عندما تنشغل أي حكومة عن مواطنيها وتتركهم دون رعاية واهتمام وتفشل في أن توفر لهم الحياة الكريمة والعمل والعلم والصحة، تنتشر العطالة والفقر والجهل والمرض فيصاب المجتمع بالخوف والقلق ويتملكه الإحساس بالفراغ، هذا الوضع يعتبر بيئة صالحة جدا لنمو الظواهر السالبة بصفة عامة ومنها الشائعات، ومجتمعنا يعتبر خير مثال للمجتمع المهمل المعرض لكل الظواهر السالبة بدليل ما يحدث من شائعات متكررة لا يمكن لها أن تظهر في مجتمع يجد الاهتمام من الدولة، فمجتمعنا السوداني أصبح مجتمع شائعات لا يخرج من شائعة حتى يقع في أخرى، وما زال هذه الأيام يعيش حالة هلع من شائعة خطف وتجارة الأعضاء، ومثل هذه الظواهر لا تعالج (بالونسة) ولا بالتهديدات والتنظير والإساءات والتخويف ولا حتى بالقوانين وإنما بإخراج المجتمع من أزمات الفقر والعطالة والجهل. أمانة إعلام المؤتمر الوطني أقامت ورشة حول تداول الشائعات في الإعلام الإلكتروني، حضرها عدد من عضويته وتفاكروا في الأمر لوحدهم، كل افتى بفتواه حسب وجهة نظره الشخصية، ياسر يوسف أمين أمانة الإعلام، قال إن سيل الأخبار الكاذبة والملفقة الهدف منها ضرب الوطن في معنويات سكانه وتشويه صورة قيادته العليا واستهداف نسيجه المتماسك وإن تلك الأخبار تصدر من جهة واحدة وليست عملا عشوائيا، اللواء هاشم علي عبد الرحيم، مدير إدارة الإعلام بالشرطة، قال إن مثيري الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي فاسقون وفاسدون. انظروا كيف يتحدث أهل إعلام المؤتمر الوطني المنوط بهم علاج المشكلة فحديثهم ينم عن جهل واضح، فهم لا يعلمون عن تشخيص أسباب انتشار الشائعات وعلاجها، فالحكومة المهتمة بشعبها لا تعلق المشاكل في الآخرين وإنما تعالجها بسياسات قوية وفاعلة، ياسر يوسف أمين أمانة إعلام الوطني، يعلق المشكلة في نظرية المؤامرة وهو يعلم تماما أن الذين يتهمهم بالتآمر على الوطن ليس لديهم الزمن لصنع الشائعات وليسوا في حاجة إلى استخدام المواطنين لضرب الوطن بل يستخدمون الحكومة نفسها، أما اللواء هاشم مدير إعلام الشرطة فهو يتهم المواطنين مثيري الشائعات بالفساد والفسوق ونسى قول الحكمة إن الشعوب على دين ملوكها، فالشعوب تفسد وتفسق بفسوق وفساد الحكومات. لا اعتقد أن السادة في إعلام المؤتمر الوطني قد قدموا ما يفيد في ورشتهم التي خصصت لمناقشة تداول الشائعات في الإعلام الإلكتروني، فلم يأتِ أحدهم بتشخيص ولا حل علمي فهم (اتونسوا ساكت)، مع بعضهم، فعبد الرحمن الخضر والي الخرطوم السابق، شدد على اللجوء إلى وقف خدمة الواتساب للحد من الشائعات، ودعا إلى معالجة أضرار الشائعات بما يلزم من إجراءات وتدخل الأجهزة الأمنية على وجه السرعة لإفسادها وإطلاق المعلومة الصحيحة، يعني يوصي باستخدام حل (البصيرة أم حمد) فبالعقل والمنطق لا يمكن لأي جهة أن تفسد انتشار الشائعات في مجتمع يعاني من الفراغ والجهل والخوف والفقر ويستخدم التقنية الإلكترونية التي تتطور كل يوم ولا يمكن التحكم فيها كليا، فالحل الوحيد هو تغيير الظروف التي يعيشها الشعب وشغله بما هو مفيد من عمل وعلم ومناشط وغيره وبناء جسور الثقة بينه وبين الحكومة، أما هذه (الونسة) التي يعقدها المؤتمر الوطني كل مرة عن الظواهر السالبة التي تظهر في المجتمع وليس الشائعات وحدها لن تحل مشكلة فهي (ونسة) قاعات لا طائل منها. التيار