من المتوقع أن يحولوا 689 مليار دولار هذا العام ( فاينانشال تايمز، 29 أغسطس 2019م، صفحة 7). هذا المبلغ يمثل شريان حياة لكثير من الاقتصادات النامية، خاصة في أوقات التراجع الإقتصادي، والكوارث الطبيعية، والأزمات السياسية، حيث يهرب رأس المال الخاص ويتراجع العون الاجنبي، علما بأن تحويلات المغتربين للدول النامية أصبحت تفوق تدفق الإستثمار الأجنبي المباشر لتلك الدول. ورغم أن تحويلات المغتربين تشجع الواردات لأنها في غالب الأحيان تهدف إلى دعم استهلاك الطبقات الإجتماعية الضعيفة، إلا أنها تمثل مصدر نقد أجنبي يدعم الحسابات الخارجية الجارية للدول المستقبلة لتلك التحويلات. فهناك دول مثل مصر والفلبين ونيجيريا تعتمد إلى حد كبير على تلك التحويلات لدعم حساباتها الجارية الخارجية. للأسف، في السودان ليست هناك معلومات دقيقة متوفرة عن عدد سوداني المهجر وحجم تحويلاتهم، ناهيك عن حجم مدخراتهم! فالسياسات المالية والنقدية الطائشة، خاصة سياسة سعر العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية قابلة التحويل غير الواقعية، أدت إلي التراجع التدريجي لأهمية تحويلات المغتربين في دعم الحساب الجاري لميزان الدفوعات، حيث انتقل السواد الأعظم من التحويلات إلى السوق الموازي( الأسود ) بدلا من السوق الرسمي. لذلك، لابد من التعامل مع تحويلات سوداني المهجر بجدية وواقعية تتطلب سياسة سعر صرف تتماشى مع حركة السوق الموازي في إطار منظومة عدلية تشجع المغتربين على العودة إلي التعامل مع السوق الرسمي بدلا من الموازي. فمن غير المنطقي أن نتوقع من المغتربين تحويل مليارات الدولارات بالسعر الرسمي الحالي( 47,5 جنيه للدولار) ، بينما يبلغ الفرق بين هذا السعر وسعر السوق الموازي(68 جنيه للدولار ) أكثر من 20 جنيها في كل دولار! فإذا تحصل المغترب على سعر السوق التنافسي، فلا داعي لكل تلك الحوافز( مثل حوافز الأراضي والجمارك والضرائب ) الإدارية المعقدة والمشجعة على الفساد، ما يعني عمليا الاستغناء عن جهاز المغتربين المترهل. أيضا، هناك دول مثل إندونيسيا بدأت في إصدار ما يعرف ب " سندات المهجر"، في محاولة لجذب مدخرات المغتربين، تجربة يمكن للسودان الإستفادة منها في إطار سياسات مالية ونقدية مجذرة تشجع وتضمن التنافس الفعال في استجلاب موارد سوداني المهجر، بالإضافة إلي تشجيع المغتربين على إقامة مؤسسات استثمارية تلبي احتياجاتهم وتدعم عودتهم بعد الاغتراب. د. التجاني الطيب إبراهيم [email protected] من صفحة الدكتور التجاني بفيسبوك