على الرغم من الترقب و الشغف الشديد و حالة كتم الأنفاس التي صاحبت اعلان الحكومة الحالية وما ساد وسط المواطنين البسطاء من روح الأمل والتفاؤل والرغبة بالشعور بروح التغيير والثورة التي قدموا لأجلها كل شئ، الا انه دوماً تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، عندنا. فظهر جلياً أن أعراض وعلامات المتلازمة السياسية السودانية المُزمنة والتي (فاتت الكبار والقدرها) ، لا تزال بادية ومتواجدة بكثرة فيما رأيناه وسمعناه و سمعنا عنه حتى الآن. ولا زالت أمراض الساسة السودانيين العُضال موجودة من النرجسية الخببيثة وحب الذات الى «ذهان الارتياب وجنون العظمة» مروراً باضطرابات الشخصية وفقدان الثقة بالنفس وانتهاءً بالغيرة وحب الظهور وادعاء البطولات واختلاق المواقف. ولعل ما ظهر حتى الآن من هذه العلل وأشكال الداء المختلفة في هكذا حكومة ، لا يجد الشخص معها بُداً من تذكر قول المتنبئ حسرةً على ممدوحه المعتل والمريض مرضاً لا شفاء منه: كفى بك داءً ان ترى الموت شافيا وحسبُ المنايا ان يكن أمانيا ها قد تبدت لنا روح الموالاة لهذا وتلك و المجاملات و الموازنات و جبر الخواطر و عمل المكياج السياسي على حساب الكفاءة و الكاريزما ومعيار القدرة على الاداء و العمل ضمن روح الفريق وعدم التغول على الاختصاصات ، و التي نظن وان بعض الظن اثم، ان الكثيرين والكثيرات من اعضاء هذه الحكومة لا يعلمون ما يليهم منها و ما يلي غيرهم، وهذه مصيبة ، او انهم يعتقدون ان (الحالة واحدة) ويمكن لمن شاء منهم ان يعبر عن الآخرين على اعتبار: يزعل من منو و يزعل في شنو كل الناس صحاب و كل الناس أهل و الماهم قراب قربهم العمل وفي هذه الحالة فالمصيبة أعظم والوقعُ جْللٌ. هل سألنا أنفسنا لماذا تعطل اعلان الحكومة مرة و مرتين و ثلاث ، حتى كدنا نتذكر عرقوب ومواعيده لأخيه بيثرب، و الاجابة بكل بساطة انها المتلازمة السياسية السودانية و التي أعيت الناس و هزمت الأولين و الآخرين واستعصت على الحل، انها نفس أمراضنا المزمنة التي لا تحصين ضدها ولا تطعيم من محاصصة و جهوية وعنصرية و مماحكات، انها نفس صراعات الهامش و المركز و العامل و الجلابي و نظرية العبد و السيد التي استمرت في الدوران عندنا لعشرات السنين ولا تزال. لا زلنا نغني ونحن نبشِّر في المطربين ان( كل أجزاءه لنا وطن) و لكن عند قدوم كيكة السُلطة والجاه والصولجان ننسى الاخوة و نتحاسب كتاجر البندقية مع الاعتذار له دون شك. ثلاث وزارات من بنى تحتية و طرق وجسور و ثروة حيوانية و سمكية، ومروراً بوزارة العدل التي تم ابعاد عدد من المرشحين بعد اخطارهم رسمياً و كذلك الخارجية و التي دار حولها الكثير من اللغط بسبب الموازنات، وانكشف للجميع زيف قناع الوطنية الذي ارتداه البعض وان ليس الشرق كالغرب و لا الشمال كالجنوب الا في الاغنيات والأهازيج و الأناشيد: يا عنصري و مغرور كل البلد دارفور و لكن عندما يأتي الحديث عن وزارات الداخلية و الخارجية و الدفاع و الأمن فان البلد ليست دارفور بل الخرطوم و الشمال و الوسط، و عندما نتحدث عن وزارات المالية و الاقتصاد و التعليم فان النيل الازرق و جنوب كردفان شئ والجزيرة والشرق شئ آخر في نظر هؤلاء القوم. حكومة ناقصة في كل شئ في زمنها و مواعيدها، في تركيبها و رؤيتها، و للسخرية حتى في عددها الذين نقص ثلاثة خُلفوا بسبب الموازنات و الديكور السياسي و بهرجة الاعلام و حتى يتسنى لرئيسها الموقر ان يقول بكل فخر ان الكل ممثل في حكومة بلده ، و للسخرية أكثر فان رئيسها نفسه له بلد آخر عاش فيها كل عمره و مثلها خارجياً خير تمثيل، قبل ان يمثلنا او لربما يمثل علينا دور الراعي الصالح، في بلاد اختلط صالحها بطالحها وحابلها بنابلها، و فشلت سابقاً في إبقاء أربعين مليونا ليعيشوا معاً على مليون ميل مربع، كما تفشل الآن من وسط أربعين مليونا آخرين في ايجاد ثلاثة فقط يحفظوا ماء وجهنا وعلى الاقل لمرة واحدة في تاريخنا الحديث.