تدخل القوى السياسية في مصر اليوم جولة جديدة من التصعيد في محاولة للضغط على المجلس العسكري الحاكم في البلاد، من أجل الاستجابة لمطالبها بعد تنامي الشعور بعدم الثقة في مسار عملية انتقال السلطة للمدنيين. وبينما تستعد قوى سياسية لتنظيم مظاهرة حاشدة اليوم (الجمعة) في ميدان التحرير بقلب العاصمة تحت شعار «مليونية استرداد الثورة»، لوحت عشرات الأحزاب المصرية وفي مقدمتها حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، بمقاطعة الانتخابات البرلمانية إذا ما استمر المجلس العسكري في تجاهل مطلبها بقصر الانتخابات على القوائم النسبية المغلقة، بدلا من الجمع بين نظامي الفردي والقائمة. واستبق المجلس العسكري الحاكم الدعوة المليونية، كعادته، برسالة بدت هذه المرة أقل ودّا، إذ خلت من تأكيده المتكرر بإيمانه بحق التظاهر، واكتفى في رسالته رقم 75 أمس بالإشارة إلى التأكيد على الثوابت التي وردت في الرسائل السابقة. وقالت الرسالة التي نشرت على صفحة المجلس على الموقع الاجتماعي «فيس بوك» إن «القوى السياسية التي دعت للتظاهر في 30 سبتمبر (أيلول) تتحمل مسؤوليتها الوطنية أمام الشعب في التنظيم والتأمين والحفاظ على كافة المنشآت الخاصة والممتلكات العامة للدولة». وحذر المجلس العسكري من التعرض لوحدات القوات المسلحة أو منشآتها، معتبرا أن أي تهديد لوحداته يعتبر مساسا بالأمن القومي، وتوعد بمحاسبة مرتكبيه. وهدد التحالف الديمقراطي من أجل مصر الذي يضم حزبي الحرية والعدالة وحزب الوفد الليبرالي و34 حزبا وحركة، بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، وأعرب التحالف الذي يعد التكتل السياسي الأوسع في البلاد عن «القلق الشديد» بشأن الطريقة التي تدار بها المرحلة الانتقالية على نحو «يهدد ثورة 25 يناير» وما حققته من إنجازات على طريق الديمقراطية والحريات العامة، كما عبر عن انزعاجه من أن يؤدي ما وصفوه ب«سوء استخدام الآلة التشريعية وغياب الشفافية فيها» إلى إرباك العملية الانتخابية في هذه المرحلة. وقال التحالف الذي أنهى اجتماعه في وقت متأخر من مساء أول من أمس، وضم قياداته الرئيسية وعددا من الشخصيات العامة، إن «الأحزاب والقوى السياسية تؤيد وضع نظام انتخابي يقوم فقط على القائمة النسبية غير المشروطة، بوصفه النظام الأفضل لانتخاب برلمان مؤهل لدور تاريخي ينتظره. لهذا يؤكد الحاضرون استغرابهم من موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي رفض نظام القائمة النسبية وأقر نظاما مختلطا انتهى إلى توزيع المقاعد بين القائمة ولها ثلثا المقاعد، والفردي وله ثلث المقاعد، وهو تصور لم يطرح من قِبل القوى السياسية، ولم يكن معروضا في جلسات الحوار». ولوح التحالف بمقاطعة الانتخابات البرلمانية قائلا: «ومن هنا ندعو إلى إلغاء المادة الخامسة من قانون انتخابات مجلس الشعب والشورى، وإتاحة التنافس للجميع على المقاعد الفردية، ونؤكد على أننا نرفض المشاركة في الانتخابات ما لم يتم تغيير هذه المادة». ويرى مراقبون أن التلويح باستخدام سلاح المقاطعة هو تهديد أكثر من كونه موقفا جديا. وأمهل التحالف المجلس العسكري حتى يوم الأحد المقبل لتلبية مطالبه، لكن الدكتور عصام العريان النائب الأول لحزب الحرية والعدالة قال ل«الشرق الأوسط» إن «الحق الأصلي هو تسلم السلطة عبر انتخابات حرة.. وأي موقف يتم اتخاذه لن يطال هذا الحق.. هناك تهديد حقيقي نواجهه بكل الطرق المتاحة سواء القانونية أو بوسائل الضغط الأخرى حتى يتم تسليم السلطة لحكومة منتخبة عبر البرلمان.. هذا هو مطلب التحالف». وتابع العريان بقوله: «لن نسمح بوجود حكومة ضعيفة.. وتخصيص ثلث مقاعد البرلمان للمستقلين لن يفضي إلى حكومة قوية.. وربما يقف أمام مطلب أن حق الكتلة الرئيسية في البرلمان تشكيل الحكومة». ورغم تصعيد حدة لغة البيانات التي صدرت عن حزب الإخوان والتحالف، رفض حزب الحرية والعدالة المشاركة في الدعوة للمظاهرة المليونية اليوم (الجمعة)، وقد أكد الدكتور سعد الكتاتني، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، أن الحزب قرر عدم المشاركة في مظاهرات الجمعة القادمة 30 سبتمبر التي دعا إليها الكثير من النشطاء والائتلافات الثورية تحت شعار «جمعة استرداد الثورة»، موضحا أن قرار عدم المشاركة لا علاقة له بموقف الأحزاب الأخرى بشأن المشاركة من عدمه. ويتوقع مراقبون أن لا يتأثر الحشد المتوقع في مليونية اليوم بغياب حزب الإخوان، بعد إعلان الكثير من القوى الليبرالية واليسارية والإسلامية المشاركة في المليونية. ويقول نشطاء من الائتلافات الداعية للمظاهرة إن اختيار يوم 30 سبتمبر نظرا لكونه اليوم الذي تنتهي فيه مدة الأشهر الستة التي اعتمدها المجلس كحد أقصى لتسليم السلطة للمدنيين. وترفع القوى المشاركة في المظاهرة مطالب رئيسية هي: تعليق حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وتفعيل قانون الغدر الذي يمنع قيادات الحزب الوطني المنحل من الترشح في الانتخابات البرلمانية، وإقرار القائمة النسبية فقط للانتخابات البرلمانية، ووضع جدول زمني للانتخابات الرئاسية بحيث يتم إجراؤها قبل منتصف العام المقبل. وبينما بدأت مجموعة من الائتلافات أمس في الدعوة إلى الاعتصام في ميدان التحرير، تلاحقت ردود فعل المحافظات المصرية، ففي الإسكندرية أعلن شباب الثورة عن استعدادهم للانطلاق من المساجد والزوايا الصغرى بأطراف المدينة والتحرك بمسيرات عبر الأحياء الشعبية، في محاولة لإعادة مشهد البلاد يوم جمعة الغضب في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، ودعت القوى الحزبية بالمدينة إلى مسيرة أخرى حاشدة تتحرك من أمام مسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل (الميدان الرئيسي للمظاهرات بالمدينة)، والتوجه إلى مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية بمنطقة سيدي جابر. وقال أحمد نصار عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة إن هذه المليونية تأتي في إطار رفض الثوار انفراد المجلس العسكري بكل السلطات وسن التشريعات دون العودة إلى القوى السياسية. وفي الإسماعيلية أعلن تكتل ثوار الإسماعيلية تنظيم مظاهرة حاشدة اليوم (الجمعة) عقب أداء الصلاة بميدان الشهداء تحت شعار «استرداد الثورة». وبدأ التكتل في حملة دعائية موسعة لدعوة شعب الإسماعيلية للمشاركة من خلال توزيع آلاف المطبوعات على أهالي المحافظة، والدعوة عن طريق رسائل الهواتف الجوالة والإنترنت. وقال أحمد صابر المنسق الإعلامي لحركة 6 أبريل بالإسماعيلية إن الحركة ستشارك في المظاهرة وتدعو المواطنين للتعبير عن رفضهم لقانون الطوارئ بالمشاركة في «جمعة استرداد الثورة». وقالت الدكتورة عايدة كيلاني المتحدث الإعلامي للمكتب التنفيذي لائتلاف الثورة إن المكتب قرر المشاركة في المظاهرة للمطالبة بتفعيل العمل بقانون الغدر والعزل السياسي. وفي السويس دعا تكتل الثوار أهالي المحافظة للمشاركة في المظاهرات من خلال مسيرات تم تنظيمها يوم الأربعاء والخميس وطافت شوارع في مناطق شعبية ثم استقرت بميدان الأربعين. وأعلن التكتل وعدد كبير من الأحزاب السياسية أن المظاهرات ستكون بميدان الأربعين. وتجاوبت مدن الصعيد مع دعوة التظاهر، وأعلنت القوى السياسية وعلى رأسها أحزاب الكرامة والوسط والناصري والجبهة الديمقراطي والتجمع والعدل والمؤتمر الشعبي الاشتراكي وعدد من ائتلافات الثورة عن المشاركة في مسيرة مساء يوم الجمعة للمشاركة بمليونية استرداد الثورة بميدان الساعة بمحافظة قنا. وفي الأقصر قال نصر وهبي المنسق العام للائتلاف بالأقصر إن الائتلاف سوف يقوم بتنظيم وقفة احتجاجية استباقية أمام مبنى الأمن الوطني الجديد ليؤكد أعضاء الائتلاف رفضهم عودة نفس وجوه أمن الدولة المنحل للعمل داخل جهاز الأمن الوطني. «ارتباك» في تعامل الجيش مع الإعلام المصري.. وجدل حول عودة الرقابة تعطيل طبع «الفجر» واستقالة بلال فضل ومحمود سعد من «التحرير».. ومداهمة مقر «الجزيرة مباشر مصر» للمرة الثانية القاهرة: محمد عبد الرءوف شهدت الساحة الإعلامية المصرية على مدار اليومين الماضيين جدلا كبيرا بسبب ما تردد عن مصادرة السلطات المصرية العدد الجديد من صحيفة «الفجر» الخاصة التي يرأس تحريرها الصحافي عادل حمودة، الذي اشتهر بمشاغباته الصحافية التي أدت به أكثر من مرة إلى قفص الاتهام في محاكم نظام الرئيس السابق حسني مبارك، بالإضافة إلى إعلان الصحافي بلال فضل والإعلامي محمود سعد استقالتيهما من قناة «التحرير» الفضائية، التي تعد من أبرز القنوات الفضائية التي تأسست بعد ثورة 25 يناير. وعلمت «الشرق الأوسط» أن عدد صحيفة «الفجر» تعطل في مطبعة مؤسسة «الأهرام» الحكومية لمدة أربع ساعات بسبب موضوع كتبه الدكتور محمد الباز نائب رئيس تحرير الصحيفة، يتعلق باجتماعات القائد العام للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مع الرئيس السابق مبارك خلال أيام الثورة، حيث ذهب ضابط جيش برتبة عميد إلى مطبعة «الأهرام» وطلب نسخة من الموضوع ليقرأه قبل الطبع، وأبدى اعتراضه عليه باعتبار أنه يخالف ما جاء في شهادة المشير طنطاوي أمام المحكمة في قضية قتل المتظاهرين السبت الماضي؛ إلا أن إدارة الصحيفة رفضت أي تعديل في الموضوع مستندة إلى أن شهادة المشير لم تُنشر ولم يُعلن عن فحواها رسميا، وإن رشحت عنها تسريبات غير رسمية، وبعد اتصالات أجراها الضابط لمدة أربع ساعات، سمح بطبع العدد دون أي حذف أو تعديل على الموضوع. وقال الدكتور محمد الباز ل«الشرق الأوسط»: «العدد لم تتم مصادرته، وهو موجود في الأسواق يوم أمس، بنفس العناوين والموضوعات ودون حذف». وأضاف الباز: «أرى أن هناك ارتباكا شديدا في التعامل مع الصحافة، لأن العسكريين غير محنكين في التعامل مع الإعلام بشكل كاف، فالعسكريون تركيبتهم أنهم يصدرون الأوامر فتنفذ وتطاع». واعتبر الباز أن هذا التعامل لا يصلح مع الصحافة التي اعتبر أنها شهدت قفزات واسعة في الحريات في عهد الرئيس السابق، وقال: «ستكون هناك مقاومة لأي محاولة لإعادة الإعلام للمربع صفر مرة أخرى». وأضاف: «قد يكون هناك شيء خفي يدبر وهم يتعاملون مع الإعلام بهذه القسوة والقوة حتى لا يقترب منه أحد ويبقى خفيا»، إلا أنه يفصح عن طبيعة ما يدبر. من جهة أخرى، أعلن الصحافي بلال فضل والإعلامي محمود سعد استقالتيهما من العمل في قناة «التحرير» الفضائية، التي تعد أبرز القنوات التي تأسست بعد ثورة 25 يناير. ونفى بلال فضل على حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أن يكون سبب رحيله عن القناة هو الضغوط السياسية. وقال قررت الانسحاب «لخلافات إدارية وفنية مع إدارة القناة». وتابع: «ما فيش أي ضغوط سياسية ولا دياولو، وربنا يفرجها بحتة كويسة الواحد يعمل برنامج عصير الكتب». ونفى بلال وجود أي خلافات مع الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى أحد مقدمي البرنامج مع محمود سعد وعمرو الليثي، موضحا: «عيسى ليس مديرا للقناة، لكنه مساهم فيها وشاهدت معه حلقة محمود سعد وهو يعرف موقفي». وقال: «مديرو المحطة أشخاص محترمون لكني لم أتوافق معهم». ورفض بلال ما تردد عن أن استقالته جاءت بسبب شبهات حول مصادر تمويل القناة، قائلا: «من العيب أن يصمت الإنسان على اتهامات توجه للقناة بخصوص التمويل، لأنني لم أكن سأشارك في قناة هناك شبهات حول تمويلها أساسا ما تسمعوش أي كلام». وقال: «اللي يهم الناس ما إذا كان في ضغوط سياسية ساعتها هاطلع أهلل ومش هاسكت.. إنما تفاصيل إدارية وفنية.. ودي حاجات ماتهمش حد». وحول وجهته القادمة، أوضح فضل قائلا: «هدفي الوحيد الآن في موضوع البرامج هو إعادة استئناف عصير الكتب وقد حاولت مع التلفزيون المصري لكن يبدو أنني ما زلت على القوائم السوداء حتى الآن». وقال فضل: «الموضوع كله مش مستاهل بالنسبة لي لإني ماكملتش ثلاث شهور؛ لكن الخسارة الحقيقية لأي قناة هي خسارة محمود سعد وجمهوره العريض». وكان سعد قد أعلن استقالته على الهواء مباشرة في حلقة برنامج «في الميدان» الليلة قبل الماضية، موضحا أنه سيستقيل من القناة لأسباب شخصية، لم يوضحها. إلى ذلك، داهمت الشرطة المصرية أمس مقر قناة «الجزيرة مباشر مصر» للمرة الثانية خلال شهر واحد. وكانت شرطة المصنفات الفنية قد داهمت من قبل مقر قناة «الجزيرة مباشر مصر» وصادرت أجهزة بث مباشر وأوقفت مهندس البث لبعض الوقت قبل أن تطلق سراحه، وقالت الحكومة المصرية إن القناة خالفت القوانين واللوائح لأنها لم تستخرج تصريحات رسمية لعمل تلك الأجهزة. وقالت مصادر إن شرطة المصنفات الفنية عاودت أمس مداهمة مقر القناة، رغم أنها لم تعد تعمل من القاهرة، واحتجزت اثنين من العاملين لبعض الوقت، مشيرة إلى أن المقر الحالي هو عبارة عن استوديو للتسجيل، به أجهزة كومبيوتر لبث المحتوى عبر الإنترنت، وهو أمر لا يخالف القانون، على حد قول المصادر.