مع أن ظهوره عبر أجهزة الاعلام جاء متأخراً للحد البعيد، لكنه استطاع أن يحجز مكانه بجدارة بين عمالقة المديح في السودان، فالجيلي الصافي يتمتع بصوت وأداء يجبرانك على الانصات اليه، وأكثر من هذا وذاك، ثقافته الواسعة في مختلف ضروب الفنون .. لكن كيف كانت البداية، وحدث بعد ذلك التدرج؟ ولماذا قدمته قناة (هارموني) بالذات؟ وتأثير الموسيقى على ما يقدم من مدائح؟ وغير ذلك من المحاور.. سنتعرف عليها من خلال الحوار التالي.. مع المادح الجيلي الصافي.. = ظهور الجيلي جاء متأخراً ورغماً عن ذلك وضع بصمة قوية.. أين كان الجيلي من قبل..؟ - لم أتعلم المديح، إنما نشأت بين دقات الطبول وأنين «النوبة»، وكل القرية كانت تترنم مدحاً، ومنذ مرحلة مبكرة من عمري أدمنت مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام، لكن لأن الكريدة بعيدة عن الخرطوم وأجهزة الاعلام جاء هذا الظهور متأخراً بعض الشيء.. = وهل عُرفت هناك كمادح يملك صوتاً مميزاً..؟ - في أواخر المرحلة الابتدائية كان الشيخ حسن بن الشيخ محمد أحمد مديراً للمدرسة وهو الآن الخليفة بالكريدة، وانتخبني ومعي عدد من التلاميذ حينها أن نؤدي بعض المدائح داخل حرم المدرسة، ومنذ ذلك الوقت بدأت أجود أدائي وأتوحد مع ما أؤديه.. = إذن اقتصر الظهور على المنطقة التي وجدت بها..؟ - نعم.. فعند انتقالي للدراسة بكوستي انضممت لفرقة المناهل للآداب والفنون، وأنتجنا ألبوم مديح اسمه «صائم رمضان» وكنا نعرف هناك ونقوم بالمديح في عدد من المناسبات. = إذن كوستي شهدت الانطلاقة الأولى لك..؟ - لحد ما، لكن ملازمتي للشيخ محمد أحمد بن الشيخ عمر -عليه الرحمة- بالكريدة لمدة أربع سنوات، وشهدت هذه الفترة حضور «أبونا» الراحل الشيخ البرعي لمرات كثيرة كان يستمع الى فيها هو والشيخ محمد أحمد، بدأت ملامحي في عالم المديح تكتسب نمطاً جديداً، حيث كنت أقوم بالانشاد لهما، وأجازاني في ذلك.. = مع هذا البعد عن العاصمة.. كيف تسنى لك الوصول إلى أجهزتها الاعلامية..؟ - رشحني الأستاذ مبارك محمد علي كي أنتج ألبوماً لشركة «شدياق»، وكانت فكرة الألبوم تدور حول تجميع عدد من المراثي للشيخ البرعي، فتحمست جداً وتم التسجيل.. = وصلت بهذا الألبوم للعاصمة.. وبعدها تعرفت على معتصم الجعيلي..؟ - نعم.. استمع الجعيلي للعمل، واعجب به، وبدأت التسجيل معه، وكان الهدف تسويق هذه المدائح للتلفزيون القومي، لكن لم يتم ذلك، ورفضت ولا أدري السبب، لكن وبعد افتتاح قناة هارموني الفضائية وجدت هذه المدائح طريقها إلى المشاهد، وقمت بتسجيل ثلاثة ألبومات للمدائح النبوية.. = وكيف تنظر إلى تسجيل المدائح بطريقة «الفيديو كليب»..؟ - الصورة تنقل لك بعضاً من تفاصيل الأمدوحة، وتسهم لحد كبير في جذبك للمشاهدة والمتابعة، لذا وفي أداة اعلامية فعالة مثل التلفزيون تصبح هذه الطريقة جاذبة لعدد كبير من الجمهور. = البعض يوجه انتقادات حادة لمصاحبة الآلات الموسيقية للمدائح النبوية.. كيف ترى ذلك..؟ - الموسيقى المصاحبة تلعب دوراً في اضافة جماليات تجذب الشباب للمديح.. و.. -مقاطعة- = لكن الموسيقى قد تلهي هؤلاء الشباب عن التأمل في كلمات المدائح..؟ - لا أعتقد ذلك.. فهذا مدح لأشرف الخلق عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن تتلهى عنه بالموسيقى أو أي شيء آخر.. = لكن ربما تفقد الموسيقى هذه المدائح نكهتها وايقاعها المميز الذي عرفت به عبر «الطار» و«النوبة»..؟ - تظل المدائح تحمل بداخلها شجنها الصوفي العميق، ومهما اختلفت طرق تقديمها فهي تحافظ على مضامينها الداعية للخير، والذاكرة لمآثر الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. = وماذا عن بعض الألحان المستوحاة من أغنيات يتم تفريغها ووضع كلمات المديح عليها..؟ - المديح في السودان أقدم من الغناء، وألحان المدائح استغلها مغنو الحقيبة الأوائل ونسجوا على نسقها أغنياتهم، لكن للمدائح ألحانها الخاصة القديمة، وأيضاً الحديثة، ولا أحبذ أن يتم تلحين أمدوحة على نسق احدى الاغنيات.. = إذن المغنون استفادوا من ألحان المدائح أولاً..؟ - ليس ذلك فحسب، بل إن ايقاع «الريقي» العالمي، هو ايقاع مديح موجود في السودان منذ زمن بعيد.. = منذ متى على وجه الدقة..؟ - منذ أكثر من (350) عاماً، كان هناك الشيخ قدورة وهو رائد من رواد المديح في السودان وكان بمنطقة قريبة من القضارف، وأسرته تعرف بأسرة باسبار، وإليه تنسب المدرسة (القدورابية) وهي صاحبة ضربة ذات وتيرة واحدة، بالضبط كما في ايقاع «الريقي». = وكيف انتقل هذا الايقاع لأوروبا وأمريكا..؟ - هؤلاء الأوروبيون جابوا افريقيا واستفادوا من ثرواتها الطبيعية، وكذلك من مخزونها الثقافي، ولا يخفى على كثير من الناس أن بوب مارلي وصل حتى حمد النيل، وحمل معه بعض ايقاعاتها.. ولم تكن حينها توجد ملكية فكرية أو مصنفات فنية..