يبدو أن هوليوود لن تتخلى عن عادتها المفضلة في تقديم أفلام تبث الرعب في قلوب الجمهور عن طريق طرح سيناريو معين للهلاك أو لفناء العالم، وهو ما يظهر في أخر أعمال المخرج ستيفن سودربرج "العدوى" الذي بدأ عرضه في دور السينما الأمريكية في التاسع من أيلول/ سبتمبر الحالي. وتدور أحداث الفيلم الجديد حول ظهور فيروس قاتل يتسبب في وفاة ضحاياه خلال أيام وينتشر بشكل سريع بكل أنحاء الكوكب ولهذا، فإن ميزانيته كانت ضخمة للغاية حيث تنقل طاقم العمل بين عدة مدن مثل سان فرانسيسكو وجنيف ولندن وشيكاغو وأتلانتا وهونج كونج، والمستعمرة البرتغالية السابقة ماكاو. كل هذا في وجود كوكبة من ألمع النجوم على رأسها مات ديمون، الذي سبق له التعاون مع سودربرج في فيلم "المخبر"، والنجمة كيت وينسلت الحائزة على جائزة الأوسكار مرتين، عن "تيتانيك" بطولة ليوناردو دي كابريو و"القارئ" بطولة رالف فينيس، ويشاركهما البطولة كلا من جوينيث بالترلو الحاصلة على الأوسكار أيضا عن دورها في فيلم "شكسبير يقع في الحب" ولورانس فيشبورن نجم سلسلة أفلام الخيال العلمي الشهيرة (ماتريكس) وجود لو، بطل أعمال متميزة مثل (ألفي) و(طريق الهلاك) و(الذكاء الاصطناعي) والفرنسية ماريون كوتيار التي تألقت في (ناين). وكعادة الأفلام التي تنتمي لهذا الفئة وتتحدث عن نهاية العالم بهذه الطريقة، فإن كل شيء يبدأ بطريقة مفاجئة عن طريق ظهور حالة مرضية تنقلب إلى وباء لا يمكن السيطرة عليه، حيث تصاب زوجة ديمون، بيث إيمهوف، بالعدوى في كازينو آسيوي وتفارق الحياة بين ليلة وضحاها دون وجود تفسير منطقي. وتنتقل العدوى بسرعة البرق وبشكل لحظي عن طريق التلامس وتنتهي بالوفاة في غضون ساعات، ولهذا ينتشر الذعر سريعا بسبب عدم وجود عقار أو مصل مضاد قادر على انهاء الفيروس أو وقف أعراضه، خاصة وأن المرض أصاب ملايين الأشخاص بكل أنحاء الكوكب في غضون أسبوعين. ويذكر فيلم سودربرج بطريقة ما بفيلم "أوت بريك" الذي ساعد النجم الكبير داستين هوفمان، الحاصل على الأوسكار عن فيلم "رجل المطر" على العودة للساحة مجددا، وتدور أحداثه حول انتشار وباء الإيبولا وذعر قيادات البنتاجون من تفشي المرض بصورة أكبرة لينتهي الأمر بوفاة آلاف الأشخاص على الرغم من محاولات السيطرة على المرض. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي يمثلها تواجد كل هذه الكوكبة من النجوم في عمل واحد والذي كان جواز مروره إلى مهرجان فينيسيا، أحد أهم مهرجانات السينما في العالم، إلا أن تصنيفه لن يجعله يخرج عن قائمة الأفلام الطويلة التي تحدثت عن كوارث كادت تتسبب في نهاية العالم مثل "2012" و"يوم الاستقلال" و"اليوم الذي يلي الغد". ويمكن وصف "العدوى" أيضا بأنه إنتاج ضخم يحمل أغراض تجارية ويسعى لارضاء الجمهور، لذا فإن ميزانيته اقتربت من نحو 60 مليون دولار، كما أنه لم يخل أيضا من وجود جانب سياسي ومناوشات على الصعيد الدولي داخل الأحداث التي يتم خلالها السعي أيضا وراء ديمون نظرا لأن بداية الأمور كانت من عنده. وعلى الرغم من انتماء الفيلم إلى تلك الفئة المليئة بالحركة والإثارة، إلا أنه يترك من يشاهده وهو يفكر نوعا ما في تبعات وجود وباء خارج عن السيطرة بكل أنحاء الكوكب في هذا العالم الذي تزداد سهولة الاتصال بين أطرافه يوما تلو الأخر، كما أنه يذكر دون أدنى شك بالخوف الذي اجتاح العالم من وبائي أنفلونزا الخنازير والطيور وانتشارهما في أنحاء مختلفة بالعالم. وعلى الرغم من أن هوليوود دائما ما تختار الموعد الملائم لطرح أفلامها في دور العرض، إلا أن بعض نقاد السينما الذين اطلعوا عن قرب على تصوير العمل الجديد، يرون أن الوقت الحالي سيكون بمثابة لحظة سيئة لاعادة احياء شغف الجمهور الأمريكي والعالمي بهذه النوعية من الأفلام الكارثية. ويستند النقاد في رأيهم لإثبات صحة ذلك إلى تزامن عرض الفيلم مع إحياء الولاياتالمتحدة للذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من أيلول /سبتمبر في نيويورك وواشنطن، وفي خضم توابع الأزمة المالية للأسواق العالمية التي بدأت مع انهيار الأسواق العقارية عام 2008 وامتدت لتشمل المصارف والمؤسسات المالية العالمية، بالإضافة إلى أزمة اليورو، وثورات الربيع العربي، التي ظهر الجزء الأسوأ منها في الحرب الأهلية التي أشعلها نظام القذافي في ليبيا وانتشار المجاعات في دول القرن الأفريقي وبالأخص الصومال. كل هذه الظروف تقود إلى نتيجة مفادها أن "العدوى" ليس أفضل فيلم يمكن مشاهدته في هذه اللحظة الحساسة من تاريخ البشرية، أما بالنسبة إلى من لا يهتمون بهذا الأمر فإن مشاهدة الفيلم ستكون بمثابة مقياس جيد لقدرتهم على التحمل.