في السابق كنتُ مُتعلِّقاً بالسيِّدة "أونغ سان سوتشي"; رئيسة وزراء بورما الحاليِّة، عندما كانت بالنسبةِ لي أيقونة للنضال ضد الحكم الديكتاتوري العسكري، وقد أمضت ربع قرن من عمرها في المُعتقلات وقيد الإقامة الجبريِّة، قبل أن يرضخ المجلس العسكري البورمي الحاكم آنذاك؛ للضغوط الدوليِّة ويُسلِّمها السُلطة عام 2016 بشرطِ بقاء العسكر بدواعي الظروف الأمنيِّة، كما حدث معنا، ولكنّهم تمددوا وتمادوا حتى أخذوا من الصلاحيات ما ليس لهم، فأخذوا البلاد معهم إلى إبادة جماعيِّة ضِد أقليِّة الروهينغا، وانتهى الأمر بأونغ، بوقاً للعسكر، فانتهت قصة حُبِّي النضاليِّة لها، وعُدتُّ أسيفاً كسيراً! د. عبد الله حمدوك ليس; أونغ سان سوتشي، ولن يقبل أن يُصبح دُميَّة بيدِ العسكر، فهذا الأمر فضلاً عن استحالته، فهو أيضاً ضد التكوين الشخصي والفكري لدولة رئيس الوزراء؛ بوصفه ديمقراطياً مُستقلاً برأيه، لا يرضى (الدنيئة) في ثورتنا ولا مبادئه؛ لذلك رفض الوزارة عندما قدمتها له حكومة عسكرية يقودها مشير فهل يقبل بالرضوخ لمن هو أدنى؟! بالأمس أثار الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة؛ الساحة السياسية بإصداره مرسوماً بتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، ولا بأس، ولكن البأس الشديد في ما احتواه المرسوم من تجاوز ومُكر تم تدبيرهما بليل بإضافته لنفسه الأمّارة بالسُلطة صلاحيِّات غير متفق عليها، فمنحها رئاسة وسلطة مطلقتين دساهما كما يُدس السم في الدسم بين ثنايا القرار، رافعاً صلاحياته لما هو أعلى من مجلسي الوزراء والتشريعي مُجتمعين، كاشفاً عن نوايا ظل يستبطنها من اليوم الأول لتبؤه رئاسة مجلس السيادة، وربما انطلت نواياه على الكثيرين، إلاّ أنني، والحقُّ يُقال لم أثق به في أي يوم من الأيام – وعليه ألاّ يثق بي- ولستُ الأكثر ذكاء وبصيرة؛ ولكني أزعم أن لدّى ما يشبه قرنا الاستشعار فيما يتصل بمعرفة نفسية المُصابين بفوبيا المنصب، إذ تجدهم يتوحدون معه، يخشون ذهاب هيبتهم بذهاب المنصب، ومن درس الأنثروبولوجي – ولست منهم – سيفهم قولي!. لا شكّ أنّ هناك عدة أسباب أغرت الفريق البرهان بالتمددِّ، رغم إنّه رئيس شرفي بنص الوثيقة الدستوريِّة، بينها ما هو مُتعلق بضعفِ بعض مكونات الحاضنة السياسية لحكومة الثورة، بجانب الضعف البائن لغالبية الأعضاء المدنيين بمجلس السيادة، والذين/اللواتي؛ بدلاً عن أن يجلسوا مع العسكر كتفاً بكتف؛ مالت أكتافهم وطأطأوا رؤوسهم وأصبحوا أقل من (صبيّ العسكر)، أو نصف عسكري، ومن تربى في بيت الجُنديِّة من أمثالي يفهمون هذا المصطلح. فمِنْ أداءْ حسن شيخ إدريس ورفيقه في الصمت الحزين صديق تاور إلى عائشة موسى ونيكولا؛ ما يجعلنا نتحسر ونندب حظنا ونلطم خدنا على الليالي التي أضعناها في المساومة والمفاصلة على نسب تقاسم المجلس بين المدنيين والعسكريين إبان التفاوض، فظفرنا بقسمةٍ عادلة وشخصيات ضيزى، خصوصاً؛ السيدة نيكولا التي جعلتني أسهر الليالي مُناجيِّاً أبانا الذي في السماء؛ بأن يأخذها أو يأخذني أو يأخذ الطرف الثالث الذي جعلها صماء بكماء لا تنطق ولا تبادر! لن أطيل ولن استطرد وليس بالنفس ما يُحفِّز للتحليل وقول الحقائق المعروفة سلفاً بتشريفية المجلس ورئيسه الذي يريد أن يصبح رئيساً بالأمر الواقع، والحقيقة التي لا مِراء فيها ان د. حمدوك الرئيس الشرعي والوحيد للحكومة المدنيِّة، أما البرهان فهو ليس رئيسي ولا ينبغي أن يكون رئيساً لأحد مِنّا، فهو قائد الجيش، ويستحق الاحترام بهذه الصفة، أتت به شراكة الضرورة إلى رئاسة مجلس السيادة التشريفي، وقطعاً لن يكون عسكريِّاً رئيساً لحكومة الثورة، وإلاّ ماذا تغير، ولم ثار الشعب؟ أليس؛ ضدّ حُكم العسكر؟. هذه الحقيقة يجب أن يُسْمِعها أحدهم للبرهان؛ حتى يكبح رغباته و ويُجهض أحلامه الرئاسية، فمهما ضعفت الحاضنة السياسية للحكومة، إلاّ إنه لن يأتي يوماً يُصبح فيه عسكري رئيساً لحكومة الثورة، هذا ما يجب أن يستوعبه البرهان، أما إذا أراد ان ينتصر لأمانيه الشخصيِّة فليس هناك سوى طريقة واحدة، هي الانقلاب العسكري، وليحسن الذبح إذاً!