سن اليأس" مفهوم ظل قاصراً على المرأة لأزمنة طويلة، وقد دعّمه المجتمع من جهة وسخر منه من جهة آخري، وكأن المرأة مخلوق يتحمل دائماً تشويه المجتمع ويظل صامداً، بيد أنه في الآونة الأخيرة اخترق هذا المفهوم "عالم الذكورة" فارتفعت الأصوات مستنكرة ما يوصف به الرجل، وكأنه مخلوق من "نور" لا يتأثر بتداعيات الزمن ولا نوائب الحياة. "سبق" اخترقت "صمت الرجل" وتواصلت مع المختصين للتعرف على حقيقة سن اليأس لدى الرجل وأعراضه؟ وكيف تتعامل الزوجة مع زوجها في هذه المرحلة الحرجة من حياته؟ تغيّر في السلوك في البداية تحدثت ل "سبق" أم عبد الله قائلة: منذ أن بلغ زوجي الخمسين لاحظت تغيراً في سلوكه، فهو يثور لأمور بسيطة لا تستدعي ما يقوم به. وتابعت: في إحدى المرات ازدادت عصبيته وبدأ يسبني بأقبح الشتائم، وتطور الموقف فطلب مني مغادرة البيت فوراً. التزام الصمت وأعربت "وفاء" عن قلقها من تغير زوجها عند بلوغه الخامسة والأربعين، فقالت: ألمحه دائماً يلتزم الصمت وكأنه يفكر في شيء عميق، وعندما أطلب منه مشاركته في أحزانه، يلومني ويطلب مني مغادرة المكان قائلاً: أريد الجلوس بمفردي. واستكملت حديثها: عندما أتحدث معه عن مشكلات أبنائنا يتهرب مني ويبدي عصبية غير عادية في الرد عليهم. زوجي يحبطني وشاركتها المعاناة "أم فيصل" فقالت: عندما يدعونا أحد الأقارب لنزهة أو رحلة يعتذر قائلاً: أفضل الراحة يومي الإجازة. موضحة أن زوجها أصبح يتحاشى النظر إلى عينيها، بل يتعمد أن ينام في غرفه بمفرده. وتابعت: أحاول التخفيف عنه وتغيير نمط حياتنا، بيد أنه يحبطني دائماً ولا يشاركني أفكاره. احتواء زوجي بيد أن "ريما" أبدت سعادتها باحتواء زوجها في هذه المرحلة قائلة: قرأت كثيراً عن أزمة منتصف العمر عند الرجل، وقد وجهت كل مشاعري لزوجي للاهتمام به أكثر وأشعرته أنه "ملك البيت"، وتابعت: شعرت أنه مثل الطفل الصغير يحتاج للحنان والحب، وبفضل الله ثم بمساعدة أحد الأطباء المختصين استطاع زوجي اجتياز هذه المرحلة بسلام. إحباط نفسي في البداية أبان ل "سبق" استشاري جراحة المسالك البولية وأمراض الذكورة والعقم الدكتور فيصل نصار، أنه لا يوجد تعريف عالمي لسن اليأس عند الرجل، بيد أن نقص هرمون الذكورة (تستوستيرون) يبدأ عادة حول سن الخمسين، موضحاً أنه ظاهرة فسيولوجية طبيعية عند الرجل, تؤثر على قدراته الجنسية من ضعف في الرغبة، وضعف في الانتصاب. وتابع نصار: معظم الهرمونات في الجسم يقل إفرازها وبالتالي يصاب الرجل في هذه المرحلة بضعف عام وخمول وكسل، لافتاً إلى بداية شعوره بالإحباط النفسي الذي يضاعف من تأثير الضعف الجنسي، ويصيبه بعصبية شديدة حيث يتأثر بأتفه الأسباب، وأوضح أن الأمراض المزمنة كالضغط والسكري قد تعجل ببلوغ هذه المرحلة. هرمون الذكورة وبسؤاله حول وجود علاج للحد من أعراض هذه المرحلة، أجاب: يوجد هرمون الذكورة على عدة أشكال، كالحبوب والحقن واللصق، مبيناً أن أفضلها الحقن كل ثلاثة أشهر، وشدد على ضرورة استشارة الأطباء المختصين في أمراض الذكورة والعقم، وإجراء الفحوصات اللازمة. وحذر من استخدام هرمونات الذكورة دون متابعة دقيقة من الاستشاري المتخصص، لافتاً إلى احتمال إصابة الرجل بسرطان البروستاتا، وأوضح أن الرجل أكثر تأثراً من المرأة في هذه المرحلة، حيث أعراض الضعف الجنسي تكون واضحة عند الرجل مقارنة بالمرأة، وختم حديثه قائلاً: من الضروري معرفة أن العلم قد تطور كثيراً، خاصة مع تقدم الفحوصات الطبية والعقاقير التي تجعل الرجل يجتاز هذه المرحلة بامتياز. بداية النهاية كشف المحلل النفسي مستشار العلاقات الأسرية الدكتور هاني الغامدي أن كافة الدراسات أثبتت أنه في سن الأربعين ينتقل الإنسان وبشكل سريع إلى نوع مختلف من إعمال العقل والفكر، يؤدي لاختلاف نسقه الشخصي عن المرحلة السابقة، موضحاً أنه في هذه المرحلة تتغير ملامح الجسد فتصل لأقصى مراحل جمال الذكور، وأقصى أبعاد الأنوثة لدى النساء. وأضاف الغامدي: أيضاً يتسم الشخص بالاتزان الذي اكتسبه من خبراته وتجاربه، وتحمّله للقرارات العقلية والعاطفية، فضلاً عن التفكير بشكل احترافي حتى ينفذ رسالته التي سعى لتحقيقها عبر السنوات الماضية. وأبدى اندهاشه مما يعززه الوطن العربي عامة والمجتمع السعودي خاصة لمفهوم يتناقض مع الدراسات والأبحاث، منتقداً من يصف مرحلة الأربعين أنها "بداية النهاية"، وأوضح أنها أعراض فسيولوجية لها تأثير نفسي بسيط، وليس ما يعتقده العامة أنه مرض عضال له علاج، وعلى الفرد أن يخضع له. ورأى أن اسمي "سن اليأس وأزمة منتصف العمر" قد تخللهما بعض الشوائب التي جعلت الكثير يخافونها، خاصة ممن يحيطون بالفرد الذي وصل لهذه المرحلة، ضارباً مثلاً باعتقاد الزوجة أن زوجها سيتزوج عليها، دون أن تنظر لرصيدها في قلبه الذي من المفترض أن تطمئن عليه طالما هي زرعت ذلك التاريخ بتجاربها المشاعرية معه. اغتيال حلم وبسخرية علّق الكاتب ثامر الميمان قائلاً: لا أجد تفسيراً لعبارة "سن اليأس عند الرجال" فإن كان المقصود عدم الإنجاب، فهذا قد يحدث عند المرأة أولاً، وإن كان المقصود "الانحسار" وهو عدم القدرة على العطاء العقلي والفكري، فإن سلفادور دالي مات وفي نيته رسم لوحته الأخيرة "اغتيال حلم"، ومعنى ذلك أنه كان في قمة نشاطه الذهني وقدرته على التفكير والتخيل. ورفض مصطلح سن اليأس عند الرجل، خاصة للقادرين على البقاء ضمن حركة المجتمع من حولهم، موضحاً أن أعظم قصائد الحب وقصص الغرام يجيد كتابتها "المسنون"، مشيداً بخبرتهم وتجاربهم في الحياة التي أصقلت قدرتهم على القياس والاستنباط وإسقاط حقائق الحياة في مواقعها
