سلطت عملية جهاز المخابرات العامة السوداني ضد خلية لداعش في الخرطوم، الضوء على وجود هذا التنظيم، وفرص نموه وتمدده، في بلد يمر بمرحلة انتقالية هشة، تخللها محاولات انقلاب عسكري، بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير عام 2019. ووجود تنظيم داعش في السودان ليس بجديد، وليس وليد اللحظة، وهو ما يفسر وجود خلايا نائمة، كخلية الخرطوم، التي تم اعتقال 11 عنصرا منها، في عملية قتل خلالها 5 ضباط من جهاز المخابرات برصاص عناصر التنظيم. وأشار تقرير للخارجية الأميركية عام 2019 إلى وجود التنظيم في السودان، وحذر من تمدد نشاطه، كما رصد محاولاته تنفيذ عمليات إرهابية، ومنها طعن داعشي لضابط شرطة سوداني كان يحرس السفارة الأميركية في يناير 2018، وإنقاذ امرأة شابة بعد تجنيدها من قبل داعش في يونيو 2018. واشتباك أمس بمنطقة الجبرة حصل خلال قيام "قوة من جهاز المخابرات بتنفيذ مداهمة للمواقع التي يختبئ فيها الإرهابيون، وأسفرت العملية عن القبض على 11 من الإرهابيين الأجانب من جنسيات مختلفة"، وفقا لبيان صادر عن مدير الإعلام بجهاز المخابرات. وأكد البيان أن "المجموعة المكونة من 4 إرهابيين، لاذت بالفرار، بعد إطلاق الرصاص على القوة المنفذة للعملية". تنظيم آخر وعلى نقيض الرواية الرسمية، أصدرت جماعة تدعى "التيار الرسالي للدعوة والقتال – ولاية السودان"، غير معروفة، بيانا تبنت فيه العملية التي قتل فيها الضباط يوم أمس، نافية أي علاقة لها بتنظيم داعش، بحسب وكالة فرانس برس. وكانت الجماعة تبنت سابقا محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك في مارس 2020. ولم تحدد السلطات حينها من يقف خلفها، وفقا للوكالة أيضا. وتعليقا على تبني هذا التنظيم المتطرف للعملية، قال الأستاذ في العلاقات الدولية اللواء الركن محمد خليل الصائم، في حديث لموقع "الحرة"، إن هذا التيار "غير معروف في السودان، وكان على السلطات أن تدقق وتحقق وتجري مزيدا من التحريات وتتريث في هذا الشأن، لمعرفة المتورطين بالعملية". من جانبه، قال الخبير الاستراتيجي اللواء الركن المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب لموقع "الحرة إن "هذا التيار من خارج السودان، والعنوان الذي يتضمن (ولاية السودان)، يعني أن السودان جزء من ارتباطات هذا التيار". وأوضح أن "قيام هذا التيار بمحاولة قتل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبل عام، يعني أنه موجود داخل السودان ولديه عناصر، ومستعد لتنفيذ العديد من العمليات، ويستلزم الانتباه له ومحاربته بسرعة". وأبدى تنظيم داعش اهتماما متزايدا بالسودان عقب سقوط نظام البشير، حيث أشار أبو بكر البغدادي، أمير التنظيم حينها، في أبريل 2019 إلى السودان باعتباره ساحة معركة مستقبلية، وفقا لما ذكره المجلس الأطلسي. وفي أكتوبر 2019 قتل البغدادي جراء غارة جوية أميركية استهدفته في شمالي سوريا. وتحدثت تقارير أخرى عن نية التنظيم لإقامة ما أسماه "إمارة الحبشة"، التي تضم السودان ودول شرق أفريقيا. ولا يستبعد الصائم وجود "خلايا نائمة" أخرى لداعش في السودان، غير تلك الخلية التي تم ضبطها في الخرطوم. بدوره قال مجذوب إن "داعش ظهر في السودان عام 2018، وكان معترضا على إزالة النظام الإسلامي السابق، أو النظام ذو الأصول الراديكالية". وأضاف أن "خطر هذه الجماعات يكمن في أنها قد تعترض على التطبيع مع إسرائيل، وقد تعترض على التوجهات العلمانية للنظام الحاكم في السودان الآن". حدود رخوة ويجاور السودان دول تشهد اضطرابات وأحداث أمنية متكررة، مثل ليبيا وتشاد، وهو ما يعتبر خاصرة رخوة للسودان، إذ لا تستطيع قواته ضبط الحدود الشاسعة، ومنع تسلل العناصر المتطرفة والسلاح إلى السودان، بحسب المحللين. وأعلنت أجهزة الأمن السودانية في 6 ديسمبر 2019، إحباط عملية تسلل لعناصر إرهابية عبر الحدود مع تشاد، وقامت بتسليمهم للحكومة التشادية. وفي هذا الإطار قال الصائم إنه "من السهولة بمكان ما دخول العناصر إلى السودان، لأن هناك هشاشة في الأمن السوداني، في ظل مرحلة تشكل الدولة". وأوضح أنه "من السهل اختراق الحدود بسبب صعوبة ضبطها، وخصوصا أنها تلامس حدود 7 دول"، مضيفا أن "السودان لا يمكن أن يحتمل مزيدا من الأعباء والضغوط، مع هذه الهشاشة الأمنية والتناقض الموجود في الحكم بالسودان، حيث يصعب الحفاظ على الأمن". وفي هذا الشأن، أكد مجذوب أن "هناك خلايا تسللت من ليبيا إلى السودان، وهي خلايا صغيرة، وخطورتها تكمن في التدريب التقني العالي، وامتلاكها للمعلومات والأموال والأجهزة المتقدمة، مما يشكل خطورة على الأمن الداخلي في السودان". وتابع: "في ظل الحدود الرخوة للسودان مع الدول المجاورة غير المستقرة، قد تستطيع خلايا داعش التحرك عبر هذه الحدود، وهذا يتطلب وجود قوات مشتركة بين السودان وجيرانه لضبطها". صراع ويمر السودان بمرحلة انتقالية، يقودها المجلس السيادي الذي يتألف من قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية والمكون العسكري، وذلك منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير عام 2019. وتواجه الحكومة الانتقالية عدة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، فاقمتها جائحة كورونا، والفيضانات الموسمية التي تتعرض لها عدة مناطق في السودان، وكل ذلك يؤثر على الجهود الحكومية في مكافحة التطرف. ومؤخرا، شهد السودان محاولة انقلاب فاشلة، حيث أعلن مجلس الأمن والدفاع بعد اجتماع عقده في 21 سبتمبر الحالي، أن هذه المحاولة كانت بقيادة اللواء ركن عبد الباقي الحسن عثمان (بكراوي) ومعه 22 ضابطا آخرين برتب مختلفة وعددا من ضباط الصف والجنود. وذكر المجلس في الاجتماع، برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، أن الأجهزة الأمنية حصلت على معلومات بالتخطيط والتنفيذ لمحاولة انقلابية. وأوضح وزير الدفاع، الفريق ركن يس إبراهيم، في تصريح صحفي أن التحريات والتحقيقات الأولية أشارت إلى أن "الهدف منها كان الاستيلاء على السلطة وتقويض النظام الحالي للفترة الانتقالية". وعن تأثير الوضع الأمني على المرحلة الانتقالية، قال مجذوب إن "قيادتها (المرحلة الانتقالية) تعيش حالة من التوتر بعد محاولة الانقلاب، وهناك صراع خطابي ومعارك هتافية بين الطرفين"، في إشارة إلى المكون العسكري والمكون المدني. وحذر من موجة "عدم استقرار عبر اغتيال مسؤولين أو أجانب أو استهداف عناصر من بعثة الأممالمتحدة، ما يؤدي إلى اضطرابات خلال الفترة الانتقالية".