الحاضر، والحقيقة التي نعيشها تُثبت اننا في اسوأ مراحل تاريخنا، وذلك عندما يكون الموت مساوياً للحياة في القيمة، وكأنه خيار نلجأ اليه بمحض إرادتنا!. عجزنا، وقلة حيلتنا، بل وإنحطاط قيّمنا الإنسانية إلى هذه المستويات الاسيفة جعل من الموتى مشفقين علينا من التعاسة، و البؤس الذي نعيشه. نظرت من خلال الدماء السائلة من جثث الموتى المتحللة داخل الحاويات تظاهرات عارمة، وايادي تحمل لافتات، واعلام، وحناجر تهتف بأن شعباً يسكن هذه الارض بلا اخلاق، وبلا ضمير. رأيت تظاهرات عبثاً تدفعنا لنتحرر من ضعفنا، وهواننا، ووقلة حيلتنا " تظاهرات الموتى" لتبعث فينا الروح! نظرت إلى المشهد في جانبه الذي نسكن حيث السكون الذي كسرته الهتافات القادمة من داخل حاويات الموتى، ان الحقو بنا ففي الموت راحة، وقوة، وللموت صيحات، وحناجر.. هاهي فضحت الجميع، وقد اسمعت الموتى الاحياء! لا اخفي إنبهاري، وإعجابي بالقيّم الاخلاقية الغربية، وما اتعسها قيّمنا الإستهلاكية ملء الحناجر في المنابر كفصول للتاريخ، فالمشهد فيه جميعنا عراة حفاة يتقدمنا اكثرنا إثارة، ومجون. مشهد.. ارى مشهد في الغرب الكافر!! بشكل غير راتب، ولكنه يحدث بلا إنقطاع في اليوم، والساعة. هي عربة الإسعاف التي تغطي صافراتها، واضواءها المساحة الهائلة بين قيّمنا الإفتراضية " الوهمية" وقيّمهم التي تجعل من الإنسانية محراباً للعبادة، وإلاهاً يركع الجميع امامه تأدباً، وخشوع. انظر إلى هيبة الحياة التي تفرضها القيّم، والاخلاق عندما يقف الجميع في كل الإتجاهات لمجرد سماع صافرات عربة الإسعاف لمجرد انها تحمل مريضاً. يتوقف الجميع بمجرد السمع، ففي ايّ إتجاه تسير لا يعني احداً في شيئ، فكأن الجميع يصلي، ويدعو لأجل حياة من بذلت لأجله الصافرات إنساناً حياته سر القداسة، والعبادة. موقف لا يعرف رهبته إلا من شاهده، عندما يصمت الجميع امام الموت، وقداسة هبة الحياة. (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) نحن في حاجة لمراجعة انسانيتنا التي اصبحت بلا معنى. نحن بحاجة لأن نقف امام انفسنا بكل تجرد عندما نرى مشاهد لجثث بالعشرات متعفنة داخل حاويات وكأن الامر لا يعنينا. يا له من عار عندما صرخت من الحسناوات، فتاة من داخل صالة بنك الخرطوم "وا معتصماه" فكانت الإجابة في اقل من ثلاثين دقيقة، فرأينا وزيرين في المكان، بئس الكسب الرخيص عندما يصمت الجميع امام مشهد إنساني يهز الضمائر الحية التي تنبض بالحياة. 48 ساعة لم نرى احداً من وزراء الثورة اليتيمة، او نيابة عامة تجيب على الاسئلة. من هؤلاء؟ من الذي قتلهم؟ لماذا قُتلوا؟ أين مسرح الجريمة؟ كيف وصلت جثثهم إلى هذا المكان؟ اخيراً .. انت سوداني.. تحسس إنسانيتك.. جميعنا مسؤول لطالما لم نحرك ساكناً.