كنت قد كتبت سابقاً عن جزيرة ( مقرسم ) أو جزيرة ( مكوار ) كما يحلو للبعض أن يسميها وقد عابت علي أصوات أكن لها كل إحترام وإعتزاز أنني لم أستق معلوماتي من مصادر موثوق في صدقها وأن كثير من المعلومات التي وردت قد يساور البعض الشكوك حول صحتها .. كما أن البعض قد كتب أن هذه الجزيرة جزيرة معزولة لا حياة فيها وأن مشروع ( قلب العالم ) الذي سينشئه ( الحصيني ) رجل الأعمال السعودي ربما عاد بالفائدة علي البلاد ..إلا أن من نظر إلي الأمر من منظور الفائدة الإقتصادية ترك أمور أخري هي في غاية الأهمية لتأكيد صدق القائمين علي الأمر من ولاة الأمور الذين أعدوا للصفقة في سرية تامة وبعيداً عن رقابة الصحف أو أجهزة الإعلام ويقيني أن هذ لا يدخل في باب المفهوم الفقهي ( إستعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان ) لأن في تطبيق القاعدة شرط مهم وهو مشروعية السبب وشرعية المقاصد.. وربما إستبق مقالي ذلك خبر بث في أجهزة الإعلام لرئيس البلاد وهو يرنو من علٍ إلي مجسم قلب العالم ويحيط به ثلة من أصحاب (العقالات ) وهم يقومون بالشرح لمشروع ( قلب العالم ) كما سيبدو في القريب العاجل عند تنفيذ المشروع. علي أنه يبدو واضحاً أن أصحاب المشروع من المستثمرين الأجانب قد إطمأن بالهم إلي مباركة القائمين علي الأمر في نظام الخرطوم للمشروع بصرف النظر عن دوافعه ومسببات قيامه ويدلل علي ذلك أن المستثمر المذكور قام بإعداد شريط ( فيديو )مسبقاً ( مدته سبع دقائق ) وقام بنشره علي موقع ( يوتيوب) كدعاية للمشروع وجذب للمستثمرين للإستثمار في المشروع .. والحق يقال أن الشريط كان جاذباً وتم إعداده وإخراجه في إحترافية كاملة ولو شاهده ( محمد أحمد ) لباع كل ما يملك ليكون جزءاً من المشروع القادم والمسمي حركياً ( قلب العالم ). وحيث أن الصفقة كانت مربحة لكل الأطراف لم يكن من سبب يؤخر إنجازها لأن ( الحصيني ) إشتري جزيرة تبلغ مساحتها عشرات الكيلومترات المربعة أو إستأجر لمدة مائة عام بسعر زهيد ..جزيرة لو دفع فيها أرقاماً مضاعفة لما نال جزءاً من مساحتها في أي مكان آخر في العالم .. وما يدعو للريبة حقاً سكوت النظام عن التدليل والشرح وقلة العائد من جزيرة لا يعلم الكثيرين عنها شيئاً وهنا تحديداً تتجسد شخصية المواطن ( دياب ) والذي يبدو أنه من حسن حظه أو سوء حظه قد أصبح دون أن يدري او لايدري خصماً للمتأسلمين في الخرطوم . وقبل الخوض في الخصومة وبيان الأسباب أن ( دياب) أصبح شوكة في خاصرة النظام وكيف إشتد عوده لمقارعة النظام والإنتصار في معركته القانونية ضد الدولة وجب بيان علاقة هذا ال ( دياب ) بجزيرة مقرسم وكيف أصبح النظام عدواً له بعد أن كان في خانة الأصدقاء .. ذلك أن المواطن (دياب ) هذا هو مواطن حقيقي وليس من نسج الخيال وهو أول من إنتبه إلي أهمية الجزيرة وسعي للإستثمار فيها وكان من الطبيعي أن يسعي لتأجيرها من الجهة الحكومية المختصة وهي ( حكومة ولاية البحر الأحمر) و قد إصطدم بعائق قانوني بعد أن أبلغ من قبل حكومة ولاية البحر الأحمر أن الجزيرة تقع ضمن ( محمية دنقناب ) للحياة البرية وأن رئيس الدولة قد أصدر مرسوماً جمهورياً بذلك وقد هدف القرار لحماية الحياة البرية والبحرية وإعادة توطين لعدد من أنواع الطيور والطرائد مما حدا بالمواطن دياب للسفر إلي ولاية الخرطوم للتعاقد مع جهة الإختصاص والتي إتضح بعد التحري والتقصي إنها وزارة الداخلية بإعتبار أن المحميات البرية تخضع للإدارة العامة لشرطة الحياة البرية وتتبع الإدارة المذكورة لوزارة الداخلية . ودون الغوص عميقاً فيما تم في مكاتب وزارة الداخلية وبالقفز لنتائج الجهود المضنية التي بذلها المواطن ( دياب ) من أجل تحقيق حلمه فإن محصلة المباحثات كانت عقداً حكومياً بإيجار الجزيرة للمواطن دياب ووقعت فيه وزارة الداخلية طرفاً في العقد وممثلة لجمهورية السودان ( مؤجر) ووقع المواطن ( دياب ) كطرفٍ ثانٍ ( مستأجر ) بعد الموافقة المكتوبة من ( المجلس الأعلي للإستثمار ) وفي الوقت الذي يبدو أن المواطن المذكور قد طار عائداً لولاية البحر الأحمر للإستفادة من الجزيرة وتسوية بعض الأوضاع العالقة مع سكانها الذين إدعي بعضهم ( بكل طيبة ) أنه مالكاً للجزيرة ( طمعاً في تسوية فورية مع المستأجر الجديد) وذلك للبدء في مشروعه السياحي بعد تسوية أوضاعه القانونية مع الدولة بعقد الإيجارة والذي هو في عرف القانون ( شريعة المتعاقدين ) كان يبدو أن الحكومة كطرف أول في العقد ( مالكة ومستأجرة ) لها رأيٌ آخر مفاده الضرب بعرض الحائط بأي إلتزام قانوني لها تجاه المواطن ( دياب) وإنشاء عقد إيجارة آخر لنفس الجزيرة مع ( الحصيني ) وبما أن الحكومة ( يدها طويلة ) فلم تمانع من أن تسمح لجهات الإعلام أن تبث علي الهواء مباشرة أنها أخلت بالعقد المبرم بينها وبين المواطن ( دياب ) لصالح المستثمر السعودي ( الحصيني ) وعلي المواطن المعني إن لم يعجبه الأمر أن ( يشرب من البحر ) . أما كيف أصبح ( دياب ) شوكة في خاصرة النظام أو ( شوكة حوت) في حلقه فإن المواطن المذكور وبعد أن صرف مبلغاً لا يستهان به للتحضير لمشروعه السياحي وقام بسداد مبلغ الأجرة كاملة لحكومة السودان حسب العقد المبرم بين الطرفين فلم يجد بداً من تجنيد أساطين القانون إستعداداً لمعركته القانونية طويلة الأمد التي ستطول ضد النظام صاحب الأذرع ( الأخطبوطية ) في مفاصل الدولة وستنتقل المعركة من ساحل البحر الأحمر إلي ساحات العدل بعد أن شرع المواطن في أخذ الإذن لمقاضاة الدولة والمطالبة بتعويض مالي يبدو أنه ( مبلغ فلكي ) بإعتبار أن الدولة إستفادت ( مبلغ عشرة مليار دولار أمريكي ) .. ويعلم القاريء أن مبلغ التعويض أو التسوية سيكون خصماً من أموال الشعب المغلوب علي أمره شاء الشعب ذلك أم أبي لأن ( أصحاب الأعواد ) لن يرجعوا شيئاً بإعتبار أن ( البيعة تمت ). النظام القائم أو الدولة سمها ما شئت ستجد نفسها مضطرة لقبول التسوية مع المواطن ( دياب ) لأنه علي الحق وذلك حرصاً منها علي إستمرار تعاقدها مع ( الحصيني ) دون ( شوشرة ) وفي الوقت الذي يبدوأن الجميع قد خرج رابحاً من (صفقة جزيرة مقرسم ) يصبح المواطن المسكين هو الخاسر الوحيد بعد أن سدد كل أموال المستفيدين و( أصحاب الأعواد ) وخرج من مشروع ( قلب العالم ) خالي الوفاض ويضرب كفاً علي كفٍ وفي قلبه حسرة ولوعة وهو يدعو مخلصاً أن يعمي الله بصيرة النظام عن أي جزيرة أخري . عمر موسي عمر - المحامي [email protected]