اختفت أو كادت تختفى وجوه الإسلاميين التقليدية من الحكومة، بكامل رضاهم وبتسيق مسبق معهم ، وكم هائل من الإشاعات عمل على ترسيخها الإسلاميين انفسهم ،تلخصت فى ان الإسلاميين لم يعودوا هم الحكام وان المؤتمر لم يعد فرعا للحركة الإسلامية ، كما أن المؤتمر الشعبى اصبح حزبا راعيا للحريات ومناضلا شرسا من اجلها .تشكلت هذه الحكومة و تم ملئ الفراغات التى تركتها الحركة الأسلامية بافراد توزعت انتماءاتهم ما بين الحزبين الكبيرين، بما فيهم بعض افراد البيتين الكبيرين وبضعة تكنوقراط ،اضافة لشخوص من المتصالحين الجدد و احزاب التوالى. صاحب التشكيل الكثير من الترضيات الرخيصة الفاقعة ،لتكون هذه الحكومة هى اكثر حكومات الانقاذ تعرضا للسخرية والنقد،لضخامة عدد وزارئها ووزراء الدولة فيها الذى فاق عددهم عدد الوزارات،فهنالك وزراة بها ثلاث وزراء دولة ،وعشرة وزرات اخرى بكل واحدة منها وزيرى دولة ، ولانها ايضا لم تحمل شيئا واحدا مما تم التبشير به قبل تكوينها. على مستوى الشكل يمكن القول ان الحكومة الضخمة اتت لمكافأة واستيعاب الذين خاضوا الحوار مع النظام .وستزيد كثيرا من اعباء الميزانية المتعسرة اصلا. وهى ايضا اول حكومة فى تاريخ السودان يتواجد فها هذا العدد من آل المهدى والالميرغنى ، فحتى فى الفترات الديمقراطية التى حكم فيها حزبى الامة والاتحادى مؤتلفين لم يتم اختيار هذا العدد الكبير منهم فى اية حكومة ، وهو مؤشر بقدر ما يعكس تطلعات الاجيال الجديدة فى البيتين الطائفئيين ، الا انه يعكس ايضا انهم لم يعودوا يحرصون على اخفاء انتهازيتهم خلف ستار ألغموض والتقديس . الا ان اهم ما اراده الاسلامييون وراسمى مخطط الهبوط الناعم - الاسم الذى خُدِع بتسميته الموحية الكثيرون- بتشكيل هذه الحكومة وما يليها من خطوات وسياسات على المدى القريب هو مسح بصمات الاسلاميين من كل التجربة ،والتسليم التدريجى لجهاز الدولة التنفيذى العاجز ،لأيدى اخرى جشعة الاطماع ،متعددة ومتضاربة المصالح والرؤى ،لتقوم صحبة بعض العسكر المُنتَقُون بعناية ، بادراة دولة مفككة الاوصال ومنزوعة مصادر القوى والارادة الوطنية ومنهارة اقتصاديا ، فى حين يمتلك الاسلاميون فيها مراكز القوى ممثلة فى القوات النظامية (الجيش والشرطة ، والامن) اضافة لشبكات المصالح المتحالفة معهم ومراكز النفوذ المتعددة التى انشؤوها ( البنوك - السوق- الصناعات - والسيطر على الاراضى وشركات الطاقة والوقود) اضافة للدولة االعميقة التى امتلك التنظيم كل مفاصلها ،فانه لم يتخلى ابدا عن اجهزته السرية الخاصة به والتى تمتلك مليشياتها واجهزتها الامنية وبنوكها واقتصادها الخاص السرى الذى يعمل ويسيطر على معظم الاقتصاد المباح فى الدولة ،اضافة الى عمله فى مجالات غسيل الاموال وتجارة السلاح والمخدرات والبشر. مسح البصمات هو فقط مجرد خطوة اولى فى سبيل مخطط طويل عريض لايمكن قراءته بمعزل عن كل ما جرى ويجرى منذ قدوم الانقلاب المشئوم على كافة الاصعدة المحلية والاقليمية والعالمية. يوسف حسين