اعتبر ناشطون وحقوقيون في السودان تقرير مفوضية حقوق الإنسان الذي صدر مؤخراً في الخرطوم حول أحداث فض اعتصام القيادة العامة في 3/6/2019 خطوة استباقية لإجهاض العدالة. لكونه قام بتبرئة جهات يفترض ان يطالها التحقيق، لأنها أصدرت التعليمات بفض الاعتصام حسب اعترافات بعض منسوبيها في مؤتمر صحافي عقب المجزرة التي راح ضحيتها عدد كبير من القتلى والمفقودين والجرحى. في حين اكتفى تقرير مفوضية حقوق الإنسان بالإعلان عن أن قوات ترتدي زي الشرطة والدعم السريع قامت باستخدام القوة المفرطة من دون صدور تعليمات لها من قيادتها. وقال ان هناك ادعاءات من بعض المحامين حول المفقودين. في الوقت الذي أكدت فيه الجبهة الديمقراطية للمحامين انها سلمتهم بلاغات مفتوحة في أقسام الشرطة تقدمت بها أسر المفقودين وتترافع فيها لجنة الدعم القانوني التابعة للجبهة. هذا وقد أعلنت حورية اسماعيل مفوضة حقوق الإنسان في مؤتمر صحافي في الخرطوم قبل أيام سقوط 85 قتيلا في الخرطوم والولايات، وإصابة أكثر من 400 فرد في أحداث فض الاعتصام. وأشارت إلى أن القوات التي قامت بالعملية كانت ترتدي زي الشرطة والدعم السريع، وقد استخدمت القوة المفرطة. ولم تطلق انذارا للمعتصمين بانها ستقوم بفض الاعتصام. واعتبرت حورية ما حدث انتهاكا خطيرا لحق الحياة. وان من قاموا به مسؤولين جنائياً، وقد تتم محاكمتهم. وطالبت بالتحقيق في التباين الواضح في عدد القتلى والجرحى من تاريخ 3 إلى 12 حزيران/يونيو. ودعت النيابة العامة للتحقيق في عدد الضحايا وتوجيه التهم لمرتكبي الجرائم والمخططين لكل الانتهاكات. وأكدت ان المفوضية ليس لها الحق في توجيه الاتهام لأي جهة في أحداث فض الاعتصام. واعتبر عبد الرحمن عابدين المحامي تقرير المفوضية محبطا. لأنه أشار فيما يخص المفقودين إلى ان هناك ادعاءات حولهم من بعض المحامين مع أننا سلمناهم بلاغات من أسر المفقودين. هذا التخوف من قبل عبد الرحمن حال قراءته مع واقع سحب البلاغات من أقسام الشرطة من دون علم النائب العام، يخلق تخوفاً مشروعاً يتعلق بطمس الأدلة حسب المحامية اميمة محمد المصطفى القيادية في الجبهة الديمقراطية والتحالف الديمقراطي للمحامين. وتساءلت اميمة عن الكيفية التي توصلت بها المفوضية إلى كون قيادة تلك القوات لم تصدر التعليمات (هل حققت معهم؟). وتابعت بأنهم في لجنة الدعم القانوني التي كونتها الجبهة الديمقراطية للمحامين يمثلون في قضايا أسر الشهداء ولديهم توكيل من 140 أسرة من داخل الخرطوم وحدها، هذا غير القضايا من خارجها. وأبدت انزعاجها من سحب البلاغات من أقسام الشرطة. وأشارت إلى أن بعض المفقودين عادوا بحالات مزرية وان معالجيهم قالوا ان حالتهم لا تسمح باستجوابهم. وأضافت انهم صدموا جراء ما ورد في تقرير مفوضية حقوق الإنسان لأنها كلجنة ليس منوطا بها تبرئة جهة. كما وصفت التقرير بأنه استباقي لا يخدم العدالة. وأشار عثمان البصري المحامي إلى ان هناك 40 بلاغا وصلت المحكمة في منطقة شارع المزاد في بحري أيام فض الاعتصام. تم الاستماع فيها إلى 12 شاهدا وعرض 8 أفلام. وان النيابة خاطبت الشرطة بمدها بأسماء من كانوا موجودين في المنطقة. وأشار إلى بلاغ عن أحد الغرقى والذي عثر عليه في منطقة الأزيرقاب وكان مربوطاً بالطوب ومصابا بطلق ناري. وقد أثبتت تقارير التشريح أن الموت ليس بسبب الغرق ولكنه نتيجة لإطلاق رصاص. كما أكد متابعتهم لبلاغات اغتصاب. وقد كونت لجنة الدعم القانوني بتحالف المحامين، مركزا لمتابعة حالات الاغتصاب وتحفظ على نشرها لأن أصحابها يخضعون للعلاج. ووصف كمال عمر المحامي والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي تقرير مفوضية حقوق الإنسان بأنه غير محايد ويمثل خط دفاع لتلك القوات ويبرر فض الاعتصام بصورة تخالف القانون. وقال "في تقديري التقرير غير منطقي وغير مستقيم". وأضاف "الجندي يعرف النتائج والقانون ولا يمكن أن يتصرف من عنده. كما أن هذه القوات منظمة وتتبع للدولة والتقرير يبحث عن دفاع لها في حين يتحمل المجلس العسكري كل المسؤولية عنها. وأنها مأمورة من جهات عليا". ونبهت اميمة احمد المصطفى إلى ان رأي المفوضية قطعاً سوف تستأنس به المحكمة التي ستتشكل لمحاكمة الذين ارتكبوا هذه الجريمة، وهنا تكمن خطورته من حيث تأثيره على مجريات العدالة. وطالب المحامي عبد الرحمن عابدين بأن تستند لجنة التحقيق في الأحداث على المادة 19 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تخولها سلطات الضبط والإحضار والتحقيق. وأبدى تشاؤمه من مجرد ذكر قانون سنة 1954 الذي تمت الإشارة إليه في أمر تشكيل لجنة التحقيق، لما يتمتع به ذلك القانون من سمعة تاريخية سيئة ارتبطت بأحداث تاريخية تم فيها إهدار قيمة العدالة مثل أحداث عنبر جودة وأحداث توريت. وحذر في الوقت نفسه من الإفلات من العقوبة كسمة ملازمة لعهد البشير الذي ذهبت كل اللجان التحقيق فيه أدراج الرياح، مما راكم الغبن الاجتماعي ومكن الجناة من الإفلات من العقاب. القدس العربي