شاهدت اليوم زعيمة المعارضة الايرانية وهى تخاطب حشدا كبيرا من المعارضين فى باريس. كانت هى فى اشد الحماس وكذلك الالاف الذين كانوا يتجاوبون وكانهم شخص واحد. الزعيمة قالت بكل ثقة انهم سيهزمون نظام ولاية الفقيه وان تباشير ذلك قد ظهرت فى هزيمة النظام فى الانتخابات الاخيرة. كان كل هذا الحماس والثقة برغم ان عمر النظام قد كاد يبلغ الاربعين سنة – 1979- 2017 – اقول هذا مقارنة بحالة النظام عندنا وحالة المعارضة كجماعات وافراد. ولكن قبل المقارنة بين الحالتين، دعونا نوضح ماقد يحتاج فى العنوان، الذى قد يبدو غريبا لدى البعض. واحب ان اؤكد بداية ان النظامين لايتشابهان فحسب وانما يتطابقان ايديولوجيا وسياسيا. فمن ناحية الفكر الدينى الذى يعتمدان عليه، فان نظام الفقيه الشيعى الذى يضع كل البيض فى سلة آية الله من الناحية الدينية، حيث ان لديه العلم اللدنى الذى لايؤتى احد غيره. لذلك فان على الآخرين الذين يأملون فى المغفرة ودخول الجنة ان يسمعوا وينفذوا فحسب. اليس هذا هو فهم الجماعة عندنا ؟ انهم يسرقون ويقتلون ويفعلون جميع المنكر، ومع ذلك فهم متاكدون من دخول الجنة لانهم يخادعون الله بانهم يطبقون شرعه، بل ويدخلون الآخرين الذين يسمعون الكلام فيحاربون اهلهم فى الجنوب وفى دارفور،بل وفى كل مكان داخل وخارج السودان لقاء الوعد بسبعين حورية – فى الجنة طبعا ! اما سياسيا، ففى الحالتين يوجد حزب سياسى يعيش بين الناس ويعرف دبيب النملة السوداء فى الليلة الظلماء، متطوعا او مامورا، وهناك العسكر فى الجيش الرسمى والحرس الثورى مقابل الدعم السريع والجيش الشعبى والامن " الوطنى " وامن العنكبوت ,,,الخ لهذا ظل النظام الايرانى كاتما انفاس الشعب الايرانى لما يقرب من الاربعين سنة، بينما ظل قرينه السودانى مايقرب من الثلاثين. وبالاضافة الى تفرد النظامين بمالم يستطعه الاوائل، بمافى ذلك الانظمة الفاشية والنازية التى مرت فى تاريخ الدنيا، فان هناك سببين آخرين مهمين لتفسير طول عمر النظامين: اولهما سوء الانظمة السابقة بما جعل الشعبين يتطلعان الى وعود النظامين البراقة. وثانيهما تشتت المعارضة بفعلها الذاتى وبفعل الانظمة. سنتوسع قليلا فى شرح السبب الثانى حتى تتضح الصورة للجميع، وحتى نستفيد من دروس المعارضة فى الماضى من اجل المستقبل القريب باذن الله. فقد بدات المعارضة برئاسة مولانا الميرغنى، وذلك بسبب مواقفه السياسية البارزة ابان النظام السابق، وخاصة آخر العنقود : اتفاقية الميرغنى قرنق، التى كانت احد الاسباب الرئيسة للتعجيل بانقلاب الترابى البشير. غير ان الضغوط التى مورست على مولانا من النظام ومن اصحاب رؤوس الاموال داخل حزبه جعلت شعار : سلم تسلم ينقلب الى : استسلم تسلم. ولكى لانظلم مولانا، فاننا نعتقد ان مواقف الآخرين فى المعارضة لم تكن افضل كثيرا. الحركة الشعبية ، خصوصا بعد اغتيال قرنق، اصبحت عينها على نهاية الخمس سنوات الانتقالية، وصولا الى تقرير المصير. الحزب الشيوعى وافق على الاتفاقية بدون اشراك المعارضة فى المفاوضات وكذلك لم يحاول جر المعارضة الى الاستفادة من الحسنة البارزة فى فذلكة اتفاقية نيفاشا، التى ربطت بشكل جيد بين استعادة الديموقراطية وتحقيق الوحدة الجاذبة. فاذا جئنا الى موقف حزب الامة، فاننا نجد المؤيد الرئيس لمواقف الجبهه وهى تعد للانقلاب كان هو السيد مبارك الفاضل وزير الداخلية، الذى اصبح بعد ذلك الامين العام للتجمع الديموقراطى. ثم خرج السيد الصادق المهدى من السودان الى المقر الثانى للتجمع بارتريا ثم الى القاهرة، ليكون اهم مطالبه اعادة الهيكلة. ومرت الايام بعد رجوع المعارضة الى الداخل، وكان الصادق المهدى من اشد المتحمسين للحوار مع النظام، الذى بعد ان ضمن دخول السيد الى الحلبة،قام بالغير مستغرب " عادى!" واعتقله بسبب كلمات قيلت من غيره من اهل النظام. ثم خرج الى مصر وعاد وجماهير الشعب السودانى كانت تنتظر منه اشعال الفتيل الجاهز للانفجار، فاذا به يصب الماء البارد بالدعوة مرة اخرى الى الحوار !"تانى ؟" ارجو ان تقرا تصريحات كمال عمر الاخيرة عن الحوار الذى كان ونتائجه حتى على النصف الآخر من الفولة المنقسمة !. والآن الوضع كالتالى : - حكومة عارية تماما حتى من ورقة التوت داخليا وخارجيا بصورة تدعو للانتحار ان تبقت لها ذرة من الكرامة ولكنها لن تنتحر بدون ولو "دفرة " ! لكن الذين ننتظر منهم الدفرة كالآتى فى الوقت الحاضر، بالرغم من بشائر تغيير : عدة ملايين من المنتمين للحركة الاسلامية والحزب الوطنى لايزالون يلتقطون بعض ممايقع فى الطريق الى جيوب الكبار. وهم مؤثرون من خلال ما لديهم من اموال اوسلطة كوزراء واعضاء مجالس مركزية وولائية وموظفى حكومية فى مختلف المستويات. عدة ملايين من المتفرجين على الحائط و من ماسكى العصا من المنتصف خوفا من السلطة الموجودة وعدم ثقة فى قدرات المعارضين. جزء من المعارضة فى حالة انتظار لسقوط الثمرة بشكل او آخر جزء منها يتصارع على الزعامة. جزء لايزال يأمل فى الحل التفاوضى " باستحقاقاته !" ومع ذلك فالجزء من المعارضة القابض على الجمر منذ البداية والرافض لاى حوار مع من ثبت مرارا وتكرارا انه يلعب فقط لكسب الوقت بالاضافة الى الجماهير المكتوية فعلا بلهيب الحرب والغلاء والمرمطة الدولية لكامل السودان، هو الذى سيكسب. ولعل " كل تأخيرة فيها خيرة "، فالآن : - بدأ تنظيم فعلى للجماهير باستعادة النقابات الحقيقية وانشاء لجان الانتفاضة فى الاحياء واماكن العمل. - يحدث فرزا ضروريا ومهما للكيمان بمايفيد مرحلة مابعد النهاية المجتومة وان طال السفر. - زاد حراك السودانيين فى الخارج. - انكشف امر جماعة الاخوان لكل العالم وانهم اس البلاء. - يتضح يوما بعد يوم للقبائل انها تصارع بعضها وتموت من اجل النظام. - لم يعد النظام قادرا على الرشوة وعلى المناورة حتى فى اطار الحركة والحزب. تفاءلوا خيرا، ولكن تذكروا ان السماء لاتمطر ذهبا ولا فضة، وساعدوها ولو "بدفرة" !! [email protected]