إنها ليست قصة "تاجوج" الأسطورة الرائعة الجميلة المنحدرة من شرق البلاد، وإنما هي قصة عاشقين لمسرح "تاجوج" العريق، المعروض للبيع بمدينة كسلا شرقي البلاد. وكانت الأحداث تصاعدت بولاية كسلا، على نحو ملحوظ، إثر قرار حكومة الولاية ببيع مسرح "تاجوج""، الذي ابتدرت خطى عملية لبيعه بتدشين مزاد علني ابتدر أمس (الاثنين)، بيد أنه لم يسفر عن مشترين، في موازاة تمسك اتحاد الدراميين بالولاية بموقفه الرافض لبيع المسرح. دفوعات منذ أعلنت حكومة ولاية كسلا شروعها في إزالة مسرح "تاجوج" التاريخي بالولاية الواقع في المنطقة الصناعية بسوق المدينة الكبير، انقسم مجتمع الولاية بصفة عامة والمجتمع الفني والمهتمين بالعمل المسرحي بصفة خاصة إلى قسمين، منهم من هو مؤيد للقرار ومعارض له بشدة، ويستند المؤيدون للقرار الصادر عن والي الولاية والقاضي بإزالة المسرح ونقله لموقع آخر باعتبار أن الموقع الحالي بات غير مناسب ذلك كونه أصبح يتوسط المنطقة الصناعية، حيث التلوث الضوضائي والبيئي، وهو ما يحتم وفق وجهة نظرهم الانتقال لموقع آخر يتناسب مع نشاط المسرح وبيئة الفن، فيما يتمسك معارضو القرار بالإشارة إلى الرابط التاريخي والوجداني الذي يجمعهم مع المسرح، معتبرين أن إزالته لو حدثت فيعني إزالة أبرز المعالم التاريخية بالولاية، واندثار القيم التاريخية والموروث الثقافي بالولاية. قرار قديم في بيان أصدرته وزارة الثقافة والإعلام والسياحة بالولاية، دافعت الوزارة عن إزالة المسرح ونقله. وطبقاً للبيان الذي وصل "الصيحة" فإن الإزالة ومن ثم النقل دافعه خلق مزيد من الاهتمام بالمسرح. كاشفاً عن استعانة الولاية بشركة متخصصة لتوسعة وتأهيل المسرح ليستوعب تزايد النشاط الثقافي وتطويره، وكان رأي الجهة الفنية المختصة عدم إمكانية تأهيل وتطوير المسرح ليكون مسرحاً مستقبلياً متكاملاً ، خاصة وأن البيئة حول الموقع الحالي غير مناسبة، لذا كان التفكير في البدائل لإنشاء مسرح حديث متكامل، يستوعب مطلوبات النشاط الثقافي، وقيام فعاليات الدورة المدرسية التي ستستضيفها الولاية مطلع العام المقبل. وعلى ذمة البيان فإن تغيير موقع المسرح ليس جديداً، وإنما صدر منذ العام "2012"م وتأخر تنفيذه كل تلك المدة لعدم توفر موقع بديل. وكان معتمد محلية كسلا معتصم عثمان محمد صالح، قال غير مرة إن الولاية تريد إنشاء مسرح حديث متكامل يواكب نهضة الولاية، معتبراً أن المسرح الحالي وموقعه الجغرافي لا يمكن من تحقيق هذا الهدف، وقال إن مسرح "تاجوج" بيئته لا تشبه الفن أصلاً لوقوعه وسط منطقة صناعية صاخبة يعمها الضجيج والضوضاء المتواصل، مشيراً إلى أن بيع المسرح القديم سيوظف مع موارد الولاية لتشييد مسرح جديد بمواصفات حديثة، لافتاً إلى أن قرار نقل المسرح لم يتم اتخاذه هكذا دون مسوغات منطقية، وقال إن القرار متخذ من مجلس وزراء الولاية، مقللاً من الأحاديث القائلة بأن موقع المسرح الحالي أثري وذو بعد تاريخي، وقال إنه لا يعد من المواقع الأثرية بالولاية. تاريخ تليد ينبه عضو اتحاد الدراميين بالولاية الأستاذ حامد "ودب" إلى أن مسرح "تاجوج" قد تم تشييده في العام 1970م على نفقة الأهالي وقال ل "الصيحة": إن جزئية تشييده بالجهد الشعبي تجعله ملكاً للاتحاد ولا يحق لأي جهة التصرف فيه وبيعه دون إرادتهم، مضيفاً أن الإهمال الممنهج الذي تعرض له مسرح "تاجوج" من قبل الدولة هو ما أوصله إلى الحالة البيئية السيئة بجانب البنية التحتية التي وصفها بالمتردية، معتبراً أنها من أهم الأسباب التي دفعت حكومة الولاية إلى إصدار قرار إزالته. وأوضح ودب أن أول عملية إعادة ترميم للمسرح منذ إنشائه في العام 1970م كانت في العام 1998م وذلك على خلفية أعمال شغب الجمهور في حفل عام انتهى بسرقة الكراسي، وحرق الستار إثر تخلف الفنانين عن حضور الحفل يومذاك، رغماً عن دفعهم لتعرفة الدخول، أما إعادة التأهيل الثاني –والكلام لا يزال لودب- كان في 2002م إبان الاحتفال بعيد الشهيد القومي الذي أقيم بالمسرح، وكان ذلك في عهد الوالي الأسبق آدم حامد موسى، حيث شهد المسرح حينها رصف أرضية خشبة المسرح بالخشب، عوضاً عن الطوب بجانب إنشاء عدد من "المساطب" وستارة الخشبة. بدايات إذاً متى بدأت أزمة المسرح، سؤال يجيب عنه ودب الذي يقول إن الأزمة ابتدرت في عهد الوالي السابق يوسف محمد آدم وذلك عندما قام بتغيير غرض موقع المسرح إلى مكان تجاري، وظل على هذه الحالة حتى مجيء الوالي آدم جماع للولاية، وقال إن مجيئه أحدث بعض الحراك الإيجابي، مشيراً إلى توجيهه بصيانة كاملة للمسرح ودعم الفرق المسرحية بالولاية، وقال إنه بذل الكثير من الجهود من أجل العمل المسرحي والدرامي، واصفاً إياه بأفضل والٍ قدم دعماً للعمل المسرحي بالولاية، قبل أن يتوقف عن ذلك فجأة، وينقلب رأساً على عقب، ويصدر قرار إزالته ونقله إلى موقع آخر، وأضاف بأن حجة اتحاد الدراميين بولاية كسلا بمعارضة نقله هي واقعية أكثر مماهي عاطفية، ورأى أن القرار الأفضل هو إعادة ترميمه بصورة حديثة ليظل مكاناً عريقاً وعتيقاً بدلاً من هدمه، أسوة بمسرح الأبيّض الذي شهد إعادة تأهيل بصورة ممتازة. اللجوء للقضاء ومما أثار حفيظة الدراميين طبقاً لعضو الاتحاد، كون الحكومة لم تستشرهم في قرار الإزالة، قاطعاً بمعارضة القرار بشدة، وإن كان عاد وأعرب عن بالغ تقديره للدور الذي تلعبه وزارة الثقافة والإعلام في دعم الفرق المسرحية وتنظيم ورش التدريب والتأهيل للمسرحيين. أما بخصوص اتهام معتمد كسلا للمسرح الذي ذكر بأنه تحول إلى وكر للسوءات، وصف الاتهام بأنه إشانة سمعة يمس جميع المسرحيين والدراميين بالولاية، وقال إنه اتهام باطل، ولا يستند على أيّة أدلة، وطالب بإصدار بيان رسمي يعتذر فيه للمسرحيين، وفي حال عدم قيامه بذلك سيشرع الاتحاد في مقاضاته وطلب رد الشرف. تقاطرت جموع الإعلاميين والأهالي نواحي قاعة رفع القدرات التي شهدت مزاد بيع "تاجوج"، وذلك منذ صباح باكر، ووصل عدد الراغبين في الدخول للمزاد ستة أشخاص، وقبيل انطلاقة عملية البيع تم طرد الإعلاميين من داخل القاعة بحجة عدم امتلاكهم لخطاب رسمي يخوّل لهم حضور المزاد، وشمل ذلك موفدة فضائية كسلا. إذاً هو صراع الرؤى بين حكومة كسلا التي تتبنى قيام مسرح جديد بمواصفات حديثة، وبين موقف الدراميين المتحلقين حول "تاجوج" قائلين: هي أشياء لا تشترى. الصيحة