المشهد هنا في ضاحية المنشية الفارهة ،حيث منزل الدكتور حسن عبدالله الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي ، لم يكن فيه جديد الاربعاء الماضي ، فذات المشاهد قد تكررت لعدة مرات هي عدد المرات التي أطلق فيها سراح الرجل من سجن كوبر العتيق منذ اختلافه مع رفاق الانقلاب قبل أكثر من عقد من الزمان ،منزل الرجل كان مكتظاً بالمؤيدين و(المريدين) الحزبيين الذين كانوا يطلقون هتافات تعيد إلى الأذهان عهود التمكين الأولى وأيامه الخوالي . ذات الابتسامة (الماكرة) التي عرف بها الرجل منذ أمد طويل كانت ترتسم على وجهه رغم ملامح الإنهاك البادية ، إلا أن إطلاق سراح الشيخ السبعيني والذي وصل إلى داره في ضاحية المنشية عند الثانية عشرة ليلاً كان هو المفأجاة بالنسبة لكثيرين بعد اعتقال استمر لأكثر من شهر ، والخروج المفاجئ للترابي من السجن دفع بكثيرين إلى التكهن في عدة اتجاهات جميعها كانت تذهب في اتجاه مايكتنف الساحة السياسية السودانية من ربكة كبيرة إزاء المستحقات التاريخية التي تمر بها البلاد خلال الأشهر القليلة القادمة. إلا أن المفرج عنه نفسه لايرى أن ثمة علائق بين إطلاق سراحه والأوضاع السياسية بالبلاد مشيراً إلى أن قراري اعتقاله والإفراج عنه تما دون أي حيثيات ، قبل أن يغدق الثناء على رفاق الأمس في جهاز الأمن والمخابرات الوطني مبيناً أنهم قد عاملوه معاملة طيبة ليبرئهم من شبهة اعتقاله الذي يرى أنه قد تم من (عل) ، وعلى الرغم من أن الرجل لايرى أن هنالك حيثيات معينة تبرر اعتقاله والإفراج عنه إلا أنه يرجح أن تكون تصريحاته عن تزوير انتخابات أبريل الأخيرة أحد الأسباب حسبما يرى الترابي في حديثه ل(الحقيقة) :(تراكمت عليهم حملة الانتخابات ورميها بالزور بعد توفر بيناته فانفجرت رؤوسهم). ولم يطل عهد رضا الشيخ عن أبنائه كثيرا إذ سرعان ما كشف الرجل عن تضجره من (قبضة السلطان) مشيرا إلى أنها ستتسبب في كوارث عديدة لأن الحكومة الآن تعمل على تنفير السودانيين من الوحدة . وإن كان الترابي يتحدث للصحفيين بمنزله عن انفجار رؤوس قادة المؤتمر الوطني من حديثه عن تزويرهم للانتخابات فإن رؤوساً أخرى وبلاشك قد قاربت على الانفجار عندما تناهى إلى مسامعها أن أمين أمانة الأقاليم المتأزمة بالمؤتمر الشعبي الحاج آدم يوسف سيغادر (المنشية) وييمم وجهه شطر النادي الكاثوليكي الفخيم مبايعاً المؤتمر الوطني وهو الخبر الذي تناقلته صحف الخرطوم الصادرة بعد يوم واحد من إطلاق سراح الترابي ولم تنفه حتى الآن مؤسسات الحزب الرسمية ، وإن بادر الحاج آدم نفسه بنفي الخبر مصحوباً بتقديم ماوصفه بالطرح الجديد لحل أزمات البلاد وإيجاد المخارج لمشكلاتها والحفاظ على وحدتها عبر مايسميه آدم بالشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني وأحزاب المعارضة لتعزيز الوحدة الوطنية. وهي الأطروحة التي اعتبرها كثيرون الخطوة الأولى في الهجرة نحو المؤتمر الوطني والذي استقبلت داره قبل عدة أيام وافد آخر كان هو الدكتور إبراهيم هباني مرشح الحزب لمنصب والي ولاية النيل الابيض في الانتخابات الماضية . إلا أن الحديث عن تقارب وشيك بين الشعبي والوطني والتئام شمل الفرقاء وهجرة الحاج آدم إلى الضفة الأخرى تعتبر أخباراً عارية من الصحة بالنسبة للرجل الذي نفى الأمر جملة وتفصيلا في تصريحات صحفية أمس الأول نافياً أن تكون هنالك أي اتصالات معه بهذا الخصوص من قبل قيادات المؤتمر الوطني ،إلا أن هذا لم يمنع الحاج آدم من أن يجعل باب اللقاء برفاق الأمس موارباً حيث طالب الوطني بمزيد من الخطوات الإيجابية لتزيد من تقارب الوطني والشعبي ، مشيراً إلى أن إطلاق سراح الترابي وتشكيل الحكومة الجديدة قد أرسلا إشارات إيجابية تشي باكتمال حلقات التعاون لمجابهة مايصفها بالأخطار مبيناً أنهم ليسوا جامدين تجاه الحوار مع المؤتمر الوطني شريطة أن تقوم حكومته بإطلاق سراح المحكومين والمعتقلين والمسجونين من منسوبي الشعبي لتهيئة الأجواء للدخول في حوار جاد وبناء. السياسة الجديدة التي أعلن الحاج آدم أن حزبه سينتهجها مع الوطني، وإطلاق سراح الترابي المفاجئ وهجرة كوادر الشعبي الماضية والمرتقبة إلى الضفة الأخرى ، كل هذه المؤشرات تخلص برأي كثيرين إلى أن ثمة لقاء مرتقب بين فرقاء الاسلاميين بعد مفاصلتهم الشهيرة ، وإن كان الذين يرون هذا الأمر يشيرون إلى أن الحركة الاسلامية بشقيها قد استشعرت مسؤوليتها التاريخية في كون أن انقلابها قد أفضى إلى انقسام السودان . بيد أن الصورة ليست بهذه الدقة ،حيث تكتسي ظلالها بخدوش عديدة يجملها المحلل السياسي والباحث الاستراتيجي المعروف الدكتور حاج حمد محمد خير في أن المؤتمر الوطني يواصل هذه الأيام مهمة استدعاء أعضائه الموجودين في كافة القوى السياسية فسحب فتحي شيلا من الاتحادي الأصل واستبقى فيه على محمود حسنين حتى يذكر الميرغني بالجمهورية الاسلامية ، ولايستبعد حاج حمد كثيراً أن يكون الحاج آدم هو القادم الجديد من المؤتمر الشعبي بعد أن سبقه إبراهيم هباني ، ويمضي حاج حمد مستبعداً الفرضية التي تقول إن مفاصلة الإسلاميين مجرد مسرحية، مشيراً إلى أنها كانت عبارة عن اتفاق بالتراضي على إبعاد الجناح المتطرف ووضعه في الثلاجة ، بمعنى حدوث طلاق سلمي يدفع ثمنه من ارتكب الفظائع حتى يكون ذهابه مقابل بقاء النظام . مشيراً إلى أن الاختلاف بينهم لم يتعد أيضاً حدود الكيكة السلطوية وشخوصها . وبين كيكة السلطة وتشاكس الاسلامويين المستمر تبقى الأيام وحدها هي القادرة على الكشف عما إذا كانت جموع الإسلاميين ستلتقي أم أنه فراق لاعودة بعده تقرير:مصعب شريف