الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد أيها المسلمون: يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف 29 وروى البزار في مسنده وابن حبان في صحيحه (عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ للهَُّ عَنْهُ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي : أَنْ أَصِلَ رَحِمِي وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُولَ الْحَقَّ، وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَنْ لاَ تَأْخُذَنِي فِي للهِ لَوْمَةُ لائِمٍ). إخوة الإسلام: أين نحن كمسلمين من قول الحق الذي ذكره الله في كتابه العزيز وأوصانا به الرسول صلى لله عليه وسلم؟ للأسف فقد أصبح قول الحق نادراً الآن فلا تجد من يصدع بكلمة الحق إلا من رحم ربي فقد غرق المجتمع في مستنقع من الكذب وتشويه الحقائق وممالاة الباطل وليت الأمر قد اقتصر على السكوت عن قول الحق بل أصبح البعض يزينون الباطل في عيون من يفعله حتى أصبح اللصوص والحرامية وجهاء مجتمع وشخصيات يشار إليها بالبنان إلى غير ذلك من النماذج المشوهة التي أصبحت تملأ حياتنا لتشكل قدوة للمجتمعات القادمة للأسف الشديد، فحينما يهم المرء بقول كلمة الحق تتصاعد إليه عدة جمل تنكر عليه قول الحق من شاكلة: (إنتا مالك) و (خليك في حالك) و (الخواف ربا عيالو) و (عامل لينا فيها مصلح) وغيرها من مثبطات قول الحق. أيها المؤمنون: إن قول الحق والتخلص من الكذب والنفاق هو طريق المجتمع نحو التقدم ومن الواجب أن أول من ينطق بكلمة الحق هم الدعاة إلى الله والعلماء والمربون، فعلى الدعاة اليوم العمل على إخراج الناس من هذا المستنقع النتن الذي تردوا فيه من عدم قول كلمة الحق أو الاحتفاء بها، وكأن الأمر لا يعنيهم يكون ذلك بطرح النماذج المشرقة لسلف الأمة الذين وقفوا وقفات مشرفة ضد أهل الباطل أو من هم بيدهم الأمر. لقد كان اهتمام العلماء بالوقوف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الحق والدعوة إليه، وبيان الباطل والتحذير منه من أهم سمات المسلمين الأوائل فليسأل هؤلاء الدعاة أنفسهم هل قاموا بالواجب الملقى على عاتقهم؟ ولم تأخذهم في الله لومة لائم؟ أم أنهم تخاذلوا في نهاية المطاف عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب على كل قادر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ اْلإِيمَانِ" ولو أن كل منا قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما آلت الأمور إلى ما أصبحنا عليه الآن ونخشى – إن لم يتداركنا الله برحمته – أن يعمنا لله بعقابٍ من عنده، يعم الصالح والطالح ففي الصحيحين (قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهَِّ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ (نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ)، فعلى كل منا أن يؤدي ما في مقدوره، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله تعالى غداً فسائله عما فعله وهو جل وعلا الذي سيحاسبه يوم القيامة عما فعل أو ضيع. إخوة الإيمان: إن (كلمة الحق) تدمر الباطل، وتُزلزل كيانه، وتحطم أركانَه، وتقهره وتُهلكه، يقول تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18] والحق ناطق ساحق ماحق، والباطل مخبط مخلط زاهق: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] والحق مهما تربص به المتربصون وكادَ له الكائدون، وحاولوا طمس صورته، فإنَّه سيأتي يومٌ يقول فيه مَن كان على ذلك الباطل: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}،[يوسف: 51] وسيعترف بأنَّه كان على باطل وضلال، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32] إن (كلمة الحق) هي جرأة نفسيَّة، وقوَّة داخليَّة، يدفعك إيمانُك الصادق لكي تقولها، بكل ثباتٍ وإباء، وشموخ، وانتماء لها، لأنها تُشعرك بأنَّك (حر) في زمن كَثُرَ فيه العبيد. (كلمة الحق) تحتاج لأشخاص يقولونها ويقولون بها، ويثبتون عليها ولا يتراجعون عنها؛ لأنَّها (حق)، والحق لا رجعة فيه ، (كلمة الحق) إن صدرتْ عن رجلٍ أكبره الناس بها واحترموه وقدَّروه، فما بالك إن صدرتْ عن فتية صغاراً ونساء هن في الحقِّ كنَّ أجرأ من الرجال! ومن شرف (كلمة الحق) أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – جَعَلَها (من أعظم الجهاد) حيث قال – صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» أخرجه الترمذي. أيها المسلمون: نخشى والله إن استمر حالنا بعدم قول الحق وترك الأمر لأهل الباطل أن يستبدل بنا ربنا غيرنا، ليكونوا لكلمة الحق أهلاً وناصراً ومؤيداً، قال تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) محمد (38)، إن ما يعطينا يقيناً ثابتاً لا يتزحزح بأن الجولة الأخيرة للحق وأهله، والهزيمة والخذلان للباطل وأعوانه هو قول الله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهَُّ الْأَمْثَالَ) الرعد (17). اللهم أرنا الحق حقاً وألهمنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وألهمنا اجتنابه… وأقم الصلاة..