قبل سنوات قدمت الخطوط التونسية للمجلة التي كنت متعاون معها دعوة لتدشين الموسم السياحي الجديد في تونس فذهبت مع رئيس تحرير المجلة وهو دكتور سوداني عظيم رحمه الله . وجلسنا على المائدة وبجوارنا صحفي خليجي . وتعرفت عليه وله معرفة سابقة بالدكتور .سألنا عن حال السودان وأخبار الوضع الإقتصادي وعن السلام وعن حرب دارفور وكان طبيعيا أن أسأله عن بعض التفاصيل الدقيقة التي تطرق إليها وفي نهاية حديثه حكى لنا القصة التالية : بعد تنفيذ إتفاقية السلام بين جزء من حركات دارفور المسلحة والحكومة السودانية كلفتني قناة فضائية من ضمن الفريق العامل أن أجري مقابلات مع بعض الشخصيات من الحكومة ومن الحركات المسلحة الموقعة على الإتفاقية وكذلك أخذ عينات من الشارع السوداني أجريت جميع اللقاءات المطلوبة وعندما أردت أن آخذ رأي الشارع قررت أن آخذ عامل وبكل تفاصيل حياته مع أسرته حتى يكون توثيق لي في أي عمل آخر وأن أقضي أطول فترة ممكنة معه خلال اليوم في بيته ووافق فورا ورحب بالفكرة بمساعدة الزملاء فذهبت معه مكان عمله ثم بعد نهاية اليوم ذهبت معه الى بيته حقيقة ذهلت لم أتخيل أن يكون في ناس فقراء الى هذا الحد هذا العامل يعيش في بيت صغير جدا مع زوجته وأطفاله ووالدته المريضة وهذا غير الزائرين من خارج الخرطوم والبيت بالكاد يستطيع أن يعيش فيه هو وبقية أطفاله , وعن الراتب لا يستطيع أن يعيش به حياة كريمة نصف الشهر لكن بالرغم من هذه الظروف الصعبة لا تتخيل كيفية الإستقبال والحفاوة والكرم وأحسست بفرح بناته الصغار بوجودي وفي نهاية اليوم أو بعد الساعات التي قضيتها معهم حدثت واقعة غريبة وهي التالية : بعد الوداع أخدت أغراضي وكنت متأثر من فقرهم وبما إني سأكتب تقرير ومقال وسآخذ عليه مبلغ محترم فقررت وأنا ذاهب أن أعطي البنت الصغيرة 200 دولار فلاحظ والدها الفلوس في يدها اخدها وتفحصها وادرك انها فلوس سألها : من أين لك هذه الفلوس قاطعته وقلت له مني أنا غضب غضبا شديدا ورفض المبلغ وأرجعه فحاولت وترجيته ولكنه رفض وساد صمت بيننا ثم ودعتهم وذهبت. وقال: استنتحت من هذه الواقعة ان هذا العامل الفقير لقد علمني درسا لن أنساه (عندما يعاني الإنسان من كل هذا الفقر والقمع والظلم ويظل يحتفظ بشجاعته وكرامته فإنه حتما سينتصر على الفقر وعلى الظلم ولن تنكسر ارادته ابداً) تذكرت هذا الحوار في هذه الأيام بعد انتصار الشعب على الظلم والاستبداد والمضحك والمبكي أنه وبعد هذه التضحيات الجسام والمقاومة لنظام شرس مارس أبشع انواع الظلم والقمع ضد شعبه ولم يستطع كسر ارادته ارادة الثورة المضادة ان تنتقم للنظام وتثأر له وان تقوم بكسر ارادة الشعب مع استغلال وجودها في أهم المواقع التي تهم حياة المواطن للأسف من غاز للطعام ووقود ودقيق وغيرها وكذلك بنشر الاشاعات لانهم للأسف لازال منتشرين في الكثير من وسائل الاعلام والصحف لتعميق الهوة بين الثوار وحكومة الثورة !!! السادة الثورة المضادة الأغبياء : بافعالكم المجحفة الحقيرة لن تكسروا إرادة شعب عظيم بهذه الاخلاق ، بل ستزيدون إصراره على الحرية، وستعمقون وعيه بأهمية الثورة ومطالب الثورة واهمها سرعة إجتثاثكم وبلا رحمة ياسر عبد الكريم