إطلعتُ على مكتوب الكاتب الطاهر ساتي، المعنون ب"موسم الزوغان". وفي حقيق الامر لفت انتباهي اليه، ومن ثم قام بارساله لي الاستاذ صلاح المهل، إبن صديقي عبد الله المهل. والذي يبدو انه "فقدني" في ردة الفعل الغاضبة التي تسبب فيها هذا المكتوب بين ابناء وبنات الجزيرة، والذي بالفعل حين إطلاعي عليه وجدت انه كان لابد ومن التصدي له، لا بسبب موضوعيته بقدر ما هو عدمها، وخاصة انه صدر عن كاتب أسلامي. ويبدو ان الاسلاميين لم يكتفوا بما الحقوه بمزارعي مشروع الجزيرة والمناقل من اذى، بعد!. جاء المكتوب ضعيفاً من جهة تقييمه، إلا انه يحب ان يؤخذ مأخذ الجد، لانه ما اضر بالناس وبقضاياهم غير إدارة الخد الايسر. ولا اخفي إعجابي بالهبة الضارية التي انتظمت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الاعلام الاخرى، ولجل إفادة الجميع بحقيقة أنه لم تعد هناك من كتابة مجانية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا جادة ترتبط بحياة الناس وبمصائرهم، مثل قضايا مشروع الجزيرة والمناقل. أجد ان لديَّ ثلاث ملاحظاتٍ فقط على مكتوب الكاتب، الأولى هي، ان المكتوب جاء كنوع من انواع كتابة الليل "أم كراعاً برة"، بمعنى انالكاتب كان في سباق مع الزمن ليدرك "عموده الراتب" الجريدة، ومهما يكلف، قبل مثولها للطبع، لأن الامر مرتبط بالاجر المدفوع!. وذلك امر مفهوم في إجماله. واما امر "الكراع البرة" تحديداً، فتؤكد عليه كتابات اخرى موضوعية، خطها نفس الكاتب من قبل!. والملاحظة الثانية، هي افتضاح ضعف إلمام الكاتب ليس بالمفاهيم والمقارنات الإقتصادية وحسب، كما تكرم بعض الكتاب بتبيانها له، وإنما ضعف إلمامه بقضية وطنية من الدرجة الأولى مثل قضية مشروع الجزيرة، والتي لا يمكن معالجة اي ظاهرة مرتبطة بها دون الإلمام والوقوف على جوانبها المتعددة والمعقدة. إن قضية مشروع الجزيرة والمناقل هي في مركز "مخطط" الخركة الاسلامية حتى منذ قبل ان تقوم بانقلابها العسكري في 1989!. وأما الملاحظة الثالثة، فهي ان مفردة "زوغان" مفردة ركيكة وذلك لمضمونها ولمحمولها الإجتماعي، وأربأ بكاتبٍ مسئولٍ أن يستخدمها!. ولكن، على اية حال، من حيث معناها ووظيفتها إذا كانت كمفردة او كمفهوم في سلم توصيف السلوك والاخلاق، فهي وبرغمه تعتبر ارفع شأناً من مفردة ومفهوم "التحلل" تلك الظاهرة البدعة التي إرتبطت بالإسلام السياسي وبحركته الاسلامية!. لا يدري المرء لماذا يحشر الكتاب الاسلاميون أنفسهم في قضايا ومعارك هي بالنسبة لهم اشبه "بجحور الضباب او الأضب"!، سيما وانها تتعلق بشكل عام بالموقف الاخلاقي من المال والامتلاك!. فلو ذهبنا مع الكاتب الطاهر ساتي إلى نهاية ما يفترض، بالرغم منه تحدث عن مزارعي الجزيرة او "بعضهم" حديث المتأكد، فإننا نجد، وعله يتفق معنا، أن "الزوغان" يشير ضمناً إلى وجود طرفين تواضعا على شيئٍ محل تعاقد، وأن احدهما يحاول التخلي، تحايلاً أو لضعف اخلاقي، عن التزاماته، فلنا ان نتساءل أين هما الطرفان في حالة "تحلل" الاسلام السياسي، وما هو الشيئ محل التعاقد فيه؟!. أما كان أجدر بالكاتب الطاهر ساتي، وكذلك وجل الكتاب الاسلاميين، بان ينفقوا جهدهم وما تبقى من حيواتهم ، بل وان يعكفوا على شرح ونقد ما اتوا به من غريب البدع فكراً وسلوكاً، عوضاً عن الخوض في قضايا يعوزهم الإلمام بها؟!. واضحٌ ان الكاتب احتطب بليلٍ دامسٍ وفي غابة كثيفةٍ مطيرة!. فهو لا يعلم وبما ذهب اليه بان المسألة اكبر من ذلك بكثير!. فهو لا يعلم بأن الناس يعلمون بأنه يضيف وقوداً لإوار حملة الإقتلاع من الجذور التي تقودها الحركة الاسلامية، ومنذ زمنٍ طويل. فمثله وبقية الكتاب الاسلاميين، يحاول ان يتغابى بل ويخفي العلاقة بين الظواهر وجذرها، وحتى لو لم يكن يعلم، فالامر لا يهمه لانه بالاصل وككاتب اسلامي غير معني بالبحث المضني في سبر القضايا. فقط فلينظر القارئ كيف انه يلقي في عجز مكتوبه بذات مفردات المعزوفة البائسة المشروخة، اي "الإهمال" و"الكسل"، والتي يرددها وعن "كسلٍ" فكري كل منتسبي الحركة الاسلامية حين العرض لقضايا مشروع الجزيرة او حين الحديث عن مزارعيه!. إن القضية التي جعل لها الكاتب "موسماً"، ما هي، في حقيقة الامر، سوى معركة فعلية. إن المطالبة بتركيز واقعي لأسعار الانتاج هي ليست مطالبة وحسب، كما يبدو او كما يفهمها الكاتب، وإنما هي معركة في صراع الوجود الذي يخوضه المزارعون. وهذا امرٌ يحتاج لكثير من التفصيل، ارجو ان اعود اليه في كتابات لاحقة. وما اود ان اختم به، هو ان الكاتب لم يكن ملماً بالقوانيين البئيسة التي تحكم المشروع، وإلا ما قال ما قاله. كما وانه بالمقابل، اود القول بانه حين يتحدث مناضلون شيوخ من امثال احمد عبد الباقي، وبله محمد الهادي، ومحمد الجاك ابو شمة، وحسبو ابراهيم وعبد السلام وغيرهم، فإن اي كاتب مسئول يبحث عن الحقيقة لابد له من الوقوف ولو لبرهة، ومن ثم إرخاء السمع، ولو إختلف معهم، وذلك ما لم يفعله الكاتب حيث جاءت كل افتراضاته خاطئة. إن هولاء المناضلين حينما يتحدثون فإنهم يتحدثون عن دراية وعن معرفة رصينة عجمتها عقود طويلة من معايشة الناس والاستماع اليهم، بل وفوق كل ذلك، وهو الاهم، انها معرفة مبذولة، وغير مدفوعة الاجر!. [email protected]