أصدر مجلس السيادة الانتقالي قراراً، بتشكيل قوة مشتركة جديدة لتوطيد الأمن في السودان وحسم التفلتات، وتم إسناد أمر مهمة تشكيل تلك القوات لعضو المجلس وعضو اللجنة الوطنية العليا لمتابعة تنفيذ اتفاق جوبا، الفريق ياسر العطا، وشمل القرار تحديد مهام واختصاصات تلك القوات المشتركة، التي تتكون من القوات المسلحة، الدعم السريع، الشرطة، جهاز المخابرات، ممثل النائب العام، وممثلين لأطراف العملية السلمية. ونص القرار الذي أصدره النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو، أمس الأول الخميس، على تشكيل قوة مشتركة لحسم التفلتات الأمنية في العاصمة والولايات وفرض هيبة الدولة، على أن تباشر القوات المنشأة في العاصمة والولايات بموجب هذا القرار أعمالها فوراً، وترفع تقارير أعمالها إلى اللجنة الوطنية لتنفيذ اتفاق سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية وحركات دارفور. وشهدت العاصمة الخرطوم وعدد من ولايات السودان خلال الشهرين المنصرمين، اضطرابات وتفلتات أمنية وهجمات مسلحة واسعة النطاق، فشلت القوى الأمنية والشرطية في التعامل معها، في وقت يرى مراقبون سياسيون وأمنيون، أن التعقيدات الناجمة عن العجز في مواجهة التفلتات والحد من حالة السيولة الأمنية؛ يرجع إلى التداخل في المهمات والأدوار بين قوات تنفيذ القانون، خاصة بعد وصول قوات أطراف العملية السلمية إلى العاصمة وبقية الولايات، دون مراعاة للحالة الحرجة التي يمر بها السودان، والبطء الذي لازم عملية الترتيبات الأمنية. وقبل يومين حاولت مجموعة مسلحة اقتحام السجن القومي في مدينة كادقلي في ولاية جنوب كردفان، واشتبكت مع الشرطة ما أدى إلى سقوط قتيلين، أحدهما من المهاجمين والآخر من السجناء الذين حاول المهاجمون تهريبهم. فيما تخوف بعض المواطنين من أن يكون قرار تشكيل هذه القوة مقدمة لقمع الحريات المدنية والاعتداء على حقوق الإنسان. وفي خطاب وجهه للشعب السوداني خلال الأسبوع الماضي، لتقديم المبررات للإصلاحات التي تهدف إلى معالجة أزمة اقتصادية عميقة وتوطيد الاستقرار في مرحلة انتقالية تمهد لإجراء الانتخابات؛ حذر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، من مخاطر حدوث فوضى، أو عودة الانفجارات الأمنية في نطاق واسع من البلاد، بدعم من فلول النظام المباد. وقد طرح قرار تشكيل القوة الجديدة العديد من الأسئلة، حول إن كان تشكيلها سيمثل حلاً أم تعقيداً أكثر للأزمة؟ وفي ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسي منتصر إبراهيم ل (مداميك): "إن قرار إنشاء قوة عسكرية مشتركة برئاسة الفريق ياسر العطا لحسم التفلتات؛ ما هو إلا صورة ساخرة طبق الأصل من اللجنة الأمنية التي كونها البشير قبل إسقاطه بانقلاب من ذات القوة المشتركة، فقد كان فيها الجيش والشرطة والمخابرات والدعم السريع والاحتياطي المركزي". ويضيف إبراهيم: "طبعاً قد يستغرب الناس من كيف يكلف الفريق حميدتي الفريق ياسر العطا برئاسة قوة عسكرية، أعتقد أنه قد يكون من حسن حظ الفريق ياسر أن يكون رئيس لجنة أمنية قد تؤول إليه السلطة تحت أي لحظة، والسلطة هنا أعني بها السلطة الانتقالية، إذ أن رئاسة قوة عسكرية بهذا القدر من الاتفاق بغض النظر عن منطقه؛ تمتلك ثقل المجلس العسكري الانتقالي الذي تكونت منه هذه السلطة الحالية". في وقت يرى خبراء أمنيون، أن الحل الناجع يكمن في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية بحذافيره، وتحكيم صوت العقل بإرادة سياسية كاملة، حتى تتحاشى السلطة الانتقالية أي ثغرة يمكن أن ينشأ منها ما يهدد الأمن والاستقرار. وبقول المحلل السياسي والضابط المتقاعد بالقوات المسلحة، علي ميرغني ل (مداميك): "أعتقد أن التفلتات الأمنية تمثل عرضاً لمشاكل لها عدة أوجه، منها اقتصادية ومجتمعية وأمنية، لذلك من الخطأ محاولة معالجتها بحلول أمنية"، مضيفاً أن الحلول الأمنية تكون مكملة لحلول اقتصادية واجتماعية، وليست حلاً قائماً بذاته منفرداً. وأشار ميرغني إلى أن مثال لذلك قرار حظر استخدام المواتر في دارفور الكبرى، والذي تم تطبيقه منذ عهد النظام السابق وحتى اليوم، لكن لم ينتهِ استخدام المواتر (الدراجات النارية)، ببساطة لأن هناك أسباباً اقتصادية ومجتمعية واجتماعية؛ جعلت من المواتر ضرورة في حياة مواطني تلك المناطق، منوهاً إلى أنه قد تدفع الإجراءات الحكومية المواطنين لتجنب استخدام المواتر في مناطق وجود السلطات، لكنهم قطعاً لن يتخلوا عنها. ويرى الضابط المتقاعد، أن ثمة أولويات، مثل أنه كان الأوجب دراسة ظاهرة التفلتات الأمنية من كل جوانبها، ثم وضع حلول لها على أن يكون الحل الأمني مكملاً لتلك الحلول وليس أولها، وتابع: "أعتقد أن أثر هذه القوات سيكون مؤقتاً وتعود التفلتات لحظة انسحاب هذه القوات التي لأسباب لوجستية لن تستمر لفترة طويلة".