مع حلول شهريْ رجب وشعبان السابقين لرمضان تموج الأسواق في السودان بالسيدات اللائي يبتعن الأواني المنزلية وأغراضهنّ الرمضانية، بالإضافة إلى أغراض أهل العريس المعروفة مجتمعياً (موية رمضان)، كعادة وتقليد استمرا منذ أمد بعيد، وما إن تنتهي التحضيرات وترسل الشمس أشعتها صوب الغرب حتى تترامى إلى مسامعك أصوات أبواق الهايسات والدفارات التي تتداخل في نسق موسيقي كزفة العرس، تعلن عن نقل (موية رمضان) من أهل العروس لأهل العريس، وتشير إلى حتمية تحديد موعد الزفاف في وقت قريب. في السنوات الأخيرة الماضية تحولت (موية رمضان) من كونها طقس من طقوس الزواج غرضه التوادد والتقارب إلى (بوبار) تتسابق فيه النساء ويتبارينّ في تقديم الجديد والمثير للحديث وتناقله هنا وهناك ما يرفع من سقف أمنياتهنّ في الإبهار والفشخرة، ويجعل الواحدة منهنّ مميزة على قريناتها بما أحدثته من صدى واسع حدد مكانتها ووضعها الاجتماعي. أصناف وأصناف وأهم ما أضيف على (موية رمضان) هذه الأيام، المكيفات وبرادات المياه بعد أن سبقها البوتجاز والفرن الكهربائي إلى القائمة. والمتتبع للحركة هذه الأيام سيما منازل أهل (العروس) يجدها تشهد حراكاً مكثف وترتيبات كبيرة، بغرض توفير متطلبات رمضان لأهل العريس المُتعارف عليها مجتمعياً ب (موية رمضان) من حلو مر، آبري أبيض، رقاق، لحمة وبصل مجفف، بهارات، ويكة، أوان منزلية، تبعتها أدوات كهربائية (أفران كهربائية وخلاطات ومايكرويف). حرب مناهضة شنت المواطنة منى الصديق حرب شعواء على هذه الممارسات السالبة، وعدتها ضرباً من ضروب المبالغة والبذخ الذي أفقد العادة والتقليد المتوارث من الأجيال السابقة معناه وأخرجه من سياقه المتعارف عليه، وقالت: "بعد أن أصبح مكلفاً وبات مصدراً للتباهي والتفاخر بين السيدات، آن أوان التخلي عنه". وأضافت: "تاريخياً كانت تجهز موية رمضان بعد أن يمنح أهل العريس أهل العروس مبلغاً مالياً في قولة الخير، مقابل ذلك تجهز أم العروس موية رمضان، بما تيسر لها (حلو مر، آبري أبيض، لحم مجفف...الخ)، يرد أهل العريس بهدية أخرى بسيطة يحددها وضعهم المادي". ومضت قائلة: "في بعض المناطق عند إتمام مراسم الزواج قبل رمضان تجهز أم العروس موية رمضان لنسابة ابنتها باعتبار أنه أول رمضان لها مع (النسابة)". ورأت منى أنه لا جدوى من هذه العادة لذلك على المجتمع إيقافها، ولا سيما أنها باتت ترهق كاهل الأسر السودانية، وخاصة ذوي الدخل المحدود في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار المستمر". وتساءلت: كيف ستتصرف الأم التي لديها بنتان وعليها تحضير موية رمضان وفي نفس الوقت عليها إنصافهما؟. توادد ومحبة كانت موية رمضان بالنسبة للصادق عبد اللطيف عادة وتقليداً يتركان أثراً إيجابياً في نفس أهل العريس. وقال: "من واقع تجربتي الشخصية تركت موية رمضان صدى في نفس والدتي وأخواتي حينها، فقد تزوجت في عام (1988)م وعندما اقترب الشهر الكريم من بدايته أرسلت أم زوجتي الحالية أخواتها وخالتها حاملين موية رمضان لأمي، ورغم أنها احتوت عل المشروبات التقليدية المعتادة بالإضافة إلى الرقاق وكافة الأواني المنزلية التي يحتاجها كل منزل في رمضان، إلا أنها نالت رضاها وأخواتي، فهي ذات دلالات اجتماعية قصد منها الاندماج الاجتماعي، وتعبير عن المحبة والتوادد والتراحم، بعيداً عن التفاخر والمظاهر الكذابة التي لا تبني البيوت". انتعاش سوق قديما كانت (موية رمضان) هدية رمزية بسيطة لها دلالات اجتماعية عميقة وتعبر عن مكانة العريس ومدى رضا أهل العروس به وأيضاً تتمثل فيها المأثورة (تهادوا تحابوا)، لكنها تبدلت وتحولت إلى (فشخرة) بذخاً و(بوبار) وباتت مكلفة جداً، لا تقوى عليها الأسر سيما الفقيرة التي لا تملك قوت يومها، وتمثل أغلب الشعب السوداني، وبالرغم من ذلك ما إن يهل رجب تنتعش حركة البيع ويمتلئ السوق بأمهات (العروسات)، أكد ذلك تاجر الأواني المنزلية بسوق أم درمان عمر إبراهيم. وأضاف: "تهفو السيدات لشراء احتياجاتهن تجهيزاً ل (موية العريس) وتتابع في ذلك الموضة وأحدثها، أيضاً لم يخف عمر استياءه من بوبار أولائك السيدات المصاحب ل (موية رمضان) الذي تخطى الخلاطة والثلاجة والبوتجاز وطقم العشاء إلى المايكرويف ومكيفات الهواء ومبردات المياه. اليوم التالي