يا شارعاً سوى البدع اذهلت اسماع الملا كالبحر داوي الجلجلة فتحت شبابيك المدن للشمس و اتشابى الخلا سدا منيعا يا وطن يا شعب وهاج الفطن للظلم يوما ما ركع مهما جرى بئس الذي بيك ازدرى تبا لعهد السنسرة و النهب ثم السمسرة الثلاثون من اكتوبر 2021م أو يوم الزلزلة. يوم تفوق الشعب السوداني على نفسه و سير مواكبا أسماها مليونية فكانت ملايين يصعب حصرها و تعداد المشاركين فيها. خرجت الخرطوم عن بكرة أبيها، و لم يعد في شارع الستين مكان لواقف، و خرجت بحري فمشت المؤسسة بشرا على مد البصر، و خرجت ام درمان فكانت شوارعها الرئيسية كلها ثوارا بلا نهاية. و لم تتخلف مدن الاقاليم عن الركب، مدني و بورتسودان و القضارف و كوستي و حتى عبري في شمال بلادنا الحبيبة ، خرجت تنادي بمدنية الدولة. هذه الحشود غير المسبوقة استجابت لنداء قوى الثورة الحية، بالرغم من قطع الاتصالات ، و ضرب الناس في الشوارع ، و قتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي في الأيام القليلة الفائتة التي أعقبت انقلاب الجنرال برهان، الكاشف عن انقلاب القصر المستمر، و المعلن عن هوية السلطة الفعلية التي منعت الإنتقال. خروج شعبنا اليوم يختلف عن خروجه سابقاً، لانه خروج أعقب فرزا واضحا بين قوى الثورة و القوى المضادة للثورة، و رسم المشهد بوضوح ليقرر كل من شاء هل هو مع الدولة المدنية ام مع الاستبداد و الدولة العسكرية الشمولية. فالانقلاب الماثل الذي مازال يتبنى خطابا دفاعيا تضليليا يزعم فيه أنه يرغب في تصحيح مسار الثورة مما يعكس ضعفه، أسفر عن الوجه القبيح للجنة الأمنية لنظام الإنقاذ التي استمرت حاكمة بغطاء مدني شفاف لم يستر عورتها طوال العامين الماضيين، لكنها ضاقت به ذرعا و خرجت عارية حتى من ورقة التوت. و لضعفها حاولت التستر بالوثيقة الدستورية المعيبة، بعد أن علقت بعض موادها لتصبح صاحبة سلطة مطلقة، و هيمنة شاملة على جهاز الدولة التنفيذي و التشريعي فوق هيمنتها على السلطة القضائية. و ظنت – و كل ظنها اثم- أنها بذلك قد تمكنت من رقاب الناس، و انها قادرة على إعادة عقارب الساعة للوراء، و فرض نظام شمولي مجدداً، لتحمي مكتسباتها و مكتسبات شريحة راس المال الطفيلي التي تمثلها. لكن شعبنا العظيم خرج اليوم ليثبت أنه هو مصدر السلطات ، و أن الشوارع هو سيدها لا عساكر الجنجويد، و أن قرارات الجنرال برهان مرفوضة رفضا باتاً، و انه لا عودة للدولة الشمولية العسكرية الاستبدادية، و أن السلطة القادمة سلطة مدنية لا مكان للعسكر فيها، و أن الانقلابي برهان لا بد من محاسبته و تقديمه للمحاكمة. هذه المطالب أكدتها الجماهير بمجرد خروجها الذي يعتبر في حد ذاته هزيمة للانقلاب، لانه يعني كسر حالة الطوارئ المعلنة في بيان الانقلاب، و التي تحتم عدم التجمع و التظاهر و تسيير المواكب. و بخروج الجماهير و تنظيمها لهذا الحراك الضخم و طردها لمظاهر الانقلاب من الشارع، تتأكد سيادتها على شوارعها، و فرضها لارادتها على سلطة الأمر الواقع الانقلابية، و تحديها لقراراتها التي حاولت فرضها على تلك الجماهير. و الواجب هو رسملة هذا الانتصار و تحويله إلى فعل سياسي منظم ، يجبر السلطة الانقلابية على الاستسلام و تسليم السلطة للجماهير. فالمطلوب هو أن تتقدم قوى الثورة القاعدية التي أنجزت التغيير بمنظماتها الراهنة ، لتقود البلاد عبر صياغة وثيقة دستورية جديدة لدولة مدنية انتقالية، تقوم بواجب تفكيك التمكين و تعبيد الطريق للتحول الديمقراطي، لتنفذ برنامج الثورة المطروح دون شراكة مع العسكر الذين يجب أن يعودوا إلى ثكناتهم، و أن يتم إصلاح مؤسستهم العسكرية بعد التخلص من الميليشيات بالتسريح و الدمج، مع حل جهاز أمن الإنقاذ، و السيطرة الفعلية على الاقتصاد. و الأحزاب السياسية في تحالفها الفوقي ، عليها دعم السلطة الانتقالية المدنية و المشاركة في عملية التفكيك و البناء و الاستعداد للانتخابات القادمة عند نهاية الفترة الانتقالية. فقانون الثورة السودانية أصبح الآن واضح0 ، و هو أن مشروع الثورة، لا بد أن تنجزه قوى الثورة الحية التي تنجز التغيير، الممثلة في لجان المقاومة و تجمع المهنيين غير المختطف و لجان تسيير النقابات و أسر الشهداء و منظمات المجتمع المدني، التي عليها أن تضع تصورا تفصيليا لشكل السلطة و آلية اختيارها، دون أن يفرض عليها احد شكل سلطتها، فهي بنفسها تستطيع اختيار و ترفيع سلطتها الثورية. لذلك الواجب الثوري الاول الآن هو أن تتفق هذه القوى على سلطتها، و أن تعلنها كبديل لسلطة الأمر الواقع الديكتاتورية بقيادة الجنرال برهان، و أن تكلف لجنة تسيير نقابة المحامين بصياغة وثيقة دستورية جديدة فورا لا مكان فيها لمشاركة العسكر في السلطة، و أن ترفض رفضا مطلقا التفاوض مع اللجنة الأمنية للإنقاذ، و ترفض العودة إلى أي شكل من أشكال الشراكة معها. التردد في المضي في هذا الطريق ضار جدا و سيقود إلى تفويت لحظة ثورية جديدة، و هو واجب لا بد من إنجازه حتى تتمكن الجماهير من استلام سلطتها. و لا يمنع ذلك عدم سقوط سلطة الانقلابي برهان اليوم، لأن سقوطها أمر سيصل اليه الحراك الجماهيري حتماً، طالما حافظ على زخمه، و نوع أساليبه و طور إضرابه و عصيانه ليصل مرحلة العصيان المدني الشامل الذي يسقط النظام. فعلها شعبنا مجددا، و لم يرهبه قمع الانقلاب المنفلت، ولا قطع الاتصالات، و لا ضخ الدعاية المضللة ونشر الشائعات، و لا التكتيك الأمني الجديد الرامي لتقطيع أوصال العاصمة عبر الارتكازات، و لا همجية الجنجويد، و لا ارتقاء الشهداء. كل ذلك لم يمنعه من الخروج لرفض انقلاب اللجنة الأمنية المتجدد، و تقديم المزيد من الشهداء و المصابين. و لم يثنه عن قراره الرافض، الدعم الإقليمي للانقلاب، و لا المواقف المرائية التي تكرر أن إقصاء العسكر من المعادلة السياسية السودانية مستحيل. و لم يدخر ابناؤه في الخارج جهدا في دعمه بوقفاتهم المشهودة و المؤثرة، ليقولوا مع رفاقهم في الداخل لا للانقلاب و نعم للدولة المدنية الديمقراطية. اليوم يوم مشهود و عظيم من ايام شعبنا، يجب ألا يتم تضييعه بالمساومات مع العسكر في الغرف المغلقة تحت رعاية المخابرات الإقليمية، و يجب أن تتقدم القوى الحية لاستلام السلطة دون انتظار للراغبين في الحكم بإسمها للعمل ضد اهدافها. و قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.