ذهبت إلى أحد الدوائر الحكومية في الخرطوم لإنهاء معاملة خاصة وآخر إجراء كان هو مقابلة المدير لم أنجح في مقابلته اليوم الأول لكثرة المراجعين اليوم التاني تم إدخال المراجعين كل إثنيين مع بعض حتى يخفّ الضغط على المنتظرين. وكانت معي في الإنتظار سيدة محترمة فكانت تشكو لي بكل مرارة عن الوضع العام وعن الروتين الخاص بهذه المعاملة وحكت لي إنها على مدى يومين متتالين لم تستطع إنجاز هذه المهمة وهذا المدير لم يسلم من ألفاظها القاسية .. فدخلت إلي مقابلة المدير مع هذه السيدة الغاضبة فاذا به تندفع نحوه وتقول: (يا باشمهندس أشكرك كتير جدا في كونك تسمح بدخول إثنين مع بعض ويدل على احساسك بالمنظرين وقارنت وزارته باحد الدوائر الحكومية والمدير تفتحت أساريره وأنا مذهول وقالت أيضاً :إنها لم يطل إنتظارها كلها ساعة فقط) . انتهيت من معاملتي وذهبت ولكن لم أنس هذه الواقعه أبداً وأتذكرها دائما وخاصة بعد ان أصبحنا نعوم فعليا في مستنقع من النفاق. ويستحق إدخاله كقسم في كلية الاقتصاد والدراسات الاجتماعية . النفاق هو ان تظهر خلاف ما تبطن .النفاق ليس طبيعة في السودانيين أو في اي مجتمع وإنما هو تشوه سلوكي وينتشر في المجتمعات التي يطول فيها حكم الاستبداد ولذلك منتشر في المجتمعات العربية اما سبب انتشاره في المجتمع السوداني ناتج عن الاستبداد الذي كان لخمسة عقود ابتداءا من عبود والنميري ثم الاسوأ فترة الانقاذ… هذا يقودنا الى ان بعض السودانيين مازالوا يتحسرون على المستبد نميري او عبود او يطالبون بمستبد ان يحكمهم والعرب يتحسرون على جمال عبد الناصر او صدام حسين ، الذى تكون إرادته فوق القوانين جميعا ويستعمل قوته الباطشة فى تحقيق العدل. فلا يوجد مستبد او دكتاتور افضل من الوضع الديمقراطي مهما كان وإن فكرة المستبد العادل، تماما مثل اللص الشريف والمومس الفاضلة.. ليست سوى تعبيرات وهمية إذ كيف يكون المستبد عادلا اذا كان الاستبداد ذاته ظلما فاحشا؟!.. والدكتاتور مهما انجز فانه في النهاية يقود البلد الى الهاوية واثاره السلوكية على المجتمع اسوأ من الاقتصادية فيجب رفض الاستبداد من حيث المبدأ ولا ننتظر نتائجه السيدة التي دخلت معها الى المدير المستبدّ تعلم جيدا أن معاملتها بيد مدير هذه الدائرة يستطيع أن لا يوافق بتكملة الإجراءات إذا أغضبته ولن يسأله أحد عما يفعل لعدم وجود دولة القانون ولذلك فهي تنافقه لكي لا تخسر حقوقها هذا يدلّ على أن الاستبداد هو ما يجعلنا كذابين ومنافقين وأنانيين وجبناء.. إذا انت حرا وأحسست أن هناك قانونا يحميك فلن تنافق السلطة أبدا. أما إذا كنت وحدك أمام سلطة قاهرة غاشمة ارادتها هي القانون فسوف تسكت عن الحق أو تنافق. أذاً ننافق عندما نخاف من السلطة الغاشمة إذا أغضبتها وعندما نيأس من العدالة . متى نتخلى عن النفاق ؟ نتخلى عن النفاق بمجرد أن نتحرر من الديكتاتورية والإستبداد وتحكم دولة القانون عندئذ نتحرر تلقائيا من الخوف وندافع عن الحق .وهذا لن يتحقق بين يوم وليلة يحتاج الى وقت مع تضافر الجهود منذ التعليم المبكر وللاعلام دوره العظيم