لم يكن متوقعاً أن يؤدي رحيل زعيم الموتمر الشعبي الشيخ حسن الترابي عن المشهد السياسي إلى انفراط عقد المؤسسية بالحزب، لدرجة أشبه بالمفاصلة الجديدة داخل الكيان، لجهة التعدد في المنابر الخطابية لمنسوبي الحزب، والتضارب في الآراء نتيجة التحدث بأكثر من لسان باسم الحزب، فضلاً عن تعدد المذكرات، وآخرها التي دفعت بها بعض القيادات أمس للامين العام للحزب تطالب بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة، وقالت المجموعة التي سمت نفسها (شعبيون لأجل الحريات) إن قرار المشاركة يحدث فجوة أخلاقية مابين منهجية الحزب وشعاراته المرفوعة ، إلا أن الشيخ السنوسي ظل صامتاً وزاهداً في فرض سيطرته لضبط إيقاع المنابر غير المنسجمة مع توجيهات الحزب، مما أدى في نهاية المطاف إلى بروز قادة جدد يسعون إلى "سد الفرقة" التي خلفها رحيل شيخهم الترابي . فتح الطريق القيادي بالحزب الذي قاد معركة التعديلات د.عمار السجاد أرجع تعدد المنابر والمذكرات داخل الشعبي إلى محاولة سد «الخانة» التي خلفها رحيل الترابي، واصفاً الراحل بأنه كان بمثابة مركز للمعلومات والأحداث داخل مؤسسات الحزب، وقال: أيام حياة الشيخ كان لا يجرؤ أحد من الذين هم دونه التحدث ببواطن الأمور المتعلقة بالحزب، لأنه كان ممسكاً بكل الخيوط الخطابية في شتى القضايا، رغم وجود منبر إعلامي يمضي إلى تفصيل رؤى الحزب عبر منتدى يعقد دورياً بمباني الحزب، بيد أن السجاد استدرك بالقول إن بروز هذه المنابر في بعد مرحلة الترابي تعد أمراً طبيعياً في اتجاه تفجير طاقات جديدة في سياق دفع مسيرة الحزب في كافة الأبعاد السياسية والاجتماعية والفقهية، وأشار إلى أن رحيل الترابي فتح الطريق للآخرين للتعلق بأسباب فقه القيادة من خلال بوابة الخطابة والتصريحات، واعتبر تناقض التصريحات ودفع المذكرات دليل عافية علي وجود الديمقراطية وحرية التعبير والشورى. احتكارية أما القيادي بالحزب أبوبكر عبد الرازق فيرى أن الحزب قائم على فكرة وصاحب دعوة ورسالة، وأن كل عضويته من القمة إلى القاعدة يمثلون رسلاً للبلاغ والإعلام، لأنهم دعاة منهج رباني، لذلك لا احتكارية في منابر الحديث لأشخاص بعينهم في الحزب، مشيراً إلى أن كل الذين يتحدثون بلسان الحزب منضبطين بتوجيهاته، لكنه عاد وقال القضايا المصيرية الخاضعة لتقديرات الأمانة العامة يترك التعليق حولها للأمين العام للحزب حصرياً بحسب دستور الحزب ولوائحه التنظيمية الداخلية، وتابع: ماعدا ذلك فإن باب التعبير عن القضايا الأخرى متروك لأمناء الأمانات ومن هم دونهم من عضوية المكاتب التنفيذية، بغرض القضاء على مشاكل التكتلات والتيارات التي تحدث في الأحزاب السياسية، وقطع بأن كل الشعبيين يمكنهم التعبير عن نفسهم بالصورة التي يرونها. نشر غسيل بيد أن أمين العلاقات الخارجية بالحزب نادر السيوفي أرجع ظاهرة بروز هذه المذكرات إلى حالة الحيوية التي تنبض داخل الحزب، وأضاف من حق أي شعبي أن يدلي برأيه في القضايا التي تهم الحزب، مشيراً إلي أن المؤسسية التي يتمتع بها الشعبي لم تترك للذين يتخفون خلف هذه المذكرات أي طريق يسلكونه لتحقيق تطلعاتهم سوي الرجوع إلى أجهزة الحزب عن طريق قنواته الرسمية المتمثلة في مؤسساته، معتبراً أن المذكرة الأخيرة تعد مؤشراً إلى أن البعض من عضوية الحزب لازالوا يجهلون اللوائح الداخلية للحزب التي تمنع العضو من نشر غسيل الحزب خارج أسواره، وقال بأن حالة اليأس والتململ وتناقض التصريحات التي برزت في مؤسسات الحزب ترجع إلى حالة الفراغ السياسي الذي خلفه رحيل الترابي، لافتاً إلى أن الكاريزما التي يتمتع بها الراحل بجانب قوة الشخصية كان على إثرها الحزب مثل حبات العقد. تصريحات متناقضة بينما أرجع المحلل السياسي د.راشد التجاني التضارب في التصريحات بالشعبي إلى إنعدام حالة التناسق الخطابي لقيادات الحزب، لأن كل صوت يختلف عن سابقه، وقال إن هذا التناقض مرده لغياب التصريحات المباشرة للأمين العام للحزب، وشدد على ضرورة مراجعة ضبط الخطاب وتحديد من يتحدث باسم الحزب في ظل الأدوار المتلازمة للأمين السياسي للحزب كمال عمر، وتضارب تصريحاته في التحدث باسم آلية (7+7) وتارة باسم الشعبي، ويرى راشد أن رحيل الترابي خلق فجوة حقيقية في الخطاب الإعلامي للشعبي، مؤكداً بان الكاريزما القابضة التي يتمتع بها الترابي جعلته نجم التصريحات الأوحد في الساحة على مستوى البلاد قاطبةً، وقال إن افتقار سلفه السنوسي لهذه الكاريزما يجعل أوراق الشعبي تتناثر بين قياداته الحالمة في القيادة دون هدي. اخر لحظة