بعد ساعات ، ستشرف شمس 21 اكتوبر بإذن ربها ، وستزدان الميادين والحارات في ربوع وطننا العريض بمواكب أبناء وبنات شعبنا العظيم في تحية مستحقة لشهداء الثورة السودانية الأبرار علي مر الحقب والعهود . بعد ساعات ، سنفتح معاً كتاب الثورة السودانية العظيمة ،وسنقسم مجددين العهد و الوعد للشهداء بأن الراية لم ولن تسقط ...سنُقبِّل هامات أمهات الشهداء مواساة وإجلالًا وتقديرا علي ماإحتسبن من فلذات غالية ، وسنحيي حواء السودانية الجسورة التي ما بخلت ببنيها وبناتها دفاعا ووفاءا لإستكمال المشوار. بعد ساعات ، سينتصب العالم كله واقفا ، إحتراما وعرفانا ، بسلمية ووعي شعب نموذجي ومُدهش في تمسكه بسلوك مترفع رغم كل المحاولات المستميتة للمتربصين به وسعيهم الدؤوب لانزاله من منصته العالية بإستفزازه وجرّه للعنف والدموية ، وفي كل مرة يبرهن انه شعب يتمتع بعيار ثقيل ونادر من الوعي ! شعب يدرك حتي أطفاله الايفاع ان العنف لا يبني مشروعا ، وأن الدماء والبارود لا يزرعان أرضا ، وأن من يزهو برشاشه ويفاخر بحبال شريط الرصاص الذي يطوقه ، تفزعه وردة في يد طفل يزدريه بنظرة قوية ! شعب يعلم انه ولتحقيق طموحاته المشروعة في العيش بكبرياء في وطنه ، بإنسانية مُصانة وحرية مستدامة وأمن ونماء وسيادة ، لابد وان يعيش تحت نظام سياسي يسمح بتحقيق تلك الأمنيات الغالية في اقليم لا يعرف غالب شعوبه حقوقهم المشروعة، ولم يروا صندوقا إنتخابيا في حياتهم ولا يعرفون معني إختيار او محاسبة من يحكمهم ! لكن، وفي الجهة المقابلة ، فإن شعبنا الواعي يعلم يقينا ان مثل هذا النظام لايتم توزيعه مجانا في خيام المحشي والموز ، ولا ينمو مع حشائش المجاري ، ولا تشتريه الدراهم او الوعود . فما يريده شعبنا الأبي من حقوق ، فأمرها جلل ! اذ هي من المحظورات الممنوعة التداول في الديكتاتوريات العسكرية و الاسرية والقبلية . نعم ، تلك الحقوق لا تتوفر لأي شعب مالم يدفع ثمنا باهظا لقاء التمتع بها ، فالحريات تفديها دماء الشهداء لا خراف التكايا ولا تتوفر إلا في ظل نظام ديموقراطي ، النظام اليتيم في هذا الكوكب الذي يبذل للمحكومين حقوقهم الأساسية والانسانية ويمنحهم حريات الاختيار والتعبير وحق محاسبة من يحكمونه ولا يوفر ، مثل الديكتاتوريات ، حصانة مطلقة لمن يتسلط عليهم ويسرق ثرواتهم ويبطش بهم إن رفضوا الظلم .. بعد ساعات ، ستتفرج الدنيا علي طوفان بشري هادر يتدفق من باطن أرض السودان فيندلق هتافا وتصفيقا كسمفونية متناغمة علي أرصفة شوارع المدن وردميات الطرق الترابية . سيمفونية هي في حقيقتها مهرجانا ثوريا ، منضبطا لا يتعدي ولا يؤذي . سيمفونية طوفان تغسل ولا تدمر ، فيسبح في صفحتها أحرار الشعب و يغرق في لججها الزرقاء رموز الطغيان والتسلط . سيمفونية طوفان ينظف ويطهر ويُسمِّد ببذور النيل والغابة والصحراء والفداء وحب السودان كل بوصة في أرض الجمال ... أغدا ألقاك أيها النموذج الحضاري ؟ يالشوقي لسيمفونية مليونيات تهدر (حرية سلام وعدالة، الثورة خبار الشعب ). لله دره من شعب إنطبق عليه وصف إبنه الشاعر الفذ ( الهادي آدم ) ما خص به ملهمته: هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر. هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر. هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر. هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر.