وطن الجمال والكلمات والشعر النبيل محمد سليمان دخيل الله: عرفتك منذ سنوات طويلة شاعرا وفنانا وانسانا من خلال الكلمات والاحرف وسندباد في بلد السجم والرماد وشيويفعونة ودريفونة وصغيرونة وتقول وجع الطنيبرات ان نضمت شوى في شوى وانا واحد من قرائك المعجبين، وقد قرأت مؤلفاتك جميعا بامعان، واعتقد ان جمهور قرائك بعدد الحصى في الوطن، لأنك تكتب للوطن وانسان الوطن، ايها الشاعر الدبلوماسي سيد احمد الحردلو، ونحن حاسين حسسك عارفين مرضك، لكن نقول انك قد دفعت شبابك وقوتك من اجل الوطن، وعزاؤنا انك قد خلدت في قلوب الاصفياء والاتقياء من عشاق الوطن والكلم الجميل، ورأسك متوج بالحسن والادب، يا من تواضعت في حضرة الوطن، ولو كتبت فقط «يا بلدي يا حبوب» لكفتك في أن تجد الرعاية والاهتمام بعد سنين البذل والعطاء، سفيرا وشاعرا ومنافحا عن الوطن وبنيه: يا بلدي يا حبوب يا أبو جلابية وتوب وسروال ومركوب وعمة وسديري وسيف وسكين وقد كان سيفك القلم، وسطرت في حضرة الوطن عشقك المجنون، وأقول لك إن ما كتبته تاريخ وثقافة سودانية تحمل ملامح ابن السودان البار، وقد التقيتك لأول مرة بعد انتفاضة عام 1985م، وانت مشارك في سهرة «حدق العيون ليك يا وطن»، وقد اهديتني ديوان شعر رائع كنت قد كتبته في بداية يناير 1985م، وكانت السهرة في بداية مايو 1985م، والديوان كنت قد كتبه باسم مستعار (شعر سليم عبد السلام عبد الله)، وهو بعنوان «كتاب مفتوح إلى حضرة الإمام من منشورات الدستور»، وفيه لخصت الشخصية السودانية بكل أبعادها في قصيدة السوداني: السوداني يوم ولدوه غاب الخوف ويوم ربوه خاف الخوف ويوم شافوه مات الخوف وفي هذه الأبيات يضئ الوطن من دواخلك، ويشع في طرب وشاعرية ممزوجة بحب الوطن المتغلغل في ثنايا كيمياء شخصيتك، وما أروعك وأنت تكتب في هذا الديوان الرائع «طبل العز ضرب» وقد قمت بإخراجها أغنية مصورة مع الفنان الرائع سيف الجامعة، بعد أن أخرجت الوطن في حدقات العيون، وقمت بقراءة ديوانك في ثنايا البرنامج، ومازلت احتفظ بهذا الديوان الرائع باعتباره وثيقة مهمة، كما احفظ قصائده حفظ الممتحن: طبل العز ضرب يا السُّرة قومي خلاص والفرسان هديك في الساحة ختوا الساس والبيرق هداك فوق البلد رقَّاص والخيل عركسن والدنيا بوق ونحاس والبنوت زغاريدن تجيب الطاش ويظل الحردلو مهموماً بالوطن وتاريخه وأشعاره واطفاله وزهوره، وهو نسيج فنان سطر النهر القديم في كتاب مفتوح: لا بد أن يستأنف النهر القديم مساره نحو السهول وتزدهي بالورد والألوان أجفان الحقول ويزهر الأطفال في وطني وتورق الأشعار في وطني وينهض التاريخ في وطني وتنطلق الخيول فنعود يا وطني نقول ونعيد ما كنا نقول وأنا أبحث عنك شاعرنا سيد احمد الحردلو، وألقاك بين حكايات كتاب أو أسطر قصيدة، ولقد وقفت كثيراً عندما أعدت قراءة «يا عيني لا تبكي» وأنت كتبتها في بداية الثمانينيات، وكأني بك تقرأ المستقبل بشفافية وروح الشاعر: يا عيني لا تبكي على اللي روح وفات وتقول بقراءة مستقبلية، وتنثر حروفك عبيراً وعطراً يغطي سماء الوطن عشقاً سرمدياً: خلينا في الحاضر خلينا في الجايات خلينا شايلين مطر وراعدين في كل الجهات وصابين قموح وتمور وطالعين ولاد وبنات ومارقين في كل البلاد إن سيد أحمد الحردلو كتاب مفتوح من الشعر، يواسي الناس ويرسم دروباً جديدة، وليس ذلك علاقات اجتماعية مني كما يقول الروائي إبراهيم اسحاق بأن بعض الكتابات النقدية عبارة عن علاقات اجتماعية، وعلاقتي بالشاعر القامة والهامة سيد أحمدة الحردلو علاقة بمنتوجه الشعري وبأحرفه وكلماته التي تضيء دياجير الظلام وترسم الإشراق: يا عيني خلاس فرهدي وشوفي الطريق قدام كيفن يجم البال وكيفن سماحتو حتو كُتر وكيفن مشيتو كتر وكيفن كلامو شكر يا عيني خلاس فرهدي وشوفي سماحة الفال وكوني لهذا البلد غنوة وكوني جمال علشان نكون أحلى وعشان نكون أغلى وعشان يروق البال فشعر سيد أحمد الحردلو هو السهل في عباراته وفي أوزانه، ويحمل موسيقى وعواطف جياشة، وهو شدو معطون بالغناء، وفي معانيه زغرودة فال تزف البشارات، وانتم الناس أيها اليمانون، وبكائية على بحر القلزم. وقد سعدت بهذه الكتب ايما سعادة، ولأنني من خلال متابعتي للشعر قديمه وحديثه عربيه وافرنجيه ومن خلال متابعات مستمرة لما يكتبه سيد احمد الحردلو، اعتقد أنه البرق الذي يضيء عتمة الخبايا بشعر راق ورائع روعة صاحبه. ولنطالع بعضاً من قصيدة «كبير الدراويش نام» التي اهداها الى روح الشيخ محمد المهدي المجذوب في ديوانه «بكائية على بحر القلزم»، ويقول فيه الحردلو للشيخ المجذوب: حينما انكسرت هامة الزمن المشرئب وانغرست لا مكان نزف الصمت فوق تخوم الزمان فتحجرت الساعة الحائطية في ساحة المهرجان وكانت تدق طبول بعانخي وتعلن أسفار سنار تنشد أمجاد كرري والقصيدة رائعة وجميلة، ومنها أيضاً: كبير الدراويش نام حين أكمل كلمته حين جوَّد حين نال الشرافة واللوح نام عليه السلام وعليك السلام أيها الحردلو وأنت تنشر الدرر الشعرية من بداية الستينيات والى يومنا هذا، فكم وجدنا من حلو الكلام في «غداً نلتقي» و «ملعون ابوكي بلد» ومقدمات ومسدار «عشان بلدي» و «نحن وسندباد في بلاد السجم والرماد» ومسرحية «عرضحال من جملة أهالي السافل» و «أجيك عاشق مسافر ليل» و «خربشات على دفتر الوطن». إن الدواوين السابقة شعر عامي وبالفصحى، انها تزين الشعر في السودان، وإن كنت في الدبلوماسية سفيرا فسفارتك في الشعر امتدت لقلوب وذاكرة من يعشقون الجمال، فقد تنقلت بنا في بساتين الأحرف والكلمات، وغنيت لرمل السواحل والعشق في الزمن الاحدب، ومدحت وكتبت للعشب وللجبل والمطر وثورة الطفل والحجر: فتصطلون ثورة وقودها الأطفال والحجر ويطلعون بينكم كالموت والطوفان والقدر ومن أرحام حزننا ومن بطون بأسنا ويرسمون في سبورة التاريخ وطناً من الحجر ومن الأبيات السابقة يتضح لي دائماً أن سيد أحمد الحردلو شاعر عميق وسهل في الدخول الى الوجدان من دون استئذان، وهو متطور في أخيلته، لذلك أجده قد أنجز مشروعه الشعري، وهو مدرسة شعرية متفردة، فقد وظف اللغة إن كانت عامية أو فصحى، ليوضح ما يختلج في دواخله من جمال فنان شاعر يرسم اللوحات بالكلمات، ويعمق إشارات ودلالات الوطن المفعم بالجمال والخبرات، ولم يحصر مشروعه الشعري في السودان، بل كان يتلمس الهم الإنساني والعربي بفهم شامل لحراك الكون وتداعياته، وهذا نتاج حتمي لحله وترحاله في مدن العالم، وتشربه ومعرفته لثقافاتها، لذلك ظللت ايها الحردلو سيد أحمد شاعراً يشبه الوطن، وأشرت لمراحل مرَّ بها الوطن في تاريخه الحديث، وكانت ومازالت تجربتك الشعرية هي تجربة جيلك الذي رسم للوطن الطريق نحو المجد والعزة، وأنت تكتب ماذا تبقى سوى الشعراء: ماذا تبقى لنا في العروبة ماذا تبقى سوى الشعراء ومن غيرهم نستجير به فيرد إلى سيفنا الكبرياء ويكتبنا في المحافل بأسا ويرسمنا وطنا في السماء ماذا تبقى لنا في النهاية ماذا تبقى سوى الشعراء لك التحايا الشاعر الدبلوماسي سيد أحمد الحردلو، ومتعك الله بالصحة والعافية لتواصل إبداعك الشعري والتحايا لشعراء بلادي... ولك التجلات ايها المبدع المسكون بالسودان وطناً وإنساناً، وآخذ أبياتك من «يا وطني» واهديها لك: لأنني أحب فيك فقرك النبيل لأنني أود فيك صمتك الطويل لأنني أشكر فيك صبرك الجميل وكل الجمال يا جميل يا رائع وأنت دائما بقلبي بانتاجك وشعرك النبيل.. وكل عام وأنت بألف خير. الصحافة