اذكر كنت طفلا يافعا ،كانت امي تزين غرفتها الخاصة بادوات من الزينة ، اكيد متوارثة من مملكة كوش العظيمة ،لاسيما ونحن نعيش في فضاءها الجغرافي عند منحني النيل . لعل غرفتها التي اقصدها هي غرفة النوم في زماننا هذا ! كانت تعلق علي طول جدران الغرفة الاربعة بشكل هندسي ومرصوص بعناية مجموعة من "القداحة" وهي مصنوعة من الخشب ببراعة وإتقان، ومطلية بلون اسود ،ثم تضع تحت كل قدح "صحنا" " من الفضة – اي والله الفضة النفيسة و الغالية تامل ! على إمتداد الغرفة وتغطي جدران الغرفة كاملة بسجاد "برش" يسمى "الزقاف"مصنوع بمنتهي الجمال والروعة فيه فسيفساء من الاشكال والالوان من عيدان سيقان القمح، وليس سعف النخيل لان الاول يكون فاخرا ويستخدم للزينة وهو عبارة عن لوحة تشكيلية شديدة الإبهار والألق ، بينما البرش المصنوع من سعف النخيل عادة مايكون للإستعمال اليومي! ليس هذا فحسب، بل كانت ترتدي حللا ذهبية شديدة الجمال شديدة البهاء، مثلها مثل سائر النساء في ذلك الجزء من الوطن، ثم تبدلها بين الحين والآخر باخري من العاج المنقوش، لا ادري لماذا كنت اري السوار المصنوع من العاج غرببا في يدي امي، بل ربما كنت اراه غليظا وليس ناعما مثل اسوارها الذهبية الراقية ! حتي ذات مرة في لحظة طفولة طائشة كسرته متعمدا حتي تعود لاساورها الذهبية ! مازلت اذكر انها لم تغضب مني بل اخذته الي الصائغ الذي "جبر كسره" بنوع من السلك الناعم الذي بالكاد تراه العين اي حاكه ببراعة وحذق ! لعلي الآن شديد الندم إذ اني لم أسال امي في حينها عليها الرحمة والرضوان عن ماهية هذه الحلي النادرة التي تضعها علي معصمها ورقبتها وحتي علي قدميها "حجولا" من الفضة الخالصة ! لقد أسفت كثيرا كيف لم أستمتع بذلك الديكور الداخلي الذي كانت تصنعه بنفسها و تضعه علي جدران غرفتها الخاصة، لعلها هي غرفة النوم ولكن كنا نسميها " غرفة ناس امي " اي الغرفة الخاصة ! ولكن ماكنا نراعي حرمة غرفتها الخاصة ،ندخلها دون إستئذان حتي جاء علينا زمان شاهدنا اولادنا لا يدخلون علينا ونحن في ال master bed room إلا بعد ان يطرقون الباب ! وشتان بين الشعث الغبر ابناء القرية كما كنا ونفتخر، وبين ابنائنا اليوم من جيل المهاجر و التكنولوجيا ! معذرة قصدنا ان تكون مداخلة موجزة عن مدي تاثير ذلك الجيل من الامهات بكنداكات مملكة كوش العظيمة في تزيين انفسهن وبيوتهن ، فاذا بالإستطراد يسوقنا الي سرد من زمان الحاجة (قسيمي بت سعيد) عليها الرحمة والرضوان.