تشهد الساحة السودانية تعقيدات عدة وأزمات متلاحقة، إذ يعيش الناس فيها هذه الأيام في ظل أزمة خانقة في المواصلات العامة، وشح في دقيق الخبز والوقود. وثمة احتجاجات تجوب بعض المناطق هنا وهناك، بسبب اتهامات للسلطات بالتلكؤ في تنفيذ مطالب الثورة، لعل أهمها لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة. أيضًا، توجد اتهامات للحكومة بأنها تتقاعس عن إزالة رموز النظام البائد من مؤسسات الدولة. إضافة لاتهامات أخرى تقول أن "الكيزان" يعملون بجد لوضع المعيقات أمام الحكومة الانتقالية. ولمعرفة أسباب هذه الأزمات والأشخاص الذين يقفون خلفها، استنطقت "الراكوبة" القيادي بالحزب الشيوعي، كمال كرار، حول كثير من القضايا، فإلى مضابط إجاباته. *ما هي قراءتك لزيارة رئيس الوزراء حمدوك للسعودية والإمارات ؟ قد تكون في أطار الانفتاح على العالم العربي، ولكن إذا كانت لغرض التخلص من تركة النظام البائد في التبعية .. كان يمكن أن تشمل الزيارة دولا أخري شقيقة وصديقة خاصة وإننا نعلم دور هاتين الدولتين في دعم النظام المخلوع وتوريط السودان في حرب اليمن، ولابد من سياسة خارجية مختلفة بعيدة عن المحاور. وفي تقديري أي محاولة البحث عن قروض مالية أو سلعية من هاتين الدولتين سيثير الشارع الثوري. *كيف تنظر لموقف المجتمع الدولي تجاه ديون السودان الخارجية.. في رأيك هل يمكن لبعض الدول أن تقوم بإلغاء ديونها مثل فرنسا؟ العالم لا يزال ينتظر مآلات الثورة في السودان وغير مستعد لدفع أي ثمن الآن، وكما وقف متفرجا إبان الثورة‘ فهو لن يدعم الاقتصاد السوداني لله. العالم الامبريالي بقيادة أميركا ينتهج سياسة تركيع الشعوب، وعلينا أن لا نقع في الفخ وإتباع سياسة التعامل من موقع الند وبحسب ما تمليه مصلحة الوطن . *كيف تقرأ قرار الحكومة الفرنسية بإلغاء ديونها السودان؟ قرار إلغاء ديون فرنسا على السودان مؤشر على بداية انفتاح اقتصادي سوداني أوروبي على الأقل، وهذا مناخ يجب الاستفادة منه ليس لهدف اخذ المزيد من القروض، بل للاستفادة في مجالات التكنولوجيا الفرنسية وفرص التدريب من اجل النهوض بالقطاعات الإنتاجية في البلاد. *(مقاطعة) ما هو الحل لمشكلة الديون الخارجية؟ عموما الدين الخارجي للسودان ربما وصل إلى 60 مليار دولار بسبب التأخير في الدفع وهو ما ترتب عليه فوائد، ولا زال مشوار الدين كبيرا، وهو يعرقل الاستفادة من العون الخارجي أو التعامل الطبيعي مع الدول، ولا بد من حملة عالمية وعلاقات تقوم بها الحكومة الانتقالية من أجل إعفاء هذه الديون، خاصة ديون البنوك والمؤسسات العالمية أو إلغاء الفوائد على الأقل، هل تعلمين أن أصل الدين الخارجي لا يتجاوز ال25 مليار دولار والفوائد عليه تبلغ 35مليار. *هل ترى أن الموقف الفرنسي داعم للثورة السودانية رغم ان اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ لا يجب أن نعتبر خطوة فرنسا بشأن إلغاء الديون هي دعما للثورة، فالعالم يقوم على المصالح المتبادلة ووزير المالية السوداني ذكر أن الباب سينفتح أمام الشركات الفرنسية للاستثمار في السودان، وهكذا فهم قدموا السبت كما نقول في المثل السوداني، ولكني أري ضرورة أن تخضع الاستثمارات الخارجية لمتطلبات الاقتصاد ،وأن يتم تعديل قانون الاستثمار لضمان أن لا تكون هذه الاستثمارات خصما على الاقتصاد شأنها شأن الاستثمارات السعودية والعربية التي وافق عليها النظام البائد. *هل الفرنسيين لديهم معلومات بوجود ثروات سودانية للاستثمار تفوق الصينية والإماراتية في المستقبل؟ والسودان يزخر بإمكانيات طبيعية وموارد هائلة وبالتالي العالم كله يرغب في أن يجد موقعا فيه وليست فرنسا وحدها، ولكن هنالك عثرات .. فالفساد وانهيار البنيات التحتية ومنظومة القوانين المتعلقة بالاستثمار تقف حائلا دون أي استثمار حقيقي، وهذا ما يجب ان تلتفت له الدولة أن أرادت المزيد من التعاون الدولي، بيد أنني أري أنه من الأفضل أن يتم إفساح الطريق للاستثمارات الوطنية في القطاعات الإنتاجية وتقديم التسهيلات للمستثمر المحلي متي ما كان مجال نشاطه يدعم الاقتصاد وينهض به. *مؤتمر المانحين الذي وعد بعقده ماكرون مدي استفادة السودان منه؟ مؤتمر المانحين فكرة قد لا تكون قريبة ولكن مثل هذه المؤتمرات تصاحبها اشتراطات سياسية واقتصادية، بعد الثورة يجب أن نختط طريقا اخر للاقتصاد، وان يكون الاعتماد على الذات وعلى تخصيص الأنفاق العام على ما يهم المواطن والوطن، كما نعتمد على قدرة السودانيين بالخارج على المساهمة في بناء السودان عبر صندوق دعم تنموي، واسترداد المال المنهوب يوفر إمكانات إضافية، وكذا تقليل الأنفاق العسكري والأمني. *فرنسا أصبحت الداعم للسودان في كل المواقف حتى في تحقيق السلام من خلال لقاء حمدوك ونور؟ إحلال السلام خطوة نحو الإصلاح والتقدم الاقتصادي، يمكن لفرنسا أن تسهم في دعم عملية السلام بتقريب وجهات النظر بين الحكومة الانتقالية وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد. وفي هذا الإطار أقول أن السلام القادم لا بد أن يكون سوداني سوداني، ويجب تهيئة المناخ لان تكون المفاوضات بالخرطوم وليس الخارج، كما أن ملف السلام والمفوضية يجب أدارته بواسطة الحكومة المدنية وليس مجلس السيادة. *في رأيك ما هي أسباب الأزمة الحادة في المواصلات وهل هي نتيجة لشح في مواد البترولية؟ الحل هو خطة إسعافية عاجلة عنوانها تخفيف المعاناة الاقتصادية، تبدأ بتخفيض الضرائب والرسوم على السلع الضرورية وكذا الجمارك والرقابة على الأسواق، ومنع الواردات الكمالية، والاستفادة مما هو متوفر من بصات وحافلات حكومية أو عسكرية في حل ضائقة المواصلات إلى حين حل جذري بإنشاء شركة مواصلات عامة في كل المدن، وتوفير الإمكانات لها . *ما هي الحلول المقترحة للخروج من تلك الأزمات، واعني ارتفاع النقد الأجنبي أمام المحلي .. ارتفاع الأسعار في الأسواق ..أزمة المواصلات.. الانقطاعات المتكررة للكهرباء؟ بالنسبة للكهرباء وحتى الغلاء ..فاحد الأسباب هو وجود رموز النظام السابق في كل المجالات وهم متنفذون في الاقتصاد وفي جهاز الدولة ولا بد من إبعادهم، كما يجب أن تعتمد الحكومة الشفافية في الإعلان عن أسباب الأزمات وكيفية حلها من أجل أن يعرف الناس الحقائق. *رأيك في منظمة (زيرو فساد) .. ومحاولات اغتيال بعض قياداتها؟ لا اعرف الكثير عن زيرو فساد، بيد أن مكافحة الفساد تحتاج لتغيير منظومة القوانين مثل حاجتها لجهاز عدلي وقضائي نزيه ومستقل، وهذا لا يتوفر الآن، لكنه مطلوب على وجه السرعة وان كان لدى زيرو فساد أدلة تجاه البعض فلتقدمها إلى مفوضية الفساد حال تشكيلها.