بدأ الحراك الثوري في ديسمبر من العام الماضي بطريقة شعبية تلقائية لتدخل بعد ذلك أحزاب وقوى مدنية في تحالف عريض تحت مسمى قوى إعلان الحرية والتغيير وتوفر الغطاء السياسي وتساهم في ترتيب العمل الميداني حتى تكلل ذاك المجهود بسقوط النظام ، ومن ثم الضغط على المجلس العسكري وصولاً الى صيغة الحكم وتكوين الحكومة القائمة الآن ، وعلى إمتداد الحراك مر هذا التحالف الواسع بالعديد من المنعطفات التي هددت في بنسفه أحياناً ولكن يبدو أن الوعي بالظرف والمرحلة بالإضافة للرقابة الشعبية حالت دون إنفضاض سامر القوم ، رغم أنها خلفت وراءها تصدعات وإهتزازات للثقة بين الكتل والمكونات المنضوية تحته . ولعل الآن يمكن القول بأنه حدث الإنتقال من مرحلة الثورة الى مرحلة الدولة التي هي الأخرى تتطلب وضعية جديدة فكيف سيكون مستقبل تحالف (قحت) وماهي الأدوار التي يمكن أن يلعبها خلال المرحلة وما مدى صموده ونشوء إصتطفافات جديدة . قراءة في التكوين : تحالف (قحت) قام على أساس إعلان سياسي إحتوى على تسعة بنود تساند الثورة وتؤيد سقوط نظام المخلوع البشير دون شرط أو قيد كما توضح شكل البرامج والمهام الواجب تنفيذها في الفترة الإنتقالية ، ووقع على هذا الإعلان خمس كتل ثالث منها سياسية بحته (قوى الإجماع الوطني ، وتحالف نداء السودان ، وتجمع الإتحاديين المعارضة) وأثنين منها حقوقية ومدنية (تجمع المهنيين السودانيين وقوى المجتمع المدني) ، كانت العمل أبان فترة الحراك يتم عبر التنسقية تم تكوينها من خلال ممثلين للكتل سابقة الذكر ، ومن خلالها تم تكوين لجنة للعمل الميداني وهي كان مسئول عن إدارة حركة الأحتجاجات والتنظيم لها والتنسيق بينهم وبين لجان المقاومة بالأحياء التي لعبت هي الأخرى الدور حاسم في إنجاز الثورة . كان العمل في بداية الثورة وأواخر أيام نظام البشير يتم تحت غطاء تكتنفه السرية فقد كانت أجهزة الأمن تبحث بشرسة عن من يقف خلف التنظيم وقامت بأعتقالات واسعة بغرض تفشيل العمل وإخماد الثورة ولكن دون جدوى . بعد إعتصام الثوار بالقيادة وسقوط البشير في الحادي عشر من أبريل دخل التحالف مرحلة أخرى وقاموا بتكوين لجان للعمل من الوضع الجديدة مثلاً تم تكوين لجنة تفاوض وكانت مهامها تنحصر في الجلوس مع العسكر الذي إنقلبوا على السلطة للإتفاق معه في وثيقة سياسية ودستورية تحكم الفترة الإنتقالية ، كذلك تم تكوين لجنة (خماسية) وهذه اللجنة كانت مسئولة عن تجهيز برامج السياسيات البديلة للفترة الإنتقالية وإستلام ومعايرة المرشحين الذي سيشغلون مناصب الدولة ، كذلك تم تكوين لجنة للعلاقات الخارجية وأخرى للإعلام . كان يتم تكوين اللجان من خلال ممثلين للكتل الخمسة وكانت طريقة العمل تتم بطريقة منعزل كل لجنة على حد هو الأمر الذي أحدث إرتباك واضح على مسار الأحداث ففي الوقت الذي كان مثلاً يخرج متحدث من تجمع المهنيين ولجنة العمل الميداني ويعلن تعليق التفاوض بين (قحت) والمجلس العسكري كانت التنسيقة ترفض ذلك وتؤكد إستمرار التفاوض وتهدد بعض المكونات بالخروج من التحالف . بداية الصراعات : بدأ في تلك الفترة صراع خفي بين مكونات تحالف (قحت) بعضهم كان يرى أن ما قام به العسكر إنقلاب على السلطة لا إنحياز للثورة وكان هؤلاء يريدون أن تمضي الثورة الى غاياتها النهائية ، بينما رأي الأخرون أنه يمكن الجلوس مع العسكر والوصول الى تسوية سياسية ، التبابنات ظهرت جلياً على سير المفاوضات التي كانت تجري إنذاك ، كان الكفة الراحجة تميل للتفاوض والتسوية لكن تحولت الموازين بعد مجزرة القيادة وعملية فض الإعتصام ما خلقته من حالة رفض شعبي للجلوس مع العسكر قبل أن تتدخل القوى الإقليمية والدولية وتجر مشروع التسوية السياسية من جديد وصولاً لإتفاق الراهن الآن الذي ترتب عليها بالمقابل إعتراضات من بعض الأحزاب مثل الحزب الشيوعي الذي عبر عن رفضه للإتفاق ووصفه بأنه قطع الطريق على إكتمال الثورة معلناً عن عدم مشاركة في الحكومة بكل مستوياتها ، الخلافات بين الأحزاب وكتل (قحت) حول هذه النقطة تصاعد لدرجة التراشقات بالبيانات . الحزب الشيوعي لم يكن وحده رافضاً للإتفاق بل ظهرت الجبهة الثورية وهي أحدى أهم مكونات تحالف "نداء السودان" المنطوي تحت لواء الحرية والتغيير وأعلنت رفضها للإتفاق وأشارت الى أن ما تم عمل صفوي لا يراعي لقضايا الحرب وحل جذور الأزمة وإحلال السلام ولم تفلح المحاولات والمفاوضات في أديس أبابا أو غيرها من إرجاعهم من جديد الى حاضنة (قحت) كما كانوا بل عمقت الشقة أكثر وبانت ملامح تباعد . خلافات أم تباينات : في تلك الفترة كانت قادة (قحت) يقولون أن ما يحدث لا يصح أن تتم تسميه بالخلافات وإنما تباينات في الآراء داخل القوى مشيرين لعدم وجود تحالف سياسي يخلو من مثل هذه التبايات خاصة وأن القوى المكونه له مختلفه فكرياً وأيدلوجياً بل وحتى على مستوى القواعد الإجتماعية التي تنتمي لها هذه القوى السياسية معتبرين أن ذلك أمر طبيعي ولن يتصاعد ويتطور الى إختلافات عميقة قائلين بأن تحالف (قحت) محصن من الإنشقاق بحسابات المسئولية التاريخية التي لن ترحمهم إذا فشلوا . تضارب الأدوار : عموماً وبعد الوصول الى إتفاق وتشكيل الحكومة الحالية يقول المراقبون : أن هناك إنتقال من مرحلة الثورة الى مرحلة بناء الدولة ويشير هؤلاء الى أن التضارب مازال قائمة بين مكونات ولجان (قحت) ، ففي نفس الوقت الذي تصنف فيها بإعتبارها المرجعية السياسية للحكومة تقوم بتسير المواكب الإحتجاجية للضغط على الحكومة التي إختارتها وكأنها تريد أن تلعب دور المعارضة والحكومة تردد خطاب الثورة وهي تمسك زمام الدولة أو انها تعاني من ربكة في إتخاذ القرار . مستقبل التحالف : وفي ظل هذه الظروف يتسأل الناس عن مستقبل تحالف الحرية التغيير وأمكانية صموده مستقبلاً ويقول محللون سياسيون أن هناك خلل منهجي أصاب (قحت) فلا يمكن أن تكون حكومة ومعارضة في وقت واحد وهذا الخلل بزعمهم يعود بالأساس الى ضعف البنية التنظيمية لقوي اعلان الحرية والتغيير والناجم عن عدم قدرتها حتي الان بالإتفاق على هيكل تنظيمي يحدد التراتيبية القيادية لهذا التحالف الكبير ويحدد طرق وآليات إتخاذ القرار ويقنن العلاقة بين الجسم القيادي والهيئات التنفيذية له . مشيرين الى أن هذا الخلل الكبير انعكس سلباً علي شكل العلاقة بين الحكومة الإنتقالية وقوي إعلان الحرية والتغيير كحاضنة سياسية لها ، فبدت هذه القوى وكأنها معارضة قحة لا شريك أصيل يتحمل عبء الشراكة . المجلس المركزي : حين كانت التجاذبات بائنة بين المكونات داخل التحالف طرح إقتراح تكوين مجلس قيادي تكون له المرجعية الأخيرة في إتخاذ القرار ورغم أنه تمت الإتفاق عليه الا أنه مازالت تعتريه بعض الإشكاليات من حيث نسبة التكوين بين كل قوى بالإضافة الى مطالبات الجبهة الثورية بضرورة تأجيله الى حين الوصول الى إتفاق سلام وتكوين هياكل جديدة لكل التحالف . طبيعة العلاقة : الحرية والتغيير خلال الأيام القليلة الماضية قامت بتكوين آلية تنسيق جديدة بينها وبين الحكومة مكونة من عشرة أشخاص ويأتي ذلك في ظل سؤال مفصلي عن طبيعة العلاقة نفسها ، هل ينبغي أن تستشير الحكومة تحالف (قحت) في كل خطواتها تعتزم القيام بها أم تكتفي بتنفيذ برامجها في الفترة الانتقالية "السياسات البديلة ، البرنامج الإسعافي" . وفي ذلك يرى مراقبون أنه على قوى الحرية إعادة تنظيم صفوفها جيداً في البدأ لأن الخلافات أو التباينات ألقت بظلالها على فاعلية التحالف ومن ثمة على علاقته الحكومة ، بل وأدى الى بطء في وتيرة إيقاع خطوات الحكومة تجاه إنفاذ برامج وشعارات الثورة مما أدى لفتح الباب أمام المتربصين وفلول الثورة المضادة . المراقبون كذلك يشيرون بأن الحكومة غير مطلوب منها تقديم تقرير أداء دوري لقوى الحرية والتغيير فالأخيرة ليست حزباً حاكماً وأنما حاضنة سياسية شعبية والفرق جوهري . أخيراً : على العموم مازالت (قحت) أمام تحدي العبور بالبلاد وهي محاصرة كذلك بطبيعة الظرف والثورة وأرواح الشهداء ودموع أسرتهم ودماء المصابين وأمنيات الثوار بوطن أفضل ، فهل تستطيع الصمود أكثر والقيام بفعل سياسي يوازي المرحلة …؟ وهو سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة بالطبع .