديدة الي دائرة الصراع المباشر. بما يخدم في المحصلة المواجهة الشاملة والجذرية، ضد الطغمة الحاكمة بامر الاستبداد والطغيان.
ثالثها، يظل اهم ما انجزه هذا الحراك او ما احدثه من نجاح منقطع النظير، ليس في احداث حراك هائل في راكد اللحظة التاريخية فحسب، وانما في قدرته علي جمع الصف المعارض بكافة تياراته واتجاهاته بل واجياله، علي قلب قضية واحدة (أسقاط النظام)، والمؤكد هي لحظة طال انتظارها والتشوق لما بعدها. وهو ما يستوجب بدوره المحافظة علي هذا التماسك، ومن ثم إدارته بطريقة مثلي، لانجاز الاهداف الآنية والمستقبلية علي افضل وجه.
رابعها، الحراك حشر الحكومة في زواية ضيقة، وتاليا اخرج ما في جعبتها من افلاس واسفاف في المناهج واللغة، ومن ثم الهرولة ناحية ابطال مفاعيل الحراك ومحاولة إطفاء شعلته الاولمبية، بكل اساليب الترهيب والترغيب الفاسدة التي درج علي اتيانها في الملمات! اي اظهر وجه النظام الحقيقي الطافح بالعنف والعفن، وهو يستعيض عن اكاذيبه وشعاراته الهراء، بوسائل امنية عارية حتي من الغطاء السياسي المهترئ، والحشود المستجلبة بالارهاب والاغراء.
اما الجوانب الاخري التي اظهرها هذا الحراك (المفخرة) والتي تحتاج بدورها لمزيد من بذل الجهد، لتلافي القصور وتجويد العمل من اجل تكلله بالنجاح المرتجي، نجدها تتجسد في الآتي؟
اولا، الابتعاد عن تصوير اي حراك مهما كانت درجة تنظيمه او قدرته علي التحشييد في مواجهة النظام الفاسد اهله، علي انه يشكل الضربة القاصمة او المخرج النهائي لازمة طابعها التعقيد من ناحية، والتأخير عن حلها من ناحية مقابلة، الشئ الذي افرز حالة من التداخل في اتجاهات ومسارات التناول، والتضارب في الوسائل والآليات المفضية للحل النهائي.
ثانيا، الاستعداد المبكر لمعركة طابعها الصعوبة والازاحة، وتاليا تحتاج للنفس الطويل، اي الصبر والعمل الدؤوب والتصدي لحملات الترهيب والتشكيك والتثبيط، وكذلك اجراء تحليل علمي وتقييم عملي لكل خطوة او خطوات يتم اتخاذها في هذا الاتجاه، وذلك مع استصحاب المرونة (تكتيك الكر والفر) في اي حراك جديد او في تجديد ذات الحراك، مع التركيز علي الهدف الاستراتيجي والايمان بحتمية بلوغه. وهو ما يعني بدوره ان اي خطوة في اتجاه الهدف وبغض النظر عن مردودها، هي انجاز يستحق التقدير والاحترام والبناء عليه! اي المهم هو صحة الاتجاه وليس حجم الخطوة! وذلك بالتزامن مع الانصراف عن المعارك الجانبية واساليب التخوين والتهم والاقصاء لكل صاحب راي او موقف محتلف. بمعني امتلاك الحد الادني من البرامج او المشاريع التي تستقطب اكبر قدر من المتضررين والرافضين لنظام الانقاذ، بوصفه حاضنة للفساد والافساد والمفسدين! في الوقت الذي تفتح فيه آفاق اوسع للتحرر والديمقراطية ومشاركة الجميع في تشكيل المستقبل المشترك.
ثالثا، التوافق علي آلية او جسم يسمح بتوحيد الجهود وتنسيق الادوار وتنظيم المساهمات وتوظيف كل الآليات والاساليب المتاحة، لانجاز مشروع الخلاص من ناحية، والنهوض بالوطن والمواطنين من ناحية مقابلة.
رابعا، يجب عدم إستسهال الخصم او الاستهانة بما يملكه من ادوات ووسائل قوة وحركة، وكذلك طبيعة المعركة والظروف المحيطة بميدان الصراع (البيئة الداخلية)، وليس الركون فقط لاخطاء ومفاسد الخصم، حتي وإن كان الخصم لا يملك غير الاخطاء والمفاسد كنظام الانقاذ الخطاء والفاسد بالمطلق! في هذا الاتجاه يجب ملاحظة الآتي؟
اولها، ان النظام مؤسس علي التسلط او يستمد مشروعيته من ممارسة القهر والتعسف، وتاليا يرتكز في نشاطه ويعتمد في بقاءه علي قوات عسكوامنية، لا يصدف انها مؤدلجة وتحتكم لعقيدة حزبية/تنظمية/مصلحية ضيقة، وليس لعقيدة وطنية عامة او ذات مرجعية دستورية عليا! وتاليا، هنالك فارق جوهري بينها وبين المؤسسة العسكرية القومية السابقة التي رافقت ثورتي اكتوبر وابريل. وهو ما يعني بدوره، ان تحييد هذه القوات في الصراع او كسبها لجانب الشعب، يحتاج لجهود مضاعفة وآليات ووسائل اقناع اكثر فاعلية، لدرجة يمكن ان يخصص لها وحدة او فرع في الجسم المعارض، يعهد به لشريحة من العسكريين الوطنيين، بوصفهم الاكثر دراية وتأثير علي ابناء مهنتهم، وذلك من خلال توظيف علاقاتهم وخبراتهم او يمكن الاستعانة باقرباء وجيران منتسبي تلك المؤسسات، لتكوين نواة إختراق لهذه المؤسسات من الداخل! من اجل إعادتها لعقيدتها الوطنية من ناحية، ومن ناحية مقابلة، لقطع الطريق امام التجاوزات العسكرية والمغامرات الانقلابية في المستقبل، وما تجره من كوارث يصعب حصرها او احتمالها.
ثانيها، سيطرة النظام علي وسائل الاعلام في الداخل، وتاليا قدرته علي تغبيش وعي البسطاء، والتشكيك في اي حراك معارض لمشاريعه التخريبية النهبوية! وهو ما يبرر بدوره، التوجه مباشرة لانجاز مشروع القناة الفضائية المعارضة، التي جف حلق مولانا سيف الدولة ويراع الاستاذ خضر عطا المنان في الدعوة لقيامها. فهي إن لم تفلح في السيطرة علي فضاء الاعلام الداخلي، فأقلاه ستمكن اكبر قدر من الجماهير، من معرفة فساد وجرائم النظام وترف ونزق اعضاءه، وتاليا تعبئتهم ضده! وذلك اضافة للتبشير بمشروع المعارضة البديل. وكم افتقدنا بدرها في ايام التبشير بالعصيان والتوثيق لابداعاته (وفي البال ابداعات اهلنا في نيالا وهم يرسلون بالونات موشحة بمطلب الرحيل في الفضاء، كما وثقها راديو دبنقا). كما انه لشئ مؤسف بل عيب كبير، ان نجد سفاح ومجرم حرب ولص متبلد الاحساس وعاطل المواهب والقدرات وراعٍ للفساد والمفسدين كالبشير، يصدق البسطاء والعساكر انه حامي حمي الارض والعرض، كما تصفه اجهزة الاعلام المحلية! دون ان يطرف لها جفن! او يتم الرد علي هذا الهراء والزيف والانحطاط القيمي والاخلاقي، من خلال منابر موازية في الانتشار والتأثير؟!
ثالثها، وهو الاهم، سيطرة النظام ليس علي مفاصل الاقتصاد، ولكن علي التشغيل في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، بل وتحكمه في مجمل الانشطة الاقتصادية في الحياة العامة! أي السلطة هي اقرب لجهاز احتكار اقتصادي او سمسرة اقتصادية، منها للسلطة السياسية والسيادية العامة! بمعني آخر، التوظيف هو جزء من آليات تحكم النظام، وكذلك تردي البيئة الاقتصادية العامة، واحتكارها بواسطة الصفوة الانقاذية الطفيلية، الشئ الذي حدَّ من خيارات المواطنين واستقلالهم؟ والحال كذلك، يصبح الموظفون في الدولة هم رصيد للنظام بشكل او آخر، ولا يعني ذلك بالضرورة ان كل الموظفين انقاذيون، ولكن يعني قدرة النظام علي التحكم بالموظفين من خلال تهديدهم بالفصل التعسفي! وتاليا، الزج بهم الي عوالم المجهول، في بيئة أصلا ممتنعة علي تقديم حتي حد الكفاف! خصوصا لقطاع غير مدرب علي امتهان الحرف او المهن الحرة، وهذا في حال لم يحتقرها! وبكلام اكثر وضوح، الحكومة تقوم بتعيين جيوش من العطالة المقنعة، وتقدم لهم نوع من الفتات او تربطهم بجهاز الدولة/السلطة عبر المرتبات الشهرية، بقصد شراء صمتهم او نظير تخليهم عن كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية، بل حتي المهنية من خلال مصادرتها للعمل النقابي؟! وذات الامر ينطبق علي الحرفيين واصحاب المهن (الهامشية!) وذلك عبر شغلهم طوال اليوم بتوفير فقط ما يبقيهم علي قيد الحياة، ودونما اجازات او حتي ضمانات مرضية! وهم يواجهون غول التضخم وندرة فرص العمل (لان الانقاذ مشاريعها الحقيقية، كلام فارغ وشعارات جوفاء ووعود سراب، وهذا عندما لا تنهب وتحطم المشاريع الاقتصادية القائمة قبل مجيئها الكارثي!)
وهي حالة يصح فيها وصف الدكتور حيدر ابراهيم، بحيونة الانسان السوداني! ويا له من حصاد بائس لمشروع زعموا انه حضاري ويستهدف اعادة صياغة ذات الانسان؟ وكأنه آتي من الكهف او كائن مجرد من الذاكرة والثقافة والخبرة والتاريخ؟! أي المسالة في حقيقتها ليست ذات صلة بالجبن او الشجاعة، بقدر إرتباطها بتدبير المعايِش الحياتية والالتزامات الاسرية تجاه الاسر والاقرباء، ولو ان ذلك لا يمنع ان محصلتها النهائية كانت نوع من التدجين والاستكانة! ولكن ذلك لا يمنع ايضا، تبصير الاخيرين، أي الباحثون عن الاستقرار والمعايِش، أن المستقبل ليس في صالح، لا تحقيق الاستقرار ولا تأمين المعايِش؟! خصوصا بعد أن رفعت الصين ودول الخليج يدها عن دعم هكذا سلطة فاسدة وفاجرة وخاسرة بكل المقاييس، وكذلك لانعدام البدائل الاقتصادية امامها، بعد تدميرها ونهبها وهدرها لكل المخارج والمشاريع والموارد والفرص الاقتصادية؟! في هذا الاتجاه، ومع تناقص مداخيل الحكومة باطراد، مؤكد انها ستوظف ما بين يديها من موارد شحيحة، لصالح مشروع حمايتها بصورة أكبر، وذلك لزيادة المخاطر عليها! وتاليا، ستصبح المفاضلة امام الموظفين/المواطنين بين الجوع والرصاص! اي الامتناع عن مجرد العصيان، لا يوفر بديل غير الموت البطء بالجوع والمرض او القتل السريع او غير الرحيم بالرصاص. ويا لها من خيارات عدمية استدعاها الموظفون والمواطنون باحجامهم عن المشاركة الشاملة في العصيان؟! وهذا بدوره يقودنا لملاحظة في غاية الاهمية، إن لم تكن نقطة تقاطع في الصراع، بين المعارضة والنظام؟ وهي تدور حول ليس المعايش والاستقرار من جهة، والحرية والكرامة والموقف من الديمقراطية كمنهج حكم متقدم من جهة مقابلة فقط، ولكن الاهم في التقسيِّم المجتمعي والاصح الانقسام المجتمعي حول هذه الاحتياجات والقيم والمناهج! بمعني آخر، المعارضة تشكل تقريبا 5% من مجموع السكان وكذلك النظام الحاكم بكوادره ومنتفعيه؟ والحال هكذا، المعارضة اصلا لا تحتاج لمعرفة النظام وسوءه وفساده، لانها الادري به، وهي سلفا تعمل من اجل إزاحته! والنظام بدوره يدري تماما مساوءه وإجرامه، ولكنه يستميت من اجل البقاء. إذا صح ذلك، يصبح الصراع بينهما علي كسب ال90% من مجموع السكان. والاخيرون ما يمكن وصفهم بأهل المعايش، اي محركهم الاساس ليس مسألة الحرية والكرامة والديمقراطية (تزداد حساسيتها لدي الفئات المستنيرة بصفة خاصة والمعارضة بصفة عامة!) ولكن الاستقرار وتوفير مستلزمات الحياة ولو في حدها الادني؟ إذا صح ذلك ايضا، تصبح المنافسة والصراع حول جذب هذه الشريحة العريضة (المعارضة) او تحييدها في الصراع (السلطة)! وتاليا، هنالك خطابان يتوجهان لهذه الشريحة، خطاب سلطوي لغته السائدة التهديد ونبرته الخافتة الترغيب، وعموما هو خطاب عاطفي، وتاليا هو متذبذب وغير مستقر، وتاليا هو هش ويسهل كسره ونسفه من الاساس! ولذا لا يعول عليه، لا لبناء وطن مستقر ولا لتبني مشروع او قضية وطنية حقيقية! مما يصح وصفه بالخطاب التخويفي او التكتيكي او اللاإستراتيجي، اي بوصفه خطاب غير ناضج ويصدر عن سلطة غير شرعية. ولذا لا بديل للخطاب المعارض كي يكسب الرهان علي المدي البعيد، سوي القطع مع خطابات السلطة، خصوصا في نسختها الاستبدادية المتكلسة بسبب السكون والحظر والتمحور حول العرش، وإستبداله بخطاب قائم علي الاقناع والارتقاء، أي يخرج من خانة المعايش والاستقرار كهم حصري، الي خانة الكرامة والحرية وتقبل النهج الديمقراطي، كمخرج وحيد او هدف إستراتيجي، لا يعالج الازمات المستحكمة وبما فيها الهم الاقتصادي (ابو الهموم) والاستقراري فقط! ولكن لإعطاء الحياة معني اسمي والوجود غاية أعظم. وهو ما يعني بدوره، أن مشروع المعارضة يجب ان يتخطي مسألة إزاحة النظام، الي تبني مشروع التغيير الشامل نحو دولة الحداثة وقيم الانسانية. إذا قبلنا هذه الوجهة، رغم ما تستبطنه من وعي نخبوي يحتاج بدوره للتحرر من عقابيله الامتيازية الاحتكارية؟ فهذا يعني ايضا ان المعارضة ضمت الي جانبها شريحة جديدة من الشباب قد تصل بها الي نسبة 10% من مجموع السكان، وتاليا وصول صوت المعارضة الي اكبر قدر من الشعب وقطاعاته الاجتماعية المتضررة، عبر حوامله الجديدة وبادواتهم الحديثة. وذلك بالطبع علي اعتبار ان المعارضة تعلي من شأن ما سبق ذكره، عن الحرية والكرامة ومقاربة النهج الديمقراطي في إدارة شؤون الدولة والمجتمع! وذلك بالتوازي مع وجود حلول وبدائل اسعافية للإقتصاد الذي يعاني الاحتضار. وهذا مرة اخري يقودنا لناحية لا تقل اهمية عن ما ذكر اعلاه، وهي لا تتعلق بتجديد المعارضة لنهجها وتحديث ادوات عملها بما يخدم تحسين اداءها بالمجمل فقط، ولكن يتعلق بالطيف العريض من المجاميع المعارضة غير المنظمة، وذلك من خلال مضاعفة الجهد، او ما يمكن تسميته بالعمل المعارض المزدوج! بمعني، إضافة للجهود النظرية والمعنوية التي لا غني عنها لاي عمل معارض يتقصد النهوض بالوطن، نحتاج الي جهود عملية سواء في جانبها المادي او التنظيمي! بمعني اوضح، يمكن إنشاء ما يمكن دعوته بصندوق دعم المعارضة، يساهم فيه جميع المعارضين داخل وخارج الوطن، وبما تسمح به مقدرتهم وظروفهم وطبيعة التزاماتهم، واول الغيث يمكن ان يوظف لرعاية اسر المعتقلين والمناضلين كما اشار البعض، ومن بعده تأسيس القناة الفضائية السالف ذكرها (هل يعقل ان يمتلك حسين خوجلي قناة فضائية، والمعارضة بكافة اطيافها لا تمتلك واحدة؟!). وايضا يتم توظيف العلاقات الخارجية والمهنية في اي مجال لصالح دعم المعارضة، ليس آنيا فقط، ولكن ايضا بعد إزاحة هذه الفاجعة الانقاذية، وذلك بالمساعدة في إعادة بناء ما دمرته الانقاذ؟! والخلاصة، ان يتم وضع تصور لمشروع نهوض متكامل بجناحيه النظري والعملي. ويحضرني في هذا المقام، الجهد المزدوج الذي يقوم به الوطني الغيور الاستاذ عبدالرحمن الامين، سواء في جانبه الصحفي الاستقصائي الذي يحفظ حقائق الفساد دامغة لهذه المنظومة الانقاذية (الحاكمة باسم الله) للجيل الحالي لاخذ الحيطة والحذر، والاجيال القادمة لاجل العبرة والاعتبار، او في جوانبه العملية الاخري لخدمة الجهد المعارض، من خلال قيامه بالمبادرات الذاتية، كأشد ما يحتاجه درب النضال الطويل الشاق.
وكخاتمة لهذه الملاحظات، نتوجه بسؤال او استفهام، وهو كيفية تحويل حراك 27 نوفمبر وامتداده 19 ديسمبر بزخمه وتلاحمه منقطع النظير، الي حماس ويقظة مستمرة، او نقطة مفصلية في المواجهة الشاملة مع هكذا نظام عدمي؟ اي كمحطة تأسيسية لازاحة النظام اولا وبناء الوطن ثانيا؟ اما متي يحدث ذلك؟ فهذا متروك لإبداع شعب لا تنقضي إبتكاراته؟!
وأخيرا مبروك شباب 27 نوفمبر، وانتم تحقنون مُنشِّط المقاومة في شرايين أمه، اصابتها شرذمة طفيلية بالانيماء الحادة وهي تقتات من دماءها وتحرمها الرعاية بل والاحترام. ومرة اخري شكرا جزيلا شباب 27 نوفمبر، ومعا حتي نكمل المشوار. ودمتم في رعاية الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.