زيارة منوشين أنهت مقاطعة دبلوماسية وسياسية واقتصادية امتدت نحو ثلاثة عقود تمكين السودان من الوصول لمصادر تمويل تصل قيمتها لمليار ونصف المليار دولار سنوياً إبرام إعلان مبادئ (اتفاقيات ابرهام) للتعايش السلمي في الشرق الأوسط والعالم بين الخرطوموواشنطن أمريكا تؤكد الحرص على توصل السودان ومصر وإثيوبيا إلى اتفاق بشأن سد النهضة الطريق مفتوح حالياً أمام المصارف السودانية للتحويلات المصرفية مع العالم الخرطوم/ اسماء السهيلي ربما هي المرة الأولى ومنذ عقدين من الزمان تهبط طائرة مسؤل امريكي على مدرج مطار الخرطوم الدولي، حيث إن زيارة وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين الي السودان تُعتبر وفقاً لرأي المراقبين والمحللين السياسسين زيارة تاريخية بكل المقايسس خاصة عقب التحولات الكبيرة في علاقات الخرطوموواشنطن بُعيد الاطاحة بنظام المخلوع البشير. الزيارة استغرقت يوماً واحداً إلا أنها أنهت رسمياً وعملياً مقاطعة دبلوماسية وسياسية واقتصادية امتدت لقرابة ثلاثة عقود، كما أن تشكيلة الوفد المرافق لوزير الخزانة أشارت إلى مدلولات أخرى على رأسها البعد الاستراتيجي في العلاقات بين الخرطوموواشنطن إذ إلى جانب مستشار وزير الخزانة ضم الوفد مستشار الأمن القومي الأمريكي ومدير إدارة الخليج وشمال إفريقيا، كما أن المباحثات شملت قضايا مثل سد النهضة والتوترات على الحدود مع الجارة اثيوبيا، كما كان من أبرز مآتم خلال الزيارة إبرام اعلان مباديء إتفاقيات "ابرهام للتعايش السلمي بين الأديان والشعوب في الشرق الأوسط والعالم". * قفزات تاريخية ورحب رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك بالزيارة من خلال حسابه على Facebook قائلا: (رحبتُ اليوم بالسيد ستيفن منوشين في زيارة تاريخية كأول وزير للخزانة الأمريكية يزور السودان .. تأتي هذه الزيارة في وقت تُحقق فيه علاقاتنا الثنائية قفزات تاريخية نحو مستقبل أفضل. نحنُ نُخطط لاتخاذ خطوات ملموسة اليوم لتدشين دخول علاقاتنا الثنائية عهد جديد). وفور وصول منوشين والوفد المرافق أجرى الوزير الأمريكي لقاء برئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك بحضور وزراء شؤون مجلس الوزراء، العدل، الخارجية، الري والموارد المائية، ومستشار وزارة الخزانة آدم لييرك ومستشار الأمن القومي ومدير إدارة الخليج وشمال أفريقيا اللواء ميجيل كورييا والقائم بالأعمال الأمريكي لدى السودان برايان شوكان. وثمن رئيس الوزراء خلال اللقاء جهود الإدارة الأمريكية التى أفضت إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإعادة الحصانة السيادية مما يحصنه أمام القضاء الأمريكي من أي دعاوى مستقبلية. وبحث اللقاء المشترك العلاقات الثنائية بين البلدين وتطوير التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، الأمر الذي يعتبر مؤشراً قوياً لدخول العلاقات بين البلدين عهد جديد من التعاون والتنسيق المشترك بما يخدم الأهداف التنموية ولمصلحة شعبي البلدين. * سداد متأخرات واعقب اللقاء مع رئيس الوزراء توقيع السودان والولاياتالمتحدةالأمريكية مذكرة تفاهم بخصوص القرض التجسيري الذي ستقوم الولاياتالمتحدةالأمريكية بموجبه بسداد متأخرات السودان لمجموعة البنك الدولي، مما يُمكن البلاد من الوصول لمصادر تمويل تصل قيمتها لمليار ونصف المليار دولار سنوياً، وهي موارد حسب ما اكد مجلس الوزراء في تصريح صحفي ستدفع باقتصاد البلاد وتعين الحكومة على تنفيذ مشروعات البُنى التحتية والتنمية المختلفة، في وقت تدخل فيه البلاد لفسحات السلام، ووقع عن حكومة السودان وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة د. هبة محمد علي، فيما وقع عن الولاياتالمتحدةالأمريكية وزير الخزانة الأمريكي. (3) اتفاقيات ابراهام وكذلك جرى توقيع إعلان "اتفاقيات إبراهام"، حيث مثّلَ الجانب السوداني، وزير العدل، د. نصر الدين عبد الباري، فيما وقع عن الجانب الأمريكي وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوشين، وينص الإعلان على ضرورة ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان بمنطقة الشرق الأوسط والعالم، بما يخدم تعزيز ثقافة السلام، كما أوضحت بنود الإعلان أن أفضل الطُرُق للوصول لسلام مستدام بالمنطقة والعالم تكون من خلال التعاون المشترك والحوار بين الدول لتطوير جودة المعيشة وأن ينعم مواطني المنطقة بحياة تتسم بالأمل والكرامة دون اعتبار للتمييز على أي أساس، عرقي أو ديني أو غيره. * التفاوض والحوار ومن الملاحظ أن اللقاء الذي تم بين الوفد الأمريكي ورئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن قد لامس الى جانب الشراكة في قيادة البلاد بين الشقين العسكري والمدني فيها؛ قضايا وتطورات هامة من بينها التوترات على الحدود مع الجارة اثيوبيا وسد النهضة، حيث رحب رئيس مجلس السيادة بالزيارة واستقبل الوزير الأمريكي بالقصر الرئاسي، وأكد خلال اللقاء حرص السودان على تطوير علاقات استراتجية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في كافة المجالات وخاصة في المجالات الإقتصادية. واطلع البرهان وفد وزير الخزانة الأمريكية على موقف البلاد من التوترات الحدودية مع الجارة إثيوبيا، موضحاً أن ما قامت به القوات المسلحة السودانية هو إعادة انتشار داخل الحدود، مؤكدا حرص السودان على معالجة الخلافات بالتفاوض والحوار. من جانبه أكد وفد الخزانة الأمريكية برئاسة الوزير ستيفن منوشين، حرص بلادهم على تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك خاصة في المجالات الإقتصادية. وعبر الوفد حسب ما اعلن المجلس السيادي عن تقديره لحسن قيادة رئيس مجلس السيادة للبلاد وللفترة الانتقالية مناصفة مع مجلس الوزراء لتجاوز التحديات التي تواجه السودان، وأشاد الوفد بالجهود التي بذلت وتوجت بالتوقيع على إتفاق جوبا لسلام السودان، ووعد بالمساعدة في تنفيذ بنود إتفاقية السلام، وأكد الوفد حرصه على إلحاق الحركات غير الموقعة على الاتفاق لعملية السلام، وامتد النقاش إلى قضية سد النهضة حيث أكد الوفد الأمريكي خلال اللقاء مع البرهان حرص الولاياتالمتحدةالأمريكية على توصل السودان ومصر وأثيوبيا إلى إتفاق فيما يلي ملء سد النهضة وتشغيله. * تصفية متأخرات هذا وقد أصدرت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بياناً حول ما تم خلال الزيارة مُعلنة عن توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الخزانة الأمريكية لتوفير تسهيلات تمويلية لسداد متأخرات السودان للبنك الدولي والتي ستمكن السودان من الحصول على ما يزيد عن مليار دولار سنويًا من البنك الدولي لأول مرة منذ 27 عامًا، حيث جرى التوقيع بين الدكتورة هبة محمد علي أحمد وزيرة المالية المكلفة وستيفن منوشن وزير الخزانة الأمريكي بالخرطوم، وذلك في مقر السفارة الامريكيةبالخرطوم والتي تُعد الاكبر والاوسع في القارة الافريقية. وقالت وزارة المالية في بيانها تعتبر استعادة الحصول على تمويل المؤسسات المالية الدولية انجازاً للحكومة الانتقالية وخطوة مهمة في طريق البلاد نحو اعفاء الديون والاستفادة من منح المؤسسة الدولية للتنمية لتمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى وغيرها من المشاريع التنموية في جميع أنحاء السودان. كما اشارت الوزارة الى ان التمويل الدولي سيوفر دعم محوري لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بالتزامن مع الإصلاحات التي تنفذها الحكومة الانتقالية، والتي تسعى لمعالجة التشوهات الهيكلية في الاقتصاد وتعزيز النمو وتشجيع الاستثمار وبناء اقتصاد مزدهر لجميع السودانيين، خاصةً الشباب والنساء والمجتمعات المتضررة من الحروب والتهميش. وقال البيان : ( تأتي هذه الخطوة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بعد قرار واشنطن برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 14 ديسمبر 2020 وإعادة الحصانة السيادية للسودان في 22 ديسمبر 2020، تأكيداً على التزام الولاياتالمتحدة بدعم الاستقرار الاقتصادي في السودان ونجاح الفترة الانتقالية لتحقيق السلام العادل التحول الديموقراطي. (5) نقطة تحول هذا وقد علق مراقبون وخبراء اقتصاديون آمال كبيرة على الزيارة، حيث اشار الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير إلى أن ترأس وزير الخزانة الأمريكي للوفد الزائر له مدلولات خاصة حيث قال في تعليق له على الزيارة لصحيفة(المواكب) : (بالتأكيد الزيارة تعتبر نقطة تحول كبير جدا بالنسبة للسودان خاصة بعد حظر اقتصادي دام حوالي 27 عاما وبعدها تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتأكيد وزارة الخزانة هي التي تعنى بقرارات الحظر ورفع الحظر ومخاطبة المؤسسات الأخرى الدولية ويتبع لها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (اوفاك ) لذلك تشكل أهمية كبيرة، وكذلك الزيارة التي تقوم بها رئيسة بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي للبلاد اليوم الخميس أيضا تؤدي إلى تحول كبير جدا في العلاقات الاقتصادية بين السودان وأمريكا والغرب بصورة عامة). واشار الناير الى ان القرض الجسري الذي تم التوقيع عليه خلال الزيارة القصد منه إيداع مبلغ مليار دولار في حساب السودان لدى البنك الدولي قائلا: (صحيح هذا المبلغ قد لايستطيع السودان ان يسحب من هذا المبلغ ، ولكن هذا المبلغ قد تم إيداعه بغرض تنشيط الحساب بعد أن ظل راكضا لفترة طويلة لعدم قدرة السودان على التعامل مع المؤسسات الدولية ( صندوق النقد والبنك الدوليين ) وذلك حتى يتمكن السودان من جدولة مديونيته على صندوق النقد والبنك الدوليين وبالتالي الاستفادة من القروض التي يمكن أن تمنح للسودان في المرحلة القادمة سواءا كان في قروض أو منح سيتم استئناف ضخها للسودان)0 ويمضي الناير بقوله: (بالتأكيد سيتم فتح الطريق تماما امام المصارف السودانية للتحويلات المصرفية ومعلوم أن المصارف كانت تعاني من تعقيدات في استلام حصيلة الصادر السوداني وكان ذلك يؤثر سلبا على الصادرات وتعقيدات كبيرة في تحويلات الأموال للاستيراد حيث كان السودان يستورد بعض السلع التي تأتي من امريكا عبر دول اخرى وكان ذلك يشكل تكاليف اضافية عالية جدا ، والآن يمكن الاستيراد بصورة مباشرة من دولة المنشأ سواءا كانت امريكا أو أوربا وهذا يسهل قضية الاستيراد وتحويل أموال استيراد لكافة السلع وبالأخص السلع الضرورية والاستراتيجية). ونوه الناير أنه بعد هذه الزيارة سيصبح من المتاح لمن يدرس بالخارج أو يذهب للعلاج خارج البلاد تحويل ما يحتاجون من النقد الاجنبي للخارج واستلام من المصارف الخارجية ، مشيرا إلى أن هذا يتطلب ان يكون القطاع المصرفي بالبلاد جاهزا ومساعدة لهذه المرحلة ، قائلا وذكرنا من قبل انه لابد من تهيئة الجهاز المصرفي برفع راس مال البنوك المدفوع إلى (5) مليار جنيه للبنك الواحد وهذا مبلغ ضعيف جدا ولا يعادل سوى عشرين مليون دولار وهذا يعتبر الحد الأدنى لراس مال البنوك واي بنك لايستطيع ان يوفق أوضاعه انا اعتقد انه افضل ان يدمج في بنك اخر حتى نستطيع أن يكون لدينا كيانات مصرفية قوية). وأضاف دكتورالناير بقوله: (الزيارة تفتح الباب أمام السودان للمطالبة بإعفاء ديونه الخارجية كلية أو جزئية والتي تبلغ أكثر من (60) مليار دولار، علما بأن أصل الدين فقط هو 17 مليار دولار و هي فوائد وجزاءات خدمة الديون وهذه تشكل عبء كبير جدا على الاقتصاد السوداني). ويضيف الناير بقوله: (هذه الزيارة ستفتح الباب أيضاً ليس من قبل الإدارة الأمريكية فقط والغرب ولكن أيضا ستفتح الباب للاستثمارات العربية أيضا، ومعلوم أن المصالحة الخليجية الآن التي تمت ستصب في مصلحة السودان في المرحلة القادمة وبالتأكيد ستنعكس المصالحة إيجابا على المنطقة الإقليمية العربية بصورة عامة وايضا على السودان بصورة خاصة، باعتبار ان هذه ستساعد كثير جدا في تعامل السودان مع كل دول الخليج بلا استثناء وفتح مجالات الاستثمار لكل دول الخليج ومعلوم أن كل دول الخليج لديها استثمارات مقدرة لدى السودان سواءا كان قطر أو السعودية أو الامارات أو الكويت أو البحرين او سلطنة عمان وبالتأكيد مثل هذه العلاقات ستزيد من حجم التبادل التجاري وحجم الاستثمارات الخليجية وايضا الاستثمارات الأمريكية والأوربية بصورة عامة). ونبه إلى أنه من المعلوم أن السودان يحتاج للتكنولوجيا الغربية وبالتأكيد لن تأتي الاستثمارات فقط ولكن ستأتي التكنولوجيا الغربية والتي تؤدي إلي زيادة معدلات الإنتاج في قطاعات مهمة مثل قطاعات البترول والتعدين والزراعة وغيرها، لذلك الزيارة تشكل أهمية كبيرة ، ويضيف الناير قائلا:( لكن نأمل أن توظف حكومة الفترة الانتقالية هذا المناخ الإيجابي لمصلحة المواطن السوداني، فبالرغم من كل هذا المناخ الإيجابي الا ان سياسات الحكومة وموازنتها الجديدة للعام 2021م لا تصب في مصلحة المواطن ولاتريد اشعار المواطن بأن هناك تحسن قادم لذلك نأمل أن يكون هنالك تغير في هذه السياسات وأن تتخذ سياسات تخفف العبء على المواطن بدلاً من ارهاقه وزيادة العبء عليه بصورة كبيرة).