تناقل عدد كبير من القنوات الفضائية خبرا مفاده ان تجمع المهنيين يتهم المجلس الانتقالى بالتلكؤ فى تسليم السلطة للمدنيين . وهناك عدد كبير من الادلة على صحة هذا الاتهام ، نورد بعضا منها : بينما من البداهة بمكان ان المدنيين المعنيين هم قادة الحراك وبتحديد اكثر ، الموقعين على اعلان الحرية والتغيير ، كونهم الذين لم يتلوثوا بالمشاركة مع النظام طوال عمره ، بل وظلوا يحاربونه بمختلف الاشكال الى ان نضجت الظروف لمشاركة الملايين ، فان المجلس الانتقالى يصرح بان الوطنى لن يشارك فى الحكومة القادمة ، فى نفس الوقت الذى يستقبل فيه رئيس اللجنة السياسية الدكتور على الحاج منفردا , ويقابل المجلس مجموعة عتبانى مجتمعة ويتسلم تصورها للمرحلة الانتقالية ! هل من تفسيرلمثل هذا غير كسب مزيد من الوقت ، بل ومحاولة ادخال بذرة الخلاف بين المكونات السياسية ، التى يعلم المجلس الانتقالى انها لايمكن ان تلتقى على امر جامع : اذ كيف يعقل ان يتقابل من فصل الجنوب وشارك فى كل جرائم الانقاذ فى العشرية الاولى ، ومن كون الشركات بمال السحت ، مع من يطالب برد الجنوب واسترداد المال المسروق ؟! التعينات التى تتم من غير مراجعة للشخصيات التى تعين وفى مواقع حساسة مثل وكيل الاعلام . واعلان ايداع ثمانية من فرقاء الامن للمعاش على انه جزء من اعادة الهيكلة ، ثم يتضح انه اجراء لابد منه حتى يتسنى للمدير الجديد الذى رقى حديثا لدرجة الفريق ان يدير المؤسسة بامر من هم دونه درجة ، حسب الترتيب العسكرى المعروف ! أليس هذا من باب التلكؤ والتسكع حتى يقضى الله امرا بتفرق ملايين الاعتصام ! دعوة خطباء المساجد الى لقاء خاص نقلته قناة الجزيرة مباشر (!) ، تحدثوا فيه كثيرون عن ضرورة حماية بيضة الدين والشريعة التى دون المساس بها دماء الآخرين ، أما هم فدورهم ينتهى بتشجيع اولئك حتى لا تتسخ جلابيبهم البيضاء وعمائمهم وشالاتهم المزخرفة . الى ان جاء شاب يبدو انه لم يكن معروفا لمنظمى اللقاء ، يختلف عن من سبقه من المتحدثين لبسا وشكلا . أمسك بالمايكروفون وقال : أنا شاب عادى وساتكلم بلغة الشباب وببساطة ومباشرة . أنا الآن قادم من مكان الاعتصام وقد شاركت فى المظاهرات والاعتصام منذ يومه الاول ، ذلك ان مطالب الاعتصام هى مطالبنا كشباب خرجنا من أجلها ولن نتراجع الا بتحقيقها . ومن ضمن هذه المطالب حل جماعة علماء السودان وكل مايشابهها من تشكيلات علماء السلطان الذين لم يفتح الله عليهم بكلمة خلال ثلاثين سنة مارس فيها النظام كل اشكال الظلم من قتل وسلب واغتصاب . والان يتحدثون عن الدين والشريعة وحمايتها من الشيوعيين . وأقول لهؤلاء ان الدين محمى فى صدور السودانيين حتى على ايام الحكم الاستعمارى ، وان المعتصمين خرجوا لاسترداد حقوقهم فى الحياة ولا علاقة لذلك بمحاربة الدين ! كانت لى ملاحظتان على ذلك اللقاء بالخطباء : الاولى :ان احد الخطباء عرف نفسه على انه ضابط مفصول من القوات المسلحة فى سنين الانقاذ الاولى . وبهذه الصفة فقد اختير ممثلا لزملائه الذين فصلوا بالآلاف.قال انهم ظلوا طوال السنوات الماضية يتابعون قضيتهم لدى السلطات والقضاء حتى المحكمة الدستورية دون انصاف . فظننت انه اورد هذه القضية كمقدمة منطقية للهجوم على النظام الماضى ومطالبة الداعين بالعدل ، لكنه بدلا عن ذلك انتهى الى نفس النهاية البائسة المطالبة بتطبيق الشريعة والمحافظة على الدين . وطبعا المطالبة مرفوعة الى الداعين للقاء والمحافظة ضد المطالبين بالحكم المدنى"العلمانى الفلانى .. الفلتكانى " ! الثانية : ان أحد المتحدثين ذهب الى نهاية الشوط بالقول ان لديهم دستور "اسلامى " جاهز وموقع عليه من كل الشيوخ وعلماء الدين وانهم مستعدون لتسليمه للمجلس حال الطلب ! ملاحظة أخيرة هى ان قناة مباشر الجزيرة تحولت الى موضوع آخر عند نهاية حديث المتحدث الذى اشرت اليه فى ملاحظتى الاولى ، يبدو انها تخوفت من ان يستمر المتحدثون القادمون فى نفس الاتجاه ! وفى الختام ، لابد من الاعتذار عن الوصف فى مقدمة المقال لما يقوم به المجلس الانتقالى بانه تلكؤ ، فالأمر يبدو اكبر من ذلك ، هو ليس أقل من محاولة أخيرة للارتداد عن كل ما اكتسبته الجماهير حتى الآن . وهيهات هيهات ! فهم لايسمعون قصف الرعود بالميدان الذى لم يعد يصدق غير التحقيق الناجز لكل مطالبه ، كان ذلك بقيادة الشيوعيين أو الشيطان الرجيم ، فقد ظلوا تحت حكم كبير الشياطيين طوال ثلاثين عاما !