بينما يسدل الليل استاره على نهار حزين عاشته مدينة الأبيض أمس الاول، تنديداً بالأوضاع الاقتصادية، خلف وضعاً مأساوياً بالولاية، كانت حالة من الترقب تعتري البعض في مفترق البلاد انتظاراً لإعلان الحكومة في ثوبها الجديد، في حين انصرف البعض الآخر لتقضية اشغاله ولوازمه، فثمة يقين تجاه إعلان قوى الحرية والتغيير، زلزل ثوابته، فشلها في إدارة البلاد وتفاقم الأزمات، فما عاد يؤمن بها وبمعالجتها ولا حكومتها. وعلى الرغم من رشح عدد من الأسماء على وسائل التواصل الاجتماعي الا ان الحرص على معرفة هذه الأسماء والتأكد منها كان هو الشاغل، سيما أن بعضها أثار الجدل قبل الإعلان عنها أو حتى توليها المنصب بشكل رسمي. ولعل الدافع لدى الكثيرين للتأكد من هذه الأسماء، هو مزيد من التأكيدات على كيفية مضي الحكومة الانتقالية الثانية بعيداً عن المحاصصات، ولكن وبحسب مراقبين فإن المحاصصات لعبت دورها في التشكيل للحد الكبير، فكانت أبرز الأسماء المثيرة للجدل هي مريم الصادق المهدي وولايتها على وزارة الخارجية وجبريل إبراهيم وتقلده وزارة المالية وخالد سلك وترؤسه الوزارة الأولى وزيراً لمجلس شؤون الوزراء والقيادي ورجل الأعمال إبراهيم الشيخ وزيراً للصناعة، ليبقى السؤال حول فرص النجاح في ظل تعقيدات المشهد والخبرات والكفاءة العالية. مريم الصادق.. ست الحكومة ست الحكومة مريم الصادق المهدي أو كما يحلو لشقيقتها رباح تدليلها، احتفاءً بها عقب توليها منصب وزير الخارجية، ومن قبله منصب المتحدث باسم مجلس شركاء الفترة الانتقالية. ومن منطلق عظم التكليف وصعوبة مهامه التي تحتاج للخبرة الوافية الضافية، ثارت تساؤلات عدة حول كريمة الصادق وعلاقتها بالعلاقات الخارجية، كي تترأس وزارة الخارجية. مراقبون يرون في الترشيح وضعاً اعتبارياً لوالدها الراحل الصادق المهدي ونضالاته وسهمه في الثورة ومشاركته لإعلان الجبهة الثورية، غير أن الكثيرين يرون في حساسية الموقف وتعقيداته ضرورة الابتعاد عن المحاصصات والمجاملات. لكن وبعيداً عن المحاصصات الحزبية، تعيين مريم في المنصب وزيراً للخارجية يفرض عليها كيفية إدارة ملفات كثيرة أولها التطبيع مع إسرائيل، وهي القضية التي يرفضها حزب الأمة، ليصبح السؤال حول كيفية تعاطي مريم مع الملف. رئيس المكتب السياسي للحزب د. محمد المهدي قال في تصريح لقناة (الشرق) وزير الخارجية ملتزمة ببرنامج الحكومة الانتقالية بما فيها التطبيع مع إسرائيل، ليقفل بذلك التصريح الباب أمام أية تكهنات أخرى. جبريل إبراهيم.. تحديات المالية وزير آخر يثير جدل التحول من ميادين الحرب إلى إدارة اقتصاد دولة مأزومة. فتعيين رئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم في منصب وزير المالية حرك غباراً كثيفاً لاعتبارات انه قضى جل وقته في سوح الحرب ممسكاً بزناد بندقيته، ويدافع عن قضيته التي تكبره بسنوات وتصغره بخيبة امل. وعلى الرغم من سيرة الرجل المبذولة التي تقول انه دارس للاقتصاد، الا ان سنواته في العمل الميداني اكثر من خبرته في إدارة المال العام للدولة، سيما أن معضلة السودان في المقام الأول هي اقتصادية، فهل ينجح الرجل؟ مراقبون ذهبوا إلى مقدرته في إدارة الاقتصاد بحكم علاقته مع الخارج ويمكنه استجلاب دعم مادي، مثلما كان يدير شؤون الحركة، غير أن آخرين بدوا غير متفائلين بالقرار. جبريل في تغريدة له بدا أكثر تفاؤلاً، وقال انه لن يغمض له جفن حتى يقضي على صفوف الخبز والمحروقات وتوفير الدواء المنقذ للحياة بسعر مقدور، وذكر أن التكليف بالحقيبة في هذا التوقيت مهمة عسيرة، لكنه يعول على توفيق الله. ومن جانبه يرى المحلل الاقتصادي د. ياسر العبيد أن د. جبريل بحكم خبرته يستطيع إعادة ملفات كثيرة لوزارة المالية للتحكم فيها. ويقول العبيد ل (الإنتباهة) إن المعضلة تكمن في كيفية وضع برنامج لإدارة اقتصاد البلاد، منوهاً بأن جبريل لوحده لن يستطيع أن يحل المشكلة الا في وجود برنامج معين.. وتابع قائلاً: (هناك ضعف في السياسات المالية والنقدية ويجب مراجعتها، وأيضاً التحكم في تحويلات المغتربين وكيفية إعادة الثقة للجهاز المصرفي والمالي وكذا تفعيل دور البنك المركزي). خالد سلك.. الوزير المهندس لغط واسع وكبير اثاره تعيين القيادي بحزب المؤتمر السوداني عمر خالد (سلك) في منصب وزير مجلس شؤون الوزراء. وكان حتى ساعات قليلة قبل الإعلان هناك حديث كثيف عن إعادة رئيس الوزراء لقائمة ترشيحات وزارتي النقل والطيران ومجلس الوزراء لعدم استيفاء المعايير، لكن يبدو أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت الجسر عدلت في الكثير من المواقف. وجاء تعيين خالد في المنصب الحساس لاعتبارات ان الرجل أتى من قاعات الهندسة والعمل النشاطي السياسي، إلى العمل الإداري دون التدرج في مراتبه. فالمعروف عنه أنه كادر سياسي خطابي بحزب المؤتمر السوداني، وظل طوال (30) عاماً مناوئاً لنظام البشير ويدعو إلى إسقاطه، إلى أن جاءت ثورة ديسمبر. ويرى البعض أن تعيينه في هذا المنصب خلفاً للسفير عمر مانيس مكافأة له لجهوده في الثورة، مما أثار حفيظة الكثيرين. ويأتي اللغط من تعيين خالد في هذا المنصب لحساسية الموقف الذي تمر به البلاد، والذي لا يحتمل اي نوع من انواع المحاصصات. وبحسب المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس فإن الخبرات الإدارية مهمة جداً في تعيين الشخص في المكان المناسب له. ويرى أبو خريس في حديثه ل (الإنتباهة) أن ممارسة العمل العام تختلف كثيراً عن ممارسة العمل السياسي. وذكر أن المرحلة الآن لوضع البرامج والخطط دون محاصصات لانتشال البلاد من الأزمات الغارقة فيها. إبراهيم الشيخ.. رجل الصناعة ووزيرها رجل الصناعة إبراهيم الشيخ أيضاً آثار تعيينه جدلاً واسعاً وكبيراً، لتوليه منصباً مثل منصب وزير الصناعة. وعلى الرغم من تأييد الكثيرين لتوليه المنصب الا انه بالمقابل وضع آخرون الأمر في إطار كونه محاصصة سياسية دون تفسير آخر لها، لكن الرجل وفي حوار سابق له مع (الإنتباهة) قال إنه يعلم صعوبة التكليف، ولكنه ابن الكار ويعرف صعابه ومشكلاته، ويمكن أن يساهم في الكثير لحل المشكلات التي تعتري قطاع الصناعة. ولكن بالمقابل انتقد أيضاً المحلل السياسي عبد الرحمن ابو خريس التعيين، واتهم رئيس الوزراء بعدم مقدرته على كيفية تشخيص الأزمة. وقال أبو خريس ل (الإنتباهة) ان البلاد بحاجة لخبراء وليس لسياسيين ينفذون اجنداتهم الحزبية، وذكر أن الحكومة الآن حكومة سياسية وليست مهنية، وفي ظل المحاصصات تصبح الهزيمة أسهل مما يكون. الانتباهة