مجلس الوزراء: عطلة عيد الاضحى بالأحد    السيسي يدعو إلى إلزام إسرائيل بالتوقف عن استخدام الجوع سلاحا    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    مدير ادارة الشرطة المجتمعية ولاية شمال كردفان يعقد اجتماعا مع اللجان المجتمعية للقطاع الشمالي للمدينة    تُقلل الوفاة المبكرة بنسبة الثلث.. ما هي الأغذية الصديقة للأرض؟    في المؤتمر الصحفي للمدرب كواسي أبياه..المباراة لن تكون سهلة ونملك الخبرة الكافية في مثل هذه المواجهات    بتشريف الرئيس سلفاكير ورئيس الفيفا…منتخبنا الوطني ينازل شقيقه في جنوب السودان    الجهاز الفني يقدم محاضرة المباراة ويعلن التشكيلة والجكومي يخاطب اللاعبين    هل كانت المرأة مسؤولة عن توزيع الميراث في "مصر القديمة"؟    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    ليفربول يخطط لإبقاء صلاح تفاديا لسيناريو "الرحيل المجاني"    لماذا قد تبدي "حماس" تحفظًا على قرار مجلس الأمن؟    الملازم أول (م) محمد صديق إبراهيم: لا يبالي على أي شق كان للوطن مصرعه    قنصل السودان بأسوان عبد القادر عبد الله يعلن دفن 51 جثماناً خلال ثلاثة أيام    بفستان أخضر.. إلهام شاهين وإيناس الدغيدي في العرض الخاص لأهل الكهف    وزير الداخليه المكلف يتفقد منطقة اوسيف    عدوي: السودان يمر بظروف بالغة التعقيد ومهددات استهدفت هويته    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    "حكم تاريخي" على المتهمين بالعنصرية ضد فينيسيوس    في عملية شهدت أحداث درامية بليبيا.. نادي الأهلي بنغازي يخطف لاعب الهلال السوداني جون مانو..يخفيه عن الأنظار يوم كامل ويقوم بتسجيله مقابل 450 ألف دولار للهلال ومثلها للاعب    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    شاهد بالصورة والفيديو.. ظهر وهو يصنع "القراصة" ويتحدث الفرنسية بطلاقة.. شاب سوداني متخرج من أفضل الكليات بتقدير ممتاز لم يجد وظيفة وأجبرته الظروف على عمل متواضع في الخلاء    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    إسرائيل: «تجسد الوهم»    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    بعد موسم خال من الألقاب.. البايرن مستعد للتخلي عن 6 لاعبين    السنغال تعمق جراح موريتانيا بعد السودان    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادرة لتجنب الانزلاق من شفير الهاوية (السير سوياً للذهاب بعيداً)
نشر في الراكوبة يوم 22 - 10 - 2021


تقديم:
ظل الانتقال الديمقراطي الذي بدأه السودان بعد نجاح ثورة ديسمبر 2018 متعثراً بسبب أداء شركاء الانتقال المدنيين والعسكريين الذي لم يكن في مستوى توقعات عامة السودانيين بعد أكثر من عامين على نجاح الثورة في إزالة النظام السابق الذي استمر حكمه لثلاثين سنة. وقد أفضى ذلك الأداء غير المستقر إلى دفع السودان نحو منعطف حاسم تجسد في حالة الاستعصاء الماثل بين شركاء الانتقال. وقاد تردي العلاقات بين شركاء الانتقال إلى تهديد الافتراضات الرئيسية التي تقوم عليها الفترة الانتقالية. وكاد السودان أن يدخل نفقاً مظلماً لولا فشل المحاولة الانقلابية الرامية لانفراد الجيش بالحكم في شهر سبتمبر الماضي.
وقد أدت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة إلى تردي العلاقة المضطربة بين شركاء الانتقال. وشهدت البلاد استقطاباً حاداً بين مكونات الشريك المدني حول التعامل مع الشريك العسكري لدرجة ساقت البلاد لشفير الهاوية. وعكست هذه التطورات المتلاحقة هشاشة العلاقة بين تلك المكونات لدرجة أشعلت العديد من التحديات الكبيرة كان أهمها تفجر الأزمة في شرق السودان وما صاحبها من تبعات سياسية واقتصادية وأمنية في مختلف أرجاء السودان.

الاستعصاء المدني-المدني.
شهد يوم 16 أكتوبر 2021 انفجار العلاقة المتردية بين مكونات قوى الحرية والتغيير التي تمثل الحاضنة السياسية للحكومة بتوقيع مجموعة من الفصائل على الميثاق الوطني وتسيير موكب أعقبه اعتصام بالقرب من القصر الجمهوري حتى تتحقق مطالب المجموعة التي يتصدرها حل الحكومة وإعادة تشكيلها من كفاءات مستقلة وتوسيع قاعدة المشاركة. وتضمّ "مجموعة الميثاق الوطني" كيانات حزبية وحركات مسلحة، أبرزها حركة تحرير السودان بزعامة حاكم دارفور مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الحالي. وفي المقابل أيدت "مجموعة المجلس المركزي" في قوى الحرية والتغيير تسيير موكب يوم 21 أكتوبر 2021 دعماً للانتقال المدني الديموقراطي، ومناهضاً للانقلابات العسكرية، ورافعاً لشعارات مناوئة لشعارات موكب واعتصام 16 أكتوبر 2021. وبعد أن عبر الشعب مفجر ثورة ديسمبر المجيدة عن موقفه الصريح من المجموعتين في موكبي 16 و21 أكتوبر 2021، فقد حان الوقت لتقابل المجموعتان هذه العبرة بالتدبر والاعتبار المستحق والدخول في حوار مسؤول يجنب البلاد ويلات فشل المرحلة الانتقالية، واضعين نصب أعينهم الدروس البليغة الصريحة والمستترة التي قدمتها لجان المقاومة، مفجرة وحامية ثوابت ثورة ديسمبر المجيدة، في مواكب 21 أكتوبر 2021.

الاستعصاء المدني-العسكري:
شهد العامان المنقضيان من عمر الفترة الانتقالية تواصل الخلافات بين الشريك المدني "مجموعة المجلس المركزي" والشريك العسكري. وتصدر هذه الخلافات مطالبة هذه المجموعة المدنية ببناء قوات مسلحة سودانية موحدة بعقيدة مهنية، واستكمال الترتيبات الأمنية المترتبة على اتفاقية سلام جوبا، واستكمال الأجهزة الدستورية (القضاء، النيابة العامة، المحكمة الدستورية، مفوضية الإصلاح القانوني)، ومدنية جهازي الشرطة والمخابرات، وسيطرة وزارة المالية على الشركات العسكرية والأمنية، ورئاسة المجلس السيادي خلال النصف الثاني من الفترة الانتقالية.. وفي المقابل يطالب الشريك العسكري بتوسيع قاعدة المشاركة في الحكومة الانتقالية، وشغل المناصب الوزارية بواسطة كفاءات وليس سياسيين.

خارطة طريق رئيس الوزراء:
طرح السيد رئيس الوزراء خارطة طريق للخروج من أزمة الحكم المستعصية خلال الفترة الانتقالية. وتأتي هذه الخارطة داعمة لمبادرته التي أطلقها في يونيو 2021 بوصفها منصة متوافق عليها. وتشمل أهم محاور الخارطة الوقف الفوري لكافة أشكال التصعيد بين جميع الأطراف، وعودة العمل في مؤسسات الفترة الانتقالية بحيث تدار الخلافات خارجها، واتخاذ الوثيقة الدستورية مرجعية للتوافق بين مكونات السلطة الانتقالية، والالتزام بتفكيك دولة الحزب لمصلحة دولة الوطن باعتباره التزاما دستوريا مع مراجعة طرق ووسائل العمل وضمان حق الاستئناف، وإنهاء حالة الانقسام والشقاق وسط كل مكونات الحرية والتعيير لتوسيع القاعدة السياسية للحكومة.

التسلسل في معالجة التناقضات الجوهرية ثم الثانوية خلال الفترة الانتقالية:
ينطوي الخروج من مأزق العلاقات المتردية بين شركاء الانتقال أفرزت تجربة الفترة الانتقالية خلال العامين الماضيين جملة من التناقضات الجوهرية والثانوية في الساحة السياسية السودانية. أما التناقض الجوهري فهو تناقض قوى ثورة ديسمبر المدنية والعسكرية مع قوى النظام السابق الذي ثارت ضده. وتتمثل التناقضات الثانوية في تفاقم الخلاف لدرجة العداء بين مكونات الثورة التي تدير المرحلة الانتقالية المتمثلة من المدنيين والعسكريين. وكان لذلك التناقض الثانوي أبلغ الأثر في تأخير إنجاز استحقاقات الانتقال في تحقيق السلام المستدام والانتعاش الاقتصادي وتهيئة البلاد للتحول الديمقراطي المنشود في إطار عودة السودان المنتظرة للمجتمع الدولي.
ولعل ما ساعد على تواصل الخلافات بين شركاء الانتقال ضعف المنهجية المتبعة في مخاطبة التناقضات الجوهرية والثانوية، حيث غاب نهج التسلسل والتدرج في معالجة هذه التناقضات. ذلك أن تركيز شركاء الانتقال خلال العامين الماضيين على مخاطبة التناقضات الثانوية قد تم على حساب مواجهة التناقض الجوهري مع النظام السابق الذي يسعى لإفشال الثورة برمتها. وقد أفضى هذا النهج إلى طمع اتباع النظام السابق في العودة للسلطة عن طريق الانقلاب العسكري واستغلال انشغال شركاء الانتقال المدنيين والعسكريين بخلافاتهم الثانوية.
وعليه أصبح من الضروري لشركاء الانتقال إعادة النظر في منهجهم الحالي في إدارة الخلافات الجوهرية والثانوية بحيث تولى الأسبقية الأولى لحسم التناقض الجوهري بسد الطريق أمام عودة النظام السابق لحكم السودان بخلاف ما تقرره صناديق الاقتراع بعد انتهاء الفترة الانتقالية. وهنا تبرز الضرورة القصوى لالتزام الشركاء بحل تناقضاتهم الثانوية بالدخول في حوار ميسر وجاد يعيد الثقة بينهم. ولا شك أن استنهاض القواسم المشتركة هو الضامن الحقيقي لنجاح الفترة الانتقالية في تحقيق هدفها الجوهري في إحلال السلام المستدام وتحقيق الانتعاش الاقتصادي الشامل.

ضرورة إعلاء القواسم المشتركة بين شركاء الانتقال وإرجاء القضايا الخلافية للحوار الميسر حولها:
يصعب على أي من شركاء الانتقال المدنيين والعسكريين الذهاب بعيداً إذا سار منفرداً. كما يستعصي على أي منهم التنصل من الثوابت مهرها ثوار ديسمبر بأرواحهم ودمائهم والتي لا مناص من جعلها قواسم مشتركة يجب التمسك بها من جميع الأطراف وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية. ويتصدر تلك القواسم المشتركة قيم الحرية والسلام والعدالة التي جسدت شعارات الثورة وأهدافها . كما تشمل القواسم المشتركة التحول للنظام الديمقراطي بانتهاء الفترة الانتقالية، ومدنية الدولة في إطار الشراكة بين المدنيين والعسكريين، ووحدة قوى التغيير التي لعبت دوراً مؤثراً في نجاح الثورة ضد النظام السابق، واستكمال الأجهزة الدستورية، وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو1989، ومحاربة الفساد، وتحسين الأوضاع المعيشية، ومعالجة قضايا الشباب الملحة.
وتشمل المسائل الخلافية إصلاح القطاع الأمني والعسكري، وأيلولة الشركات العسكرية والأمنية لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، والأجندة الاقتصادية، ورئاسة المجلس السيادي خلال النصف الثاني من الفترة الانتقالية، ومعالجة تداعيات مسار الشرق في اتفاقية جوبا. وعلى الرغم من أهمية هذه القضايا لاستكمال استحقاقات الفترة الانتقالية، إلا أن تباين الآراء حولها يستدعي الانخراط العاجل في حوار ميسر وطني ومسؤول لتقريب وجهات النظر للسير قدماً في إطار الشراكة المدنية-العسكرية وصولاً للتحول الديمقراطي المنشود.

حاجة الفترة الانتقالية لرجال دولة لتجنب الانزلاق من شفير الهاوية:
شهدت الفترة الانتقالية فترات تراجع فيها المدنيون والعسكريون على حد سواء عن ممارسة السلطة كرجال دولة وبرزوا كممثلين للمكونين المدني والعسكري. وقد أدى ذلك إلى تواصل الاستقطاب بين الجانبين. كما شهدت الفترة الانتقالية، خاصة حكومتها الثانية، سيادة رجال السياسة الذين يغلبون مصلحة الحزب والجهة على مصلحة الوطن. ومن ناحية أخرى، عكست محاولة الانقلاب الفاشلة في 21 سبتمبر 2021 انحياز قيادة الشريك العسكري لفئة العسكريين خصماً على المصلحة العامة للدولة والشعب المتمثلة في تحقيق استحقاقات الانتقال والتحول الديمقراطي. كما عكست هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة ضعف مهارات التوازن وإدارة العلاقات السياسية بشكل يحفظ الأمن والاستقرار لجميع المواطنين في كل مناطق السودان. وهنا تبرز الحاجة لضرورة التزام القيادات المدنية والعسكرية خلال الفترة المتبقية من عمر الفترة الانتقالية بالعمل كرجال دولة يسعون لتحقيق الصالح العام بدلاً من المصلحة الذاتية الإقليمية أو الفئوية.

معايير ضبط العلاقة بين شركاء الانتقال:
يتطلب ضبط العلاقة بين شركاء الانتقال التوافق على تعريف واضح لطبيعة وضوابط العلاقات بينهما. ففي النظرية التقليدية تقوم هذه العلاقات على مبدأ الاحتراف والمهنية، بمعنى أن العسكريين يجب ألا ينخرطوا في الحياة السياسة، بل تنحصر مهامهم في تنفيذ وإنجاز السياسة الدفاعية للبلاد. وبرز مؤخراً مفهوم آخر ينبني على مشاركة المؤسسة العسكرية في حماية التحول الديمقراطي في إطار حوار ميسر يشارك فيه المدنيون والعسكريون ومؤسسات المجتمع المدني وخاصة مراكز التميز. وتنبع وجاهة هذا المفهوم في دوره في تخفيف حدة الاستقطاب بين الشركين المدني والعسكري بمشاركة مراكز التميز في تيسير وتيسير الحوار الرامي لاعتراف كل شريك بالدور المكمل الذي يقوم به الشريك الآخر الذي تجلى في تشارك الجانبين في القضاء على النظام السابق في أبريل 2019. ومن ناحية أخرى، هناك ضرورة لتوسيع قاعدة المشاركة المدنية في أجهزة الدولة، بحيث لا تنحصر المناصب في فئة دون الأخرى.

دور قيادات الدولة في مرحلة الانتقال:
تفيد التجربة الماضية للانتقال أن مواجهة التحديات الماثلة مرتهن بسلوك القيادات المدنية العسكرية وتصرفهم كرجال دولة. وهنا تتأكد ضرورة التزام شركاء الانتقال بخدمة المصالح الوطنية، وبث المثل العليا في قيم وأعراف المواطنين وتطهيرها مما ألحقه بها النظام السابق. كما ينبغي لقيادة الفترة الانتقالية العمل الجاد لتحقيق التوازن بين ضرورة تحقيق العدالة وميزات السير قدماً نحو المستقبل، وتوجيه عقلية المواطنين نحو تحقيق السلام الدائم والتنمية المستدامة، وإعادة السودان للعضوية الفاعلة في المجتمع الدولي.
ولعله من صميم دور شركاء الانتقال اتباع معايير متينة للتقييم الدوري لأداء لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء المبني على النتائج المحققة (result-based) واتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة في حالة الإخفاق، سيما وأنه قد مضى من عمر الفترة الانتقالية أكثر من عامين. وتنبع أهمية هذا التقييم الدوري من قصر الفترة الانتقالية المحدد انتهاؤها في أول يناير 2024، وتهيئة البلاد للانتخابات العامة والحكم الديمقراطي المنشود. ولا شك أن هذا التقييم الدوري المفضي لما يلزم من إجراءات تصحيحية هو أهم الضمانات لاستقامة المسار نحو التحول الديمقراطي المنشود. ويقتضي التقييم الدوري للأداء بطبيعة الحال اللجوء للإحلال والإبدال في حالة ثبوت الإخفاق في ضوء التجربة العملية.

مبادرة لتجنب الانزلاق من شفير الهاوية في ضوء ثوابت ثورة ديسمبر المجيدة وحاكمية الوثيقة الدستورية:
تسير الأمور في السودان نحو تصاعد الأزمة بين شركاء الانتقال لبلوغ مرحلة كسر العظم بين الفرقاء. ومما يزيد من تبعات تصاعد الأزمة اللجوء لمواكب الشارع لحسم الخلاف، وما يصاحب ذلك من المخاطر الجسيمة التي قد تصل لحد الصدام الدامي بين المواكب المتصارعة. وتفادياً لهذه المآلات الخطيرة ينبغي البناء على القواسم المشتركة التي نصت عليها الوثيقة الدستورية واتخاذ ما يلزم لضمان هيمنتها على المشهد السياسي المتأزم. ولعل تحقيق هذا الهدف يستوجب تكوين حكومة توافقية واسعة القاعدة في إطار الشراكة المؤطرة في الوثيقة الدستورية بين المدنيين والعسكريين.

الإعلان السياسي لتوحيد قوى الحرية والتغيير المرتكز على مدنية الدولة والتصدي المشترك لأي انقلاب عسكري:
تمثل نقطة البداية في الخروج من الأزمة السياسية الراهنة توافق جناحي قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي والميثاق الوطني) على إعلاء ثوابت ثورة ديسمبر المجيدة، وتوثيق ذلك التوافق بالتوقيع على إعلان سياسي ملزم للطرفين تشمل أهم بنوده ما يلي:
1. الالتزام بقيم الحرية والسلام والعدالة التي تجسدت في شعارات ثورة ديسمبر المجيدة.
2. الالتزام بمدنية الدولة في إطار الشراكة بين المدنيين والعسكريين.
3. نبذ الانقلابات العسكرية والتصدي الصارم لكافة المحاولات الانقلابية لتقويض مدنية الدولة.
4. تنفيذ استحقاقات التحول للنظام الديمقراطي بانتهاء الفترة الانتقالية.
5. وقف كافة أشكال التصعيد والتفرغ لاستكمال استحقاقات الفترة الانتقالية المضمنة في الوثيقة الدستورية.
6. استكمال الأجهزة الدستورية.
7. تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.
8. تفكيك نظام الثلاثين من يونيو1989.
9. محاربة الفساد.
10. تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
11. معالجة قضايا الشباب الملحة.
12. الالتزام بمسار الاندماج في المجتمع الدولي.
13. التأمين على شغل المناصب السيادية والتنفيذية بواسطة كفاءات مستقلة تهيئ البيئة للتحول الديمقراطي وتمكن السياسيين من التفرغ لبناء كياناتهم استعداداً للانتخابات في عام 2024.
ويعقب التوقيع على الإعلان السياسي المرتكز على ثوابت ثورة ديسمبر المجيدة بين مجموعتي الحرية والتغيير يتوافق الجانبان على إعادة تشكيل مجلسي السيادة والوزراء من كفاءات مستقلة على النحو المقترح أدناه خلال فترة لا تتجاوز الشهر. ويشرع كل من مجموعتي الحرية والتغيير والعسكريين في تقديم ترشيحاتهم لعضوية المجلسين لكل من رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء وفقاً لتوزيع العضوية المقترح. على أن يواصل أعضاء مجلسي السيادة والوزراء الحاليين تصريف الأعباء لحين اكتمال ترشيحات المجلسين الجديدين خلال شهر تفادياً لحدوث أي فراغ سياسي.

إعادة تشكيل مجلس السيادة من كفاءات مستقلة:
يتكون مجلس السيادة الحالي من 14 عضواً على النحو التالي:
* 5 أعضاء يمثلون المجلس المركزي للحرية والتغيير.
* 5 أعضاء يمثلون الشريك العسكري.
* 3 أعضاء يمثلون الجبهة الثورية.
* عضو واحد توافق عليه المجلس المركزي للحرية والتغيير والشريك العسكري.

تقترح المبادرة إعادة تشكيل مجلس السيادة من كفاءات مستقلة بعدد 14 عضواً يتم ترشيحهم على النحو التالي:
* 5 أعضاء يرشحهم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.
* 4 أعضاء يرشحهم الميثاق الوطني لقوى الحرية والتغيير.
* 5 أعضاء يرشحهم الشريك العسكري.
على أن يتحاور الشركاء للوصول لاتفاق حول رئاسة مجلس السيادة خلال الفترة المتبقية من الفترة الانتقالية. وهناك ضرورة لقيام رئيس مجلس السيادة بالتدقيق اللازم لقوائم المرشحين لمجلس السيادة للتأكد من توافق المرشحين مع ثوابت ثورة ديسمبر المجيدة وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية ومقترح الإعلان السياسي لطرفي قوى الحرية والتغيير.

إعادة تشكيل مجلس الوزراء من كفاءات مستقلة:
يتكون مجلس الوزراء الحالي من 26 وزيراً على النحو التالي:
* 17 وزيرا يمثلون المجلس المركزي للحرية والتغيير.
* 7 وزراء يمثلون الجبهة الثورية.
* وزيران يمثلان الشريك العسكري.

تقترح المبادرة إعادة تشكيل مجلس الوزراء من كفاءات مستقلة بعدد 26 وزيراً يتم ترشيحهم على النحو التالي:
* 15 وزيراً يرشحهم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.
* 9 وزراء يرشحهم الميثاق الوطني لقوى الحرية والتغيير.
* وزيران يرشحهما الشريك العسكري.
على أن يقوم رئيس الوزراء بالتدقيق اللازم لقوائم المرشحين لمجلس الوزراء لتفادي الأخطاء التي ارتكبت في ترشيحات الكفاءات المستقلة لمجلس الوزراء الأول للفترة الانتقالية، والتأكد من توافق المرشحين للمجلس مع ثوابت ثورة ديسمبر المجيدة وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية ومقترح الإعلان السياسي لطرفي قوى الحرية والتغيير.

وبعد اكتمال الترشيحات لمجلسي السيادة والوزراء المرتكزة على ثوابت ثورة ديسمبر المجيدة خلال فترة الشهر، يطلب المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، والجبهة الثورية، والقوات النظامية من ممثليهم في مجلس السيادة تقديم استقالاتهم للسيد رئيس مجلس السيادة. كما يطلب هؤلاء الشركاء من ممثليهم في مجلس الوزراء تقديم استقالاتهم للسيد رئيس الوزراء. وعندها يكون المرشحون الجدد للمجلسين جاهزين لأداء القسم واستلام مهامهم.

الاستعداد لعقد المؤتمر الدستوري واستحقاقات التحول الديمقراطي:
وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية المعدلة بعد توقيع اتفاقية سلام جوبا تنتهي الفترة الانتقالية مطلع عام 2024 توطئة للتحول الديمقراطي المنشود. وعليه ينبغي الانخراط المباشر في القيام بالاستعدادات اللازمة لتهيئة المناخ السياسي، وتعزيز السلام والوحدة الوطنية، وإعادة صياغة البنية الدستورية والقانونية للدولة على قيم الديمقراطية، وضمان كفاءة الأداء التنفيذي للدولة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الصدد ينبغي الإسراع في عقد مؤتمر نظام الحكم والاستعداد اللازم لعقد المؤتمر الدستوري.
ونظراً للأهمية الكبرى للعملية الانتخابية في تبادل السلطة في النظام الديمقراطي، ينبغي للأحزاب السياسية وأطراف العملية السلمية تكييف أنماطها الفكرية والتنظيمية لتوسيع المشاركة المجتمعية داخلها. كما ينبغي لقيادات الدولة وقيادات المجتمع المدني والمجتمع الدولي المشاركة في إسراع وتيرة سن قانون الانتخابات، والسجل الانتخابي، والعمل على بناء القدرات للرقابة الانتخابية لضمان نزاهة العملية الانتخابية في جميع المراحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.