ألامر الغير متوقع حدوثه في تونس، خلال الانتخابات التونسية، في الشهور المنصرمة، جعل جميع المراقبين رفع حاجب الدهشة، نتيجة للمفاجئة التي احدثها الرئيس الحالي قيس سعيد في المشهد السياسي العام التونسي، بفوزه بالاستحقاق الانتخابي في الجمهورية التونسية. وفوزه لم يكن من فراغ، وانما نتيجة لمجهود قوي وجبار، بذله الرجل منذ سنين، حتى توج رئيسا" على بلد انطلق منه الربيع العربي..وجاء ببرنامج انتخابي جدير بالاحترام، وبه اقنع السواد الاعظم من (التوانسة) للتصويت له، وبذلك الدعم اكتسح (قيس) جميع خصومه، افرادا" مناظرين ومؤسسات حزبية منافسة، لها باع طويل في الممارسة السياسية، ولكن الشعب التونسي قال كلمته، والتي جاءت نتيجة للوعي ألادراكي، الذي اعترى عامة الشعب، من خلال تجاربه، مع الساسة والمؤسسات الحزبية، التي مرت على الشعب التونسي. فالتجربة التونسية التي احدثها الشعب وأتت بالرئيس الحالي، جديرة بأخذها بعين الاعتبار، والوقوف عليها من جميع جوانبها الايجابية، ويجب على الشعب السوداني، استلهام تلك التجربة، لاحقا عند الاستحاق الانتخابي، القادم الذي سيعقب الفترة الانتقالية الحالية، واسقاطها بكل جوانبها المضيئة على الواقع السياسي السوداني المتأزم منذ الاستقلال. الثلاثة وستون سنة المنقضية، من استقلال السودان، كانت سنوات عجاف على الوطن، فشلت فيها كل الانظمة السياسية المتعاقبة، الدكتاتورية منها التي اخذت حيز كبير من الزمن، او الديمقراطية ((الخجولة)) التي مورست في ازمان قصيرة، وعلى طريقة (لا ارض قطع ولا ظهر ابقى). تكرار التجارب السياسية السابقة، سوف تؤدي الى نفس النتيجة، ونفس المماحقات السياسية، والصراع السياسي، بين الانظمة التي ادمنت الفشل، وتعود نفس السيناريوهات القديمة، وهي الصراعات العقائدية، (اسلامي شيوعي)، او (يميني، يساري) او اسلامي، علماني) وفي النهاية المحصلة صفر كبير، والخاسر الوطن. ثورة الثالث عشر من ديسمبر، التي هبت على النظام البائد كسيل العرم، والتي حطمت اوتاد خيمتة؛ المخيمة على الوطن منذ ثلاثون سنة، تذوق فيها ابناء الوطن صنوف العذاب، واصبحت خاوية على عرشوها، وطمرت بداخلها، مقولة ( سوف نسلمها لعيسى) الى الابد. خلال تلك الثورة، ارتفع الوعي الجمعي لدى افراد المجتمع السوداني، وخاصة فئة الشباب من الجنسين، اللذان قادا ثورة مكتملة الاركان، اصبحث حديث العالم، عنوانها حرية، سلام وعدالة، والثورة خيار الشعب. فالثورة الظافرة التي شهدها السودان، يجب الا تقف عند التغيير السياسي للنظام فقط، بل يجب ان تتعداه الى التغيير الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي، والمعرفي..الخ. وينبغي على شباب الوطن رفع مستوى الوعى الى درجات اعلى، ويمكن الوعي بصورة اكبر خلال الفترة الانتقالية..وفيها يتم تشكيل الرابط الوجداني، لدى الشعب، ومن خلال ذلك انتاج ((قادة)) ذوي حصافة، وبعد نظر، وسعة افق واسعة، ولهم برامج، مكتملة الاركان من بينها ادارة التنوع الاثنوغرافي، وادارة الموارد، وهما امران افتقدتهما كل الانظمة المتعاقبة على السودان، لذلك الوطن يحتاج لقيادة جديدة والالتفاف حولها، وان تضع في نصب اعينها، ادارة التنوع وادارة الموارد، اللذان حولا الوطن سابقا" الى نقمة، بدلا من ان يكونا نعمة عليه، فالقياة الالهامية مطلوبة بشدة لتحريك دفة سفينة الوطن بموارده وتنوعه، واخراجه من بين الامواج المطلاطمة، والابحار به بعيد، ومن ثم الرسو به في بر الامان. لذلك تجربة قيس سعيد التونسي، ومن الاهمية بمكان، يجب نقلها بحذافيرها الى الواقع السوداني، حتى تبعدنا عن جرثومة الاحزاب، المعروفة ((بالتمكين)) والتي كل حزب فاز بالسلطة، يسعى ان يطلق لها العنان في جسد الوطن المنكوب، خاصة في اوصال الخدمة المدنية. التجربة التونسية، خيرا للوطن، وقيس سعيد السوداني، لابد منه. ابراهيم محمد حامد ركزة. ((العجب ركزة)) [email protected]