ماذا بعد أن صدر قرار رئاسي بتعيين الدكتور التجاني السيسي رئيس حركة التحرير والعدالة ليتبوأ رئاسة السلطة الانتقالية لدارفور بموجب اتفاقية الدوحة؟ هل نهاية المطاف بأن يعود الرجل وقادة حركته الى الداخل بموجب الاتفاقية ام ان هناك صعوبات أخرى قد تؤخر العودة خاصة بعدما نكث الشركاء الوعد وعينوا الدكتورالحاج آدم في منصب نائب الرئيس بدلا عن السيسي. من المؤكد ان الرجل ايا كانت خياراته تنتظره مهمة صعبة وشاقة ولكنها بالتأكيد ليست مستحيلة ولكن ماهي حدود نجاحه وحدود فشله في منصب رئيس السلطة خاصة ان الجميع كان يتوقع ان يتولى الرجل منصب نائب الرئيس ورئيسا للسلطة بترفيع المنصب من كبير مساعدي الرئيس الى نا ئب الرئيس ورئيس للسلطة. فمن الواضح ان الشركاء لم يلتزموا بالاتفاقية ولم يضعوا الحساب لحركة التحرير والعدالة و ولذلك آثروا منح منصب نائب الرئيس لواحد منهم ممثلا في شخص الدكتور الحاج آدم العائد قبل اقل من عامين من الغريم اللدود المؤتمر الشعبي ، وبالتالي فإنهم حصروا حق حركة التحرير والعدالة في منصب رئاسة السلطة الانتقالية ومقرها الفاشر لا الخرطوم وهذا يؤكد مسلسل البداية لخرق اتفاقية الدوحة. فالتجاني السيسي رغم انه مؤهل اكثر من غيره لتولي منصب نائب الرئيس ورئيس السلطة الا ان حظه اوقعه في شركاء لا يرون الا ما يحقق لهم اهدافهم فقط لا اهداف اهل دارفور والسودان والذين وضعوا ثقتهم في السيسي بعدما فشلت اتفاقية ابوجا وخرج موقعها ومهندسها مني اركو مناوي كبير مساعدي الرئيس ورئيس السلطة الانتقالية السابق غاضبا من الخرطوم واعلن تمرده من جديد. من المؤكد ان حصر السيسي في منصب رئيس السلطة فقط بدلا من نائب الرئيس لن يكون لصالح التنفيذ السلس لاتفاقية الدوحة لان السيسي سيواجه بعقبات كبيرة لا تختلف عما واجهها في السابق مناوي بل ربما ستكون اكثر تعقيدا ، فهو من ناحية يرأس سلطة بلا سلطات ولا صلاحيات اعضاؤها النافذون ولاة الولايات الثلاث وهو لايتمتع بسلطة محاسبتهم لانهم منتخبون ولهم صلاحيات رئاسية من الرئيس شخصيا ربما تفوق الصلاحيات الممنوحة لرئيس السلطة خاصة في حدود ولاياتهم في كل المجالات. كما ان السيسي سيواجه بوضع يختلف تماما عن الوضع الذى كان يألفه عندما كان حاكما لاقليم دارفور الموحد، فحزبه السابق حزب الامة اعلن معارضته الصريحة للاتفاقية ،وهو سيجد بعض رفاقه من الوزراء السابقين الذين كان يرأسهم خلال العهد الديمقراطي قد اصبحوا حلفاء للشريك الاكبر ورؤساء احزاب مشاركين في الحكومة على مستوى المركز بالخرطوم وبدارفور ، ولهم مواقف معارضة لموقفه من ازمة الاقليم، فهم لايرون فيها الا مايرى الحزب الحاكم بل فاقوه في تنبي الاطروحات والمواقف التى دمرت النسيج الاجتماعي والقبلي حتى اصبحت دارفور منقسمة على اساس عرقي لا سياسي، بتبني البعض علنا لما عرف بمصطلح (العرب والزرقة) ومن هنا جاءت الكارثة والازمة والتى يصعب علاجها وستصعب من مهمة السيسي. مشكلة السيسي ليست مع هؤلاء القادة من رفاقه السابقين فقط وانما في ان الشريك الجديد قد نحج ايضا في خلخلة جميع اوضاع دارفور وجعل زعماء القبائل والخدمة المدنية جزءا من الحزب الحاكم لا يرون الا كما يرى وينفذون ما يأتمرون به، فالحزب الحاكم يسيطر على الاجهزة التشريعية والتنفيذية والادارة الاهلية ليس على مستوى الولايات فحسب وانما حتى على مستوى المحليات والفرقان وان جميع هذه المؤسسات قد استمرأت الأمر الواقع ، وارتبطت مصالحها بالحزب الحاكم وسياساته وانها ستقاوم أي محاولة للتغيير ،بل ان بعض هؤلاء التنفيذيين والسياسيين من يعمل ب"ماكينة رئيس" دولة وليس بوالٍ او زعيم قبيلة وهم سيقاومون، بالتالي، صلاحيات السيسي وسلطته الانتقالية بكل ما أوتوا من قوة لان نجاح السيسي يعني النهاية لهم، فهم قد استفادوا من حرب دارفور ولن يسمحوا لاحد باسم الاتفاقية تجريدهم من مصالحهم التى اكتسبوها من اوضاع الحرب. كما ان السيسي سيواجه ايضا بعقبات اخرى خارج اطار الشركاء وتتمثل في أن هناك حركات دارفورية ذات وزن وتأثير لم توقع على الاتفاق ولم تعترف به وهي مناوئة للسيسي والحكومة السودانية معا ومنها حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، وحركتي تحرير السودان مناوي وعبد الواحد محمد نور ولا يمكن إنكار أو تجاهل وزن وتأثير وجماهيرية هذه الحركات الثلاث على واقع ارض دارفور ولا يمكن التقليل من دورها حيث انها تملك نفوذا في مناطق مختلفة من دارفور، المعسكرات والمناطق القبلية وبعض أطراف المدن وبالاخص مناطق نفوذ السيسي شخصيا وهي تعمل بكل جهدها لافشال السيسي ومنع وجود اى نفوذ له خاصة في معسكرات النازحين واللاجئين والذين وضح ان اغلبهم لا يزالوان مع عبد الواحد نور . من الواضح ان السيسي بتوقيعه اتفاقية السلام قد قبل التحدي ولكن عليه النظر لتجارب سابقيه مع الشركاء، فابوجا لم تجهض الا عمدا واجهضها الشركاء لا مناوي، وان الشركاء بدأوا في ثقب اتفاقية الدوحة بالحاج آدم وحصر السيسي في منصب رئيس السلطة بالفاشر وسط ولاة يمتمعون بصلاحيات الرئيس والطوارئ وانهم لن يقفوا عند هذا الحد وانما سيعملون على شق صفوف حركته خاصة ان اغلب قادة هذه الحركة هم اساسا من كانوا من ضمن طاقم الاسلاميين ومن السهل استمالتهم من جديد ، فان الشريك الحاكم قد نجح حتى في شق حركة مناوي وجبهة الشرق والحركة الشعبية وهي حركات تختلف عقائديا عن الإسلاميين. فالسيسي رغم انه مؤهل الا ان واقع دارفور الحالي يجعل من الصعوبة بمكان تنفيذ الاتفاقية بكل بنودها فالشركاء سيعملون معه وعيونهم على مناوي وخليل وعبد الواحد، رغم تأكيدهم بأن الدوحة هي آخر محطة خارجية لحل الازمات السودانية، فلا احد يستطيع انكار تأثيرهم سلبا وإيجابا على دارفور وبدونهم سيظل الحل ناقصا، وان السيسي مهما عمل لن يستطيع تغيير الواقع الحالي خاصة ان المجتمع الدولي مشغول بما هو اكبر من ازمة دارفور والخلافات الداخلية بشأنها بين السيسي والحكومة فدارفور قد تراجعت الى الخلف حتى بالنسبة للازمات السودانية الاخرى كازمتي النيل الازرق وجنوب كردفان. كاتب سوداني الراية القطرية