في التسعينيات تخرجت من الجامعة وكان الكثير من لم تربطهم علاقة بالنظام الحاكم او بالجبهة الاسلامية يفكر بالهجرة لأن احتمال حظوظك في بعثة او وظيفة نادر جدا وانا كنت واحد من ضمن الالاف لا علاقة لهم بالجبهة الاسلامية وأول ما فكرنا فيه بعد التخرج كان الهجرة أو الهروب وكانت البوابة هي القاهرة وكنا نلتقي في مقهى التحرير وهو مقهي يفتح في ميدان التحرير وكنت أسأل جميع من قابلتهم الغالبية منهم ليس لديه وجهة معينة بل قال كثيرون انهم يريدون الخروج من السودان الى اي بلد فكرت انذاك كيف ان خسارة السودان فادحة في ابنائه ان هؤلاء اطباء ومهندسين واقتصاديين وفنانيين وقانونيين يحتاجهم الوطن لكنهم بمجرد ان يتموا تعليمهم يهاجرون . وسألت نفسي لماذا يرغب هؤلاء الشبان في الفرار ؟ اول ما تبادر الى ذهني هو الفقر لكن كان السبب الاساسي في هجرة هؤلاء الشبان هو فقدان الاحساس بالعدالة الاوضاع كانت مقلوبة انذاك الاجتهاد ليس شرطا للتقدم والكفاءة ليست معيارا للحصول على الوظيفة وحتى الثروة وصناعتها لا علاقة لها بنبوغك واجتهادك بل بمدى علاقاتك وكان كل انسان في السودان يعلم تماما ان القانون إنتقائي لايطبق الا على الضعفاء أما أصحاب النفوذ (الكيزان) فيكونون فوق القانون. وسوء الاوضاع الحالية يجب ان لا ينسينا أسوأ تجربة مرت على تاريخ السودان لعلنا نذكر الموظف الذي سرق مروحة وتم معاقبته بسرعة فائقة اما ابن الوزيرة الذي تم ضبطه يتعاطى مخدرات ويحمل كمية كبيرة تم اطلاق سراحه بالرغم من استخدامه سيارة الدولة وأينما وليت وجهك ستجد ظلما فاحشا، ستجد من يأخذ شيئا لايستحقه وآخرين محرومين من أبسط حقوقهم. أينما نظرت ستجد محسوبية ووساطة واستثناءات. إن غياب العدالة السبب الأصلى لتدهور كل شىء واهمها الاخلاق .إن الخلق الحسن ليس سلوكا انسانيا منعزلا يمكن اكتسابه بعيدا عن ظروف المجتمع، وانما تنتج الأخلاق عن السياق الاجتماعي السياسي الذي يخرج من الناس أسوأ أو أفضل ما فيهم.بالتالي تردي الاخلاق من (رشوة دعارة بذاءة عنف وغيرهما) وربط هذا الموضوع بهذه الفترة القصيرة بعد الثورة نوع من السذاجة والعبط فاخلاق المجتمع موضوع كبير جدا وشائك فلا يمكن بين يوم وليلة تستطيع تغيير اخلاق مجتمع من الاحسن الى الاسوأ او العكس وما زلت اكرر ان مشكلتنا ليست في الموارد وانما تتلخص في كلمتين : غياب العدالة.وان كان لهذه الثورة هدف واحد يجب ان يكون هذا الهدف عودة دولة القانون واي انسان اينما كان يستعيد إحساسه بالانتماء ويوجه طاقته على العمل إذا استعاد احساسه بالعدالة ان تردي الاخلاق والبذاءة المنتشرة في السودان ليست هي المرض وانما أحد أعراض المرض الاساسي وهو الظلم .لايمكن علاج الأعراض الا بالقضاء على المرض الاساسي وهو الظلم ثم بعد ذلك الاخلاق لا تحتاج الى خطب في المساجد او دروس ستأتي تلقائيا. ان أعقل الكتاب من يوجهون اقلامهم وكتاباتهم نحو تحقيق العدالة وأعيب عليهم عدم توعية المجتمع بالامراض التي تصيب المجتمع في عدمها وعندما يتساوى الناس امام القانون فقط سيبدأ المستقبل ياسر عبد الكريم