موسكو - نيكولا ميلتيتش - بعد عشرين سنة على زوال الاتحاد السوفياتي لا يزال الماضي السوفياتي حاضرا بشكل كبير في روسيا. فلينين ما زال مسجيا في ضريحه في الساحة الحمراء بموسكو كما ان صورته منتشرة في كل مكان مع المنجل والمطرقة ورموز شيوعية اخرى. وتثير هذه الاثار الدهشة بدءا بتماثيل لينين المهيبة في موسكو امام وزارة الداخلية ومحطة لينينغراد للقطارات التي ما زالت تحتفظ بهذا الاسم، بالرغم من ان لينينغراد استعادت اسمها السابق اي سان بطرسبرغ. والمستغرب ايضا ان سان بطرسبرغ هي اليوم المدينة الرئيسية في منطقة ... لينينغراد. والتنقل في موسكو يشبه احيانا رحلة في الزمن الماضي تتمثل في جادة الذكرى الستين لثورة اكتوبر، وجادة كومسومول (الشبيبة الشيوعية) والشارع الماركسي وساحة الثورة ومكتبة لينين ومصنع المنجل والمطرقة ومحطات مترو الحرس الاحمر والبروليتاري او اكتوبر ومسرح لنكوم (كومسومول لينين)... ويندهش البعض لان احدى جادات العاصمة الروسية تحمل اسم يوري اندروبوف الذي تراس اجهزة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) خلال سنوات، وارسل المنشقين الى المعسكرات والمصحات النفسية واضطهد الكاتب الكسندر سولينتسين والحائز على جائزة نوبل للسلام اندريه سخاروف. والوضع مشابه في المناطق الاخرى حيث توجد في كل مدينة تماثيل للينين وشوارع باسمي لينين وكارل ماركس وغالبا شارع باسم دزرينسكي مؤسس الشرطة السرية السوفياتية المشؤومة السمعة. ويزين تمثال نصفي لهذه الشخصية التي تبقى هامة بالنسبة لاجهزة الامن الروسية، الباحة الداخلية لمقر الشرطة في موسكو. وتحمل احدى ضواحي العاصمة اسم دزيرينسك وكذلك مركز صناعي على مسافة 370 كلم الى شرق موسكو. وقال المؤرخ يان راتشينسكي العضو في منظمة ميموريال التي تنشط من اجل الحفاظ على ذكرى عمليات القمع في الحقبة السوفياتية بغضب "لماذا يكرم لينين ودزيرينسكي ومجرمون اخرون هكذا؟ لماذا تترك هذه اللوحات التذكارية على المباني التي وطأها لينين ذات مرة؟ موسكو ما زالت مدينة شيوعية". والتباين كبير فعلا بين العدد المذهل للنصب واللوحات التذكارية التي تشير الى الماضي الشيوعي والغياب شبه التام لما يمكن ان يذكر بالجوانب الماساوية لتاريخ الاتحاد السوفياتي. وقالت المؤرخة ايرينا شتشيرباكوفا العضو في ميموريال في مقابلة مع فرانس برس "لا يوجد اي لوحة على سجون موسكو تشير الى ان عشرات الاف الابرياء سجنوا فيها". في المقابل لا يزال مسؤولون عدة عن عمليات التطهير الدامية في الحقبة السوفياتية، خصوصا دزيرينسكي وخلفه منينسكي، يحتلون مركز صدارة في قلب العاصمة عند اسفل اسوار الكرملين والى جانب قبر ستالين. ولفتت شتشيرباكوفا الى "ان العمل على الماضي الذي بدأ مع سقوط الاتحاد السوفياتي قد توقف". وحدهما سولينيتسين وسخاروف يكرمان اليوم باطلاق اسم كل منهما على شارع حتى وان كانت هذه الشوارع موجودة في احياء لا تشهد حركة كبيرة. وتطالب ميموريال منذ سنوات عبثا بان تتحول النيابة العامة العسكرية السابقة التي اصدرت 30 الف حكم بالاعدام بين 1936 و1938 الى متحف للرعب او نصب تذكاري يكرس لضحايا عمليات القمع. وترفض السلطات ايضا وضع لوحات تذكارية في موسكو حيث عاش الكتاب فارلام شالاموف واسحق بابل ويوري دومبروفسكي ضحايا الرعب الستاليني كما قال راتشينسكي. وخلص المؤرخ الى القول "قد يعتقد ان هذه المشكلة ثانوية، لكني مقتنع بانه يجب ان لا نحلم بدولة قانون في روسيا طالما بقي تمثال دزيرينسك النصفي امام مقر شرطة موسكو وطالما تحمل شوارع ومدن اسماء مجرمين". ولم يبد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين والرئيس ديمتري مدفيديف اي نية للتخلص من اثار الماضي السوفياتي. وكان بوتين الضابط السابق في الكي جي بي ابان الحقبة السوفياتية وصف في العام 2005 انهيار الاتحاد السوفياتي بانه "اكبر كارثة جيوسياسية" في القرن العشرين.