يبدو أن ظاهرة الدراما الرمضانية بتنوعها وتشكلها الفني المعتاد، لم ولن تنتهي لأسباب لا تخفى عن أصحاب الخبرة والمراقبين. فهي ليست ترجمة لثراء إبداعي وحسب، وإنما هي انعكاس واضح وصريح لنهم تجاري في المقام الأول قبل مسألة الفن والفكر والابتكار. لقد اعتاد المنتجون الكبار منذ سنوات على استغلال الشاشات الفضائية الصغيرة في مشروعات استثمارية مضمونة النجاح، لاسيما بعد أن أعطت السينما ظهرها لنجوم كبار، قضوا أعمارهم في الرهان على شبابيك التذاكر في دور العرض السينمائية لفترات طويلة، وحصدوا ملايين الجنيهات جراء تفرغهم لمهماتهم الصعبة، للاحتفاظ بالقمة والبقاء عليها لأطول وقت ممكن. ولأن الاستمرار في صدارة شباك التذاكر السينمائي له شروط ومقاييس تجاوزت بحكم الزمن الأسماء الكبيرة في عالم النجومية والبيزنس، كان على المتشبثين بالأضواء تغيير وجهتهم شطر الدراما التلفزيونية، ليلحقوا بقطارها ويحجزوا لأنفسهم مقاعد في الدرجات الممتازة، قبل أن ينطلق بدونهم. وبالفعل تمكنوا بما لديهم من تاريخ وخبرة في الوصول قبل فوات الأوان، ليستأنفوا بقية المشوار ويصنعوا من غزلهم الفني، خيوطاً متينة توصلهم بتاريخهم السينمائي الفائت، فيتجدد عطاؤهم ويستردون مجدهم على أرضية الدراما التلفزيونية بمتغيراتها وفرضياتها وقانونها الخاص، وليس هناك أبرز من عادل إمام نجومية وفناً وتاريخاً، ليكون دليلاً على ذكاء التحول في الوقت المناسب، من الشاشة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة ليظل هو أيضاً حصان الرهان الأسود في الموسم الرمضاني بزخمه وصخبه وردود أفعاله. لقد قدم إمام عبر السنوات العشر الماضية مجموعة من المسلسلات الناجحة، إلى حد ما، بمقاييس ومواصفات السوق، كان من بينها «فرقة ناجي عطا الله» و«العراف» و«أستاذ ورئيس قسم» و«مأمون وشركاه»، فأضاف إلى رصيده ما يكفي لضمان الاستمرار والنجاح، فأغراه ذلك بتقديم مسلسله الجديد هذا العام «عفاريت عدلي علام» مع كاتبه الكوميدي المفضل يوسف معاطي، وابنه المخرج رامي إمام، وتبعاً لقانون المكسب والخسارة، ولضمان الحد المأمون من النجاح، استعان النجم ببعض الممثلين المتميزين، ممن يتمتعون بقبول جماهيري معقول، غادة عادل وكمال أبو رية وبيومي فؤاد، والوجه الجديد مي عمر، ليعطي للخلطة الدرامية مذاقاً كوميدياً مختلفاً، وهي طريقة مجربة يكررها البطل والنجم منذ فترة طويلة، وفي عدة مواسم، وكما هو معتاد يعتمد الكاتب والسيناريست يوسف معاطي في رسم الشخصيات وصياغة المواقف الكوميدية على بعض المفارقات الاجتماعية، فهو يستند إلى مبدأ المعالجة من خلال الشخصية الرئيسية، التي ينطلق منها ليصل عبر التفريعات الجانبية إلى الشخصيات الثانوية التي عادة ما تكون داعمة للبطل، الذي يحمّله بالأفكار، ويجعله مسؤولاً عن الحل والربط وينسب إليه قدرات خارقة في الذكاء والفراسة والتأثير. في المقابل يدخل غمار المنافسة هذا العام كأحد الأعمال الكبرى مسلسل «واحة الغروب» المأخوذ عن رواية الكاتب بهاء طاهر، الذي يمثل خطوة للأمام على طريق المكتسبات الأدبية وظلالها الإيجابية في الدراما على مستويات موضوعية وفنية، وأيضاً دعائية تضمن النجاح والاكتساح في الموسم الاقتصادي الاستثنائي المهم، خاصة أن الرواية تم الترويج لها كعمل أدبي رفيع المستوى، حظي بتأييد كبير من كبار النقاد، وغالبية عظمى من القراء، كونها متميزة في مضمونها وثرائها الأدبي، وأيضاً لأنها لكاتب كبير نهلت السينما والدراما التلفزيونية من إبداعه، ما رفع من قيمة ما تم نقلة وتصويره مجسداً على الشاشتين، متمثلاً في «خالتي صفية» و«الدير» و«أمهات في المنفى» ونماذج أخرى. ومن دواعي التفاؤل بمسلسل «واحة الغروب» أن المخرجة كاملة أبو ذكرى، واحدة من المخرجات البارعات اللائي سبق لهن تقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية، حملت لغة خاصة كانت الأكثر قرباً من وعي الجماهير، بمختلف ثقافاتهم وأذواقهم، ولعل نجاحها الفائق في مسلسلي «ذات» و«سجن النساء» كفيل بأن يجعل كل التوقعات في صالحها، لا سيما أنها أحسنت أيضاً اختيار البطلين الرئيسيين، خالد النبوي ومنة شلبي، كواجهتين متميزتين وعلامتين تجاريتين، يصح أن تنافس بهما في السباق الرمضاني الساخن جداً. ٭ كاتب مصري القدس العربي