أمس الثلاثاء، كانت الواحدة ظهراً ميقاتاً أجبر عقارب الساعة بالعودة إلى الوراء، حينما كانت الثورة مثل شعلة لا تزيدها أعاصير الغضب الشعبي إلا اشتعالاً ، كانت الخرطوم التي أوشكت على "غفوة" مباغتة بسبب "خدر" الأمنيات الصعيبة، كانت على موعدٍ مع معركة ثورية عنوانها الأول هو : (الأقلام الحرة في مواجهة العنف العسكري)، ولم تكن حادثة الصحافي علي الدالي، إلا مدخلاً لثورة نبيلة ضد تمترس السلطة الحاكمة في خانة العنف القديم أو الإمساك ب"حصانات" مدعاة ضد سيادة حكم القانون، وهي ذات الأسباب التي خرج ضدها شعب السودان في ثورته المجيدة مُقدماً المهج والأرواح لأجل صناعة التغيير المرتجى. بيد أن التراخي – مثلما يقول الصحافيون السودانيون- هو من جعل السلطات التي تحكم الفترة الانتقالية الحالية لا تظهر الجدية المطلوبة في وضع حد فاصل لظاهرة العنف المفرط من قبل القوات النظامية ضد مواطنيها كلما لاحت في الأفق فرصة أو سانحة لإظهار القوة الجبرية. وفي مساء الإثنين الماضي كانت ساحة مستشفى الزيتونة بالخرطوم، والتي وصل إليها الصحفي علي الدالي محمولاً على كرسي متحرك مصاباً حد فقدانه الوعي بعد أن تأذى جسده من أثر الضرب من قبل أفراد ينتسبون للاستخبارات العسكرية، كانت ساحة الزيتونة مثل فضاءات الثورة وحدت قلوب كل أهل الصحافة في قرار تاريخي باسم الدعوة لمناهضة العنف الحكومي. أصل الحكاية فور وصول الصحافي علي الدالي إلى مستشفى إمبريال أولاً ، تم تناقل الخبر عبر الوسائط بسرعة البرق، وبعدها تم نقل الصحفي الدالي إلى مستشفى الزيتونة، وهناك احتشد عشرات الصحفيين والصحفيات، وأدانوا هذه الحادثة بشدة، وأبدوا غضبهم وتذمرهم من تكرار مثل هذه الحوادث التي لا تريد أن تنتهي من مسرح الحياة السودانية، بعدها أعلن صحفيون وإعلاميون سودانيون من مختلف الأجسام الصحفية والإعلامية مقاطعة أخبار القوات المسلحة السودانية وكافة أنشطتها وفعالياتها لمدة ثلاثة تنديداً بالإعتداء على الصحفي علي الدالي من قبل (5) من منسوبي الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني. وأعلن الصحفيون في خمس كيانات صحفية تضم (منصة التأسيس لنقابة الصحفيين السودانيين ، اللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحفيين، اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين السودانيين، شبكة الصحفيين السودانيين، ورابطة إعلاميي وصحفيي دارفور) وعدد من الأجسام والكيانات الصحفية أعلنوا تنظيم وقفة إحتجاجية في تمام الساعة الواحدة من ظهر اليوم الثلاثاء أمس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية تنظيم وقفة احتجاجية للتنديد بالإعتداءات المُتكررة من القوات النظامية المختلفة على الصحفيين والإعلاميين، فضلاً عن تسليم مذكرة لمجلس الصحافة تحوي العديد من المطالب لحماية الصحفيين وضمان عدم إفلات المعتدين من العسكريين من العقاب خاصة بعد تكرر ظاهرة الإعتداءات على الإعلاميين من قبل نظاميين.بيان مشترك من الأجسام الصحفية المهنية بالسودان إعلاناً للإضراب ومقاطعة أخبار القوات المسلحة، وقال الكيانات الصحفية والإعلامية في البيان (اليوم وإذ تجتمع كلمة الجمهور السوداني بقطاع الصحافة والكلمة والإعلام، بشتى ألوانه طيفه المهني، مستنكرةً نمط الإعتداءات الفظة والغاشمة، على الصحفيين والاعلاميين، والتي بلغت قمة السوء والتنكيل، عبر الاعتداء غير القانوني والعنيف الذي أقدم عليه أفراد من منسوبي الاستخبارات العسكرية ضد الصحفي علي الدالي وعدد من المواطنين) ونوهت إلى أن هذا النهج في بات يكشف سوءة عسكرة وتجييش الفضاء العام، ويوضح استمرار عقل الاستبداد القمعي والتنكيل بالصحفيين في السودان الذين تكررت الاعتداءات عليهم ، جسدياً ورمزياً وقانونياً من خلال البيئة القانونية السائدة التي لا ترعى حرمات الصحافة، ولا تقدس مطلوبات الإنتقال في شرط مدني صحيح ودولة مؤسسات وسيادة حكم قانون. ونوه البيان على أن كلمة الصحفيين والصحفيات السودانيات اجتمعت على محجة الذود عن شرف المهنة وحماية الجسد الصحفي وحراسة حقوقه المشروعة، وقال البيان (فإن جمعنا وتوحدنا اليوم -بعد طول شتات وخصام- يعلن عن شاهق بنيانه لكافة الصحفيين والصحفيات وحراس الحقوق والضمير الحر، للإحتشاد غداً الثلاثاء 24 أغسطس الساعة الواحدة بتوقيت الثورة في الوقفة الاحتجاجية التي تأتي تحت شعار حماية الصحفيين والحقوق العامة أمام مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، لإدانة المسلك العسكري الذي يدنس شرعة الحقوق وينتهك معاني الوثيقة الدستورية). ونوهت الإجسام الصحية إلى الصرامة والبأس في تنفيذ هذه الخطوات، بفتح دفتر الشرف الصحفي وتسجيل أسماء المشاركين بالخطوات، إنقاذاً لشروط تنفيذها في الواقع ولحماية المشاركين من تغول المؤسسات وذوي النفوذ على مقررات الإجماع والوحدة الصحفية. أمام المجلس تدافع الصحفيون والصحافيات في المواقيت المعلنة سابقاً عبر بيان الكيانات الصحفية مجتمعة، إلى مقر مجلس الصحافة والمطبوعات بالخرطوم، وهناك تم تنظيم الوقفة الاحتجاجية من أمام المجلس في حضور وكيل وزارة الإعلام الرشيد سعيد، والأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، حسام حيدر، وتعالت هتافات الصحافيين المنددة بالبطش والعنف، وخاطب الحشد عدد من ممثلين الكيانات الصحافية مرسلين رسائل نارية في بريد المكون العسكري والمدني ، بأن الشعب السوداني لم يقدم اينائه الشهداء مهراً لجلوسكم في كراسي السلطة ثم الاحتفاظ بذات الوسائل القمعية والتعسفية التي كانت تمارسها الأجهزة الأمنية والعسكرية في نظام المخلوع البشير، ومن ثم أعلنوا عن مقاطعتهم لأخبار القوات المسلحة لمدة ثلاث أيام حتى يتحقق العدل والتحقيق في حادثة زميلهم الصحفي علي الدالي، داعين السلطات بضرورة هيكلة القوات النظامية لضمان تعافي هذه الأجهزة من الأساليب البائدة. تضامن الشارع الوقفة الاحتجاجية للصحفيين لفتت أنظار الشارع العام، منذ تجمع الصحفيين أمام مجلس الصحافة والمطبوعات وهتافاتهم المنادية بهكيلة الأجهزة الأمنية وتطبيق القانون واحترام الصحافة والصحفيين، كان التضامن واضحا من خلال إشارات التأييد الكثير لعدد من المواطنيين العابرين وذلك لرفع علامة النصر للوقفة الاحتجاجية، وكذلك أثناء مسيرة الموكب الذي انتظم من أمام مجلس الصحافة والمطبوعات حتى مبنى رئاسة الوزراء وكانت نفس ردود الأفعال للمواطنيين بالتأييد والمساندة بأن الصحافة هي السلطة الرابعة وعلى الصحفيين تقدم الصفوف للمطالبة بالحقوق. الإعلام في الخط في الوقت الذي يواجه فيه الصحفيين إعتداءات واشتباكات و عنف من قبل القوات النظامية، وفي الوقت الذي كانت فيه جموع الصحافيين تموج بالغضب والثورة، أصدرت وزارة الثقافة والإعلام بياناً قالت فيه وزارة الثقافة والاعلام تتابع تفاصيل حادثة الاعتداء على الصحفي علي الدالي، وأبانت وفق بيان لها قالت فيه إنها تابعت تفاصيل حادثة الاعتداء من قبل أفراد يتبعون للقوات المسلحة على الأستاذ الصحفي علي الدالي ، في يوم الاثنين 23 أغسطس 2021 م، وأدانت الوزارة الاعتداء الذي وصفته بغير المقبول ، وأكدت الوزارة في بيانها انها ستعمل وبالتعاون مع مختلف الأطراف المعنية في الأجهزة الأمنية والشرطية ومنظومات الصحفيين والإعلاميين على منع تكرارها مستقبلا وبما يتماشى مع متطلبات الانتقال الديمقراطي وحماية الحريات الفردية والجماعية وحقوق المواطن السوداني وسيادة حكم القانون، وأشادت وزارة الثقافة والإعلام في بيانها الصحفي بوقفة الصحفيين والإعلاميين وبمختلف توجهاتهم ومنظماتهم والذين لم يتأخروا في الإعراب عن تضامنهم مع الأستاذ علي الدالي بعد تعرضه لهذا الاعتداء، وقالت الوزارة إنها أخذت علما بالبيان الصادر عن إدارة الإعلام العسكري .. وأكدت متابعتها إجراءات نقل الملف إلى وكيل النيابة المختص بإجراءات البلاغ ليتم النظر فيه أمام المحكمة المدنية المعنية وأضافت الوزارة بأنها تعمل عبر برنامج الإصلاح القانوني والتشريعي على إعداد قانون خاص بحماية الصحفيين وبما يمنع تكرار مثل هذه الممارسات وفي إطار توقيع السودان في 9 ديسمبر 2020 م على " التزامات لاهاي لتعزيز حماية الصحفيين". الجريدة